تراجع الوسائط التقليدية
بلغ عدد الناخبين المسجلين على القائمة الانتخابية مليونا و400 ألف و663 ناخبا، ويشارك في الانتخابات التي تجري غدا السبت 98 حزبا، واعتمد مرشحو مجلس النواب الموريتاني على منصات التواصل الاجتماعي لإيصال رسائلهم إلى الشباب ولا سيما خدمة الفيسبوك الدعائية، كونها توفر مساحة كبيرة للدعاية للبرامج السياسية ومتابعة من قبل جمهور محدد بدقة ومستهدف من قبل القائمين على الحملات الانتخابية للمرشحين، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر إفادات أربعة من المرشحين لثلاثة أحزاب موريتانية، ومن بينهم ابتسام أحمدو يحي المرشحة على مستوى اللائحة الوطنية للنساء عن حزب الوفاق من أجل الرفاه (الليبرالي) التي ركز حزبها على خدمة فيسبوك الدعائية، والتي تكلفت 11200 دولار أميركي، مع نهاية الأسبوع الأول من الحملة، متوقعة أن يكلفهم ذلك قرابة الـ20 ألف دولار في إطار نيابيات 2018، كما تقول لـ"العربي الجديد"، موضحة أن حزبها يسعى إلى إيصال صوته ومضامين خطاباته للناخبين الشباب عبر الصور والتدوينات المتتالية ومقاطع الفيديو التي ينشرها القائمون على الحملة الانتخابية عبر الفيسبوك لإقناعهم بمضمون خطاب الحزب الانتخابي، بالإضافة إلى التفاعل معهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وصولا إلى شرح طريقة التصويت. وبالرغم من ذلك، فإن الحزب لا يزال مصرا على الاستفادة من الحصص الدعائية لدى القنوات والإذاعات المحلية، لكن التركيز الأكبر كان على الجمهور المستخدم الفيسبوك كما تقول المرشحة عن حزب الوفاق من أجل الرفاه.
وتتضمن الفيديوهات الموجهة للجمهور، بحسب مرشح حزب الشورى من أجل التنمية للدائرة الموحدة لنواب نواكشوط محمد الأمين ولد سيدي مولود، نماذج مختصرة عن برامجهم الانتخابية، التي تركز على المسائل التي تهم سكان نواكشوط وتمسّ مشاكل الناخبين، ويقول المرشح ولد سيدي مولود لـ"العربي الجديد": "قمنا بتكثيف المنشورات والتدوين، ونشر الصور التي تحمل شعاراتنا لأننا نريد التفاعل مع الجماهير المهتمة بقضايا نواكشوط، وكان لا بد من استخدام وسيلة الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل أن يسمع كل الناخبين في العاصمة خطابنا، عبر الإعلانات الممولة، إذ يوجد عزوف ملحوظ عن متابعة القنوات المحلية"، غير أن الإعلامي بقناة المرابطون الخاصة والباحث الاجتماعي محمد الحافظ الغابد يقول إنه لا يمكن للإعلام الاجتماعي أن يلغي دور الصحف، أو الإذاعات، أو التلفزيون، لأنه في النهاية كل منها له جمهوره ووقته ولا توجد وسيلة ألغت أخرى تلتها، قائلا لـ"العربي الجديد": "موريتانيا فيها قصور وضعف في الإعلام التقليدي ومع ذلك، فإن لهذه الوسائط جمهورها".
إعلانات غير مكلفة
تكلف بعض الإعلانات المنتشرة على الفيسبوك لمرشحي نيابيات 2018، مبالغ تتراوح بين 50 و100 دولار وأحيانا أكثر بحسب طبيعة المنشور المطلوب ترويجه وفق إفادة مسؤول إعلام حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي محمد الهادي ولد حمادي، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن القنوات التقليدية المحلية تتيح الترويج لمدة دقيقة واحدة بمبلغ 50 ألف أوقية موريتانية (140 دولارا)، فضلا عن عرض خاص بالحملة وفرته جميع القنوات المحلية يتضمن عشر دقائق من الدعاية يوميا طيلة أسبوعي الحملة، مقابل مليون و500 ألف أوقية (4259 دولارا)، مضيفا أن حزبه يدفع لمرشحيه تكاليف الإعلانات على الفيسبوك كما يقول.
