الدعم الأميركي للأكراد: نحو تشكيل قوات كردية لحماية المنطقة؟

28 ديسمبر 2015
التنسيق الأميركي مع الأكراد تصاعد بالشهرين الأخيرين(صافين حميد/فرانس برس)
+ الخط -

 


بدأت وتيرة التعاون الأميركي مع فصائل كردية سورية من جهة، ومع قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق من جهة ثانية، بالتصاعد بشكل تدريجي، مثمرة عن انتصارات فعلية على الأرض في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فبالتزامن مع تحرير سد تشرين السوري بدعم أميركي لقوات "سورية الديمقراطية"، نفذت قوة من البشمركة وعناصر أميركية عملية إنزال ومداهمة لمواقع "داعش" جنوب كركوك العراقية مساء الجمعة.

وقال مسؤول القوات العراقية في كركوك العميد سرحد قادر، إن عملية الإنزال على منطقة الرياض جنوبي كركوك، كانت مشتركة بين الجيش الأميركي وبين قوات مكافحة الإرهاب التابعة لإقليم كردستان. ولم يكشف قادر عن الكثير من تفاصيل العملية، لكنه أوضح أن صدامات قوية وقعت بين القوة الأميركية-الكردية، وبين مسلحي "داعش" انتهت بقتل عدد منهم وأسر عدد آخر، أما أهم قتلى التنظيم في العملية فيدعى حسين العسافي، الذي وصفه قادر بالعنصر القيادي البارز في "داعش".

وكانت هذه العملية هي الثانية من نوعها في غضون شهرين، فقد أسفرت عملية مداهمة في عمق مناطق "داعش" في قضاء الحويجة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن تحرير 69 سجيناً عراقياً لدى التنظيم وقَتل عدد من المسلحين وأسر آخرين.

وفي سورية، أخذ التنسيق الأميركي مع مجموعات كردية مسلحة، أبرزها وحدات "حماية الشعب الكردية"، في التصاعد خلال الشهرين الأخيرين بهدف محاربة "داعش"، وقد أثمر هذا التنسيق خلال هذه الفترة، باستعادة أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي من سيطرة التنظيم. وتخوض قوات "سورية الديمقراطية" معارك في عدد من المواقع شرق سورية ضد "داعش" بغطاء جوي أميركي.

ويرى مراقبون في التعاون اللافت بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعات محلية في العراق وسورية، خصوصاً الكردية منها، دليلاً على تغيير في أسلوب العمل الأميركي، إذ بدأت واشنطن بتقديم الأسلحة وتوفير الغطاء الجوي وحتى شن بعض العمليات العسكرية المشتركة المحدودة مع مقاتلين أكراد في العراق وسورية. ويبدو عامل الثقة أحد مفاتيح التعاون الأميركي-الكردي الجديد، إذ أثبت الأكراد جدية أكبر في التعاون مع الولايات المتحدة مقارنة بجماعات أخرى، لعل السبب في ذلك حاجة الأكراد إلى الظهور في حلف مع طرف قوي مثل الولايات المتحدة الأميركية.

ونجحت القوات الكردية، سواء العراقية أو السورية، في كسب عدد من المعارك ضد تنظيم "داعش"، كما في معارك استعادة عين العرب السورية، وفي سنجار ومخمور وسد الموصل وغيرها من المواقع شمالي العراق. وجاءت مرحلة التعاون الأميركي الكردي في سورية، بعد أن خاضت الولايات المتحدة تجربة سابقة تمثّلت بتجنيد وتدريب معارضين سوريين تحت عنوان "المعارضة المعتدلة"، ومن ثم تسليحهم وإرسالهم للقتال داخل سورية.

اقرأ أيضاً: "قوات سورية الديمقراطية" تسيطر على سدّ تشرين شرق حلب

وتبدو محاولة كسب الأكراد ليست رغبة أميركية فقط، فالروس أيضاً راغبون بمثل ذلك التعاون. وبسبب وقوع المناطق الكردية في قلب الصراع في سورية والعراق، فإن أهمية القوات الكردية ستبقى قائمة، حتى أن الطرف الكردي بات ذلك الذي تحتاجه تركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا. أما الأكراد فيبدو عليهم الانقسام والتذبذب في الذهاب مع أحد الحلفين الأميركي أو الروسي، حيث تحاول إيران جذبهم إلى جانبها وجانب روسيا، وقد نجحت في كسب بعض الفصائل مثل حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بقيادة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وحزب "العمال الكردستاني"، فيما ترغب بقية الفصائل بالاقتراب من واشنطن والتعاون معها مع الاحتفاظ بمستوى من العلاقة مع موسكو.

