استطلاع للرأي بالدنمارك: تراجع الثقة بالسياسيين قبل الانتخابات العامة... وتقدم للأحزاب الجديدة
أظهرت آخر الاستطلاعات التي ظهرت نتائجها أمس الإثنين، ونشرتها صحيفة يولاندس بوستن مع مؤسسة "نورستات" لقياس الرأي، تراجعا في مقدار الثقة التي يحظى بها السياسيون الدنماركيون، حيث يجيب 1 في المائة فقط أن لديهم "ثقة كبيرة جدا"، فيما عبر 28 في المائة عن "ثقة كبيرة" و42 في المائة عن أنها "قليلة جدا" و25 في المائة "قليلة بشكل كبير" و5 في المائة "لا أعرف".
ويبدو انخفاض ثقة الناخبين الدنماركيين، قبيل أسابيع قليلة على الانتخابات العامة بسقف لا يتجاوز 28 يونيو/حزيران القادم، مؤشرا بالنسبة للخبراء لقياس الرأي العام والصحة الديمقراطية في هذا البلد. فمقارنة مع الأعوام السابقة يبدو الانخفاض كبيرا جدا. ففي عامي 2005 و2007 وصلت نسبة الثقة إلى 70 في المائة، لتتراجع في 2015 إلى ما كانت عليه في عام 1990 بنحو 47 في المائة، فيما هي اليوم لا تتجاوز 29 في المائة كمؤشر يراه السياسيون بأنفسهم "مقلقا"، فيما يراه آخرون، كأستاذ العلوم السياسية في جامعة آرهوس (وسط غرب)، كريستيان بيورن سكو، "أمرا صحيا للديمقراطية ولمراجعة الأحزاب وخلق دينامية مختلفة في الحياة السياسية والبرلمانية".
وبالنسبة لبعض البرلمانيين أنفسهم، من اتجاهات مختلفة، وخصوصا فئة الشباب منهم، فإنه "أمر طبيعي أن تنخفض ثقة الناس بالسياسيين والأحزاب القائمة، كلما اقتربنا من فترات انتخابية"، بحسب ما يذكر عضو البرلمان الشاب عن يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي بيتر هولملغورد لصحيفة "يولاندس بوستن".
ويرى هذا البرلماني أنه "يمكن ملاحظة انخفاض الثقة من خلال اللغة المستخدمة بالتراسل بين الناخبين وممثليهم في البرلمان، فهي تحمل أوصافا تعبر عن عدوانية وإحباط".
الخبير الدنماركي في الشأن الانتخابي من جامعة كوبنهاغن، كاسبر مولر هانسن، يرى أيضا أن الوضع يتحول إلى ما يشبه حلقة مفرغة في علاقة الطرفين، الناخبين وممثليهم "ويعبر عن ذلك بانحدار غير مسبوق في الثقة بالسياسيين، وهذا أمر يستدعي القلق الجاد ولا يمكن إهماله في النظام الديمقراطي".
ولدى هذا الخبير بعض التفسيرات على انهيار هذه الثقة إلى 1 في المائة "ثقة كبيرة جدا"، إذ يربطه بتراجع ملحوظ بالثقة "بدأ مع الأزمة المالية العالمية وما تلاها من أزمات في المجتمعات الأوروبية، وهذه تشكل أزمة في الديمقراطيات الغربية عموما". ويلحظ هانسن تلك الأزمة فيما سماه "تراجع المشاركة في الانتخابات"، ففي انتخابات 2015 تراجعت نسبة المشاركين، ما يعني أن نسبة من الشعب باتت تدير ظهرها للديمقراطية وللسياسيين والأحزاب التقليدية، بل للسلطات القائمة بشكل عام".
أحد السياسيين من يمين الوسط، في حزب "التحالف الليبرالي"، وعضو البرلمان، هينريك دال، تحدث تعقيبا على هذه النتائج واصفا العلاقة بكونها "سلبية" بينه وبين المواطنين. ويذكر دال "يوميا أتلقى رسائل من المواطنين تتعلق بقضايا شخصية، بل أتلقى رسائل مسجونين يرون أنه حكم عليهم ظلما، وحين تجيبهم عن أنك لا تستطيع التدخل في قرارات السلطات المحلية، في البلديات، والمحاكم، تتلقى سيلا من الشتائم والأوصاف بأنك مجرد إنسان غبي، نعم قد نكون أحيانا أغبياء كسياسيين غارقين بين طبقات الورق المكدس، لكن ذلك يجب أن يطرح علينا أسئلة حول نظرة الناس إلينا".
فتح الباب أمام أحزاب أخرى
ويرى خبير الشؤون الانتخابية والحزبية في جامعة آرهوس، رونا ستوباير، في تعقيب على النتائج لـ"العربي الجديد" أن تراجع الثقة بالسياسيين والأحزاب يعني "فتح الأبواب أمام أحزاب أخرى احتجاجية، وهو تعبير عن عدم الرضا عن القائم منها، بما فيها حزب الشعب اليميني المتشدد، الذي يستعاض عنه فيما يبدو بحزب أكثر تشددا، مثل حزب سترام كورس المعادي للمهاجرين والمسلمين".
ويبدو بالنسبة لستوباير أن تراجع الثقة "ليس أمرا محصورا في الدنمارك، فهو قائم في السويد وبقية دول القارة، بتغييرات وانزياحات تعبر عن إحباط بين الناس، وساهمت، كما يرى، أزمة اللاجئين في 2015، بمزيد من انهيار الثقة".
اليمين المتشدد، في حزب الشعب، قلق من "إحباط الناخبين وهروبهم نحو أحزاب ناشئة وإدارة الظهر للأحزاب القائمة"، كما تعبر عضو البرلمان عن الحزب، كارينا أدسبول.
ولاستعادة الثقة بين المجتمع والديمقراطية، من خلال ممثلي الشعب السياسيين والأحزاب، يقترح الباحث كاسبر هانسن أن "يتوقف السياسيين عن اختلاق معارك وتراشق على القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل، وعلى الأحزاب أن تكون أكثر انفتاحا حول الأموال ومصادرها (وهو يشير إلى قضية إخفاء بعض السياسيين لمصادر تمويل حملاتهم وانكشاف أمر بعضها ما زاد الشحن ضد السياسيين).
ويرى ستوباير من جهته أن "غياب الشفافية وحضور النقاش السلبي يزيد من ضعف الثقة ويدفع الناس للقبول بساسة متطرفين، أمثال راسموس بالودان (زعيم حزب جديد استطاع جمع تواقيع أكثر من 20 ألف مواطن لخوض الانتخابات في زمن قياسي) وحزب المحافظين الجدد المتشدد".
وكان استطلاع "غالوب" في 2016 قرع جرس إنذار للطبقة السياسية في الدنمارك حين كشف عن رأي المواطنين بنظامهم الديمقراطي وتراجع ثقتهم بالسياسيين. فقد اعتبر 3 من كل 4 ناخبين أن ساسة بلدهم "منشغلون بالسلطة أكثر من السياسة الحقيقية التي يفترض أن تعمل لمصالح الناس".
وعبر 74 في المائة في استطلاع غالوب في ذلك العام عن أن السياسيين "يبتعدون عن جوهر النقاش الديمقراطي في البلد". والمثير في الاستطلاع المشار إليه أن غياب الثقة طاول أيضا الساسة المحليين، أي ممثلو الشعب المنتخبون في مجالس البلديات، وليس فقط البرلمان.