ويقول المحلل السياسي الكردي رشيد صوفي، لـ"العربي الجديد"، إن "التنسيق الأميركي مع القوات الكردية في الحرب ضد الإرهاب، حقّق نجاحاً وخدم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وساهم في عدم وقوع خسائر وخصوصاً بشرية في صفوف قوات التحالف".

ويعتبر أن "الولايات المتحدة تجد في الأكراد طرفاً محل ثقة، لذا تعمل معهم، كما أن القوات الكردية حالياً تعمل باندفاعة قوية ورغبة شديدة لهزيمة داعش ربما أكثر من الآخرين، وهذا ما يلمسه الأميركيون ويجعلهم يقدّمون التدريب والسلاح لهم". ويتوقع صوفي أن يتطور العمل المشترك بين الأميركيين والأكراد في المستقبل إلى المساهمة ببناء قوات كردية محترفة تسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة حتى خارج المناطق ذات الاغلبية السكانية الكردية.

التطورات الميدانية في شمال العراق وشرق وشمال سورية، تؤكد ارتفاع وتيرة العمل المشترك بين الجيش الأميركي والقوات الكردية، على الرغم من أن ذلك بدأ يثير حفيظة الأطراف المحلية الأخرى، إذ ينظر بعض السياسيين العراقيين بريبة إلى العمليات المشتركة بين الجيش الأميركي والبشمركة، وهاجم العديد منهم في البرلمان والحكومة وخارجهما ذلك التنسيق واعتبروه انتهاكاً يجب وقفه.

وبهدف احتواء التحفّظات على دعم القوات الكردية، اختارت واشنطن تقديم الدعم إلى قوات "سورية الديمقراطية" التي تضم أكراداً إلى جانب مجموعة من المقاتلين العرب. وتتخذ العمليات المشتركة الأميركية-الكردية طابعاً خاصاً وهي نوعية.

ويقول شرفان درويش، أحد القادة الأكراد في قوات "سورية الديمقراطية"، لـ"العربي الجديد"، إن قواتهم انتزعت السيطرة على نحو 50 قرية قبل السيطرة على سد تشرين الاستراتيجي، والذي سيفتح الطريق بوجه قوات "سورية الديمقراطية" للسيطرة على المزيد من الأراضي.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أقرت في شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، برنامجاً يقضي بتسليح قوات البشمركة في إقليم كردستان العراق لمدة ثلاث سنوات، وهو أول قرار من نوعه ويتوقع أن يحدث نقلة في الصراع ضد "داعش".

هذا التعاون يثير حفيظة الحكومة العراقية وسياسيين عراقيين يرون أن الطرف الكردي قد تحوّل إلى شريك رئيسي للقوات الأميركية في الحرب ضد "داعش"، فيما تحاول واشنطن التخفيف من مخاوف العراقيين مع حرص المسؤولين الأميركيين على زيارة بغداد قبل كردستان وعلى الإعلان بين حين وآخر تمسّكهم بوحدة الأراضي العراقية.

وتشير دراسات أعدّتها بعض المراكز المهتمة بـ"الحرب ضد الإرهاب"، إلى أن إقليم كردستان العراق مرشّح للتحوّل إلى مركز رئيسي ومثالي لمكافحة الإرهاب، وشن عمليات مسلحة ضد "الجماعات الإرهابية"، بسبب موقع الإقليم والرغبة في التعاون الموجودة لدى الأكراد وتبنيهم استراتيجية تقوم على معاداة "داعش"، وكذلك بسبب وقوع كردستان بين سورية والعراق وتركيا وهو موقع استراتيجي هام في محاربة "داعش".

اقرأ أيضاً: الورقة الكردية... حرب روسية تاريخية ضد تركيا بالإنابة