ويقدر إلإعلامي الموريتاني محفوط ولد الجيلاني تكاليف الإعلانات الممولة المنشورة على فيسبوك إجمالا بحوالي 200 الف دولار، بحسب متابعته الدقيقة للانتخابات كما يقول، مضيفا أن الإعلانات الممولة ساهمت في دفع عدد من المرشحين إلى الأمام عبر وصول رسائلهم إلى جمهور محدد بدقة وفعالية وسرعة.
وعادة ما يستخدم المعلنون على الإنترنت تكلفة كل 1000 ظهور (CPM) كأداة لقياس أداء كفاءة تكلفة وقيمة الحملة الإعلانية، ويتم احتساب قيمة أداة القياس هذه كإجمالي المبلغ الذي تم إنفاقه مقسومًا على الوصول، مضروبًا بـ1000، وتقيس تكلفة الوصول إلى 1000 شخص عدد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم على مستوى منصات فيسبوك المختلفة بحسب سياسة الإعلانات المنشورة على موقع فيسبوك.
ويتحمل أغلب المرشحين تكاليف الإشهار على الفيسبوك، بحسب المرشح ولد سيدي مولود، والذي أشار إلى أن الأحزاب الكبرى التي لها متبرعون كالحزب الحاكم والقوى التقليدية تصرف على الإعلانات الممولة من جيوب الأطر ورجال الأعمال داخل نطاقها.
وكلف حزب الجيل الثالث (الليبرالي) اللجنة الإعلامية التابعة للحزب بإعداد ونشر 12 مادة إعلانية في كل يوم، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به وبمرشحيه بحسب مرشح الحزب لبات ولد أيتاه، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن حزبه سجل حوالي 8250 دولارا أميركيا كلفة الدعاية الممولة خلال عشرة أيام من الحملة الانتخابية.
مدى فعالية استهداف الشباب
تأثير الدعاية في الفيسبوك أقوى في صفوف الشباب الذين تمثل نسبتهم 65 بالمائة من سكان موريتانيا البالغ عددهم 3718678 نسمة، بحسب إحصاء عام 2016، وفق إفادة الدكتور محمد محمود ولد زيدان أستاذ الاتصال الاستراتيجي بجامعة العلوم الإسلامية بمدينة العيون (حكومية)، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن المراحل العمرية الأكبر غير موجودة على الفيسبوك، ويفضلون متابعة وسائل الإعلام التقليدية، وبالتالي فإن المرشحين توسعوا في السعي إلى التأثير في فئة الشباب عبر وسائط التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن فئة الشباب تحتاج إلى صياغة رسائل ذكية تقوم على مواجهة الحجة بالحجة، وهو ما يؤيده الباحث الغابد قائلا إن التفاعل على الفيسبوك تضاعف خلال فترة الانتخابات بشكل كبير جدا، بالمقارنة بالأشهر السابقة، وتابع: "إعلانات الفيسبوك ليست وسيلة مثلى للإقناع في نظري، ولكنها وسيلة تعكس الحضور ولها دورها كجهد يبذل من ضمن جهود أخرى في تذليل عقبات النجاح".
قياس رجع الصدى
يعتقد الأكاديمي ولد زيدان أن أهمية الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ترجع إلى إمكانية قياس رجع الصدى، أي مدى تفاعل الجمهور مع هذه الرسائل، مؤكدا أن توفير خدمة التعليقات تتيح معرفة مدى الاستجابة لهذه الرسائل، ليستطيع القائم بالاتصال تكييف هذه الرسائل مرة أخرى لتصل إلى أكبر عدد ممكن وتؤثر فيهم، انطلاقا من الردود والتعليقات الخاصة بالجمهور، لكن الإعلامي محمد سعد ولد الطالب رئيس مركز الرواد للدراسات والترجمة والإعلام في نواكشوط يقول إن جمهور تلك الوسائل ينقسم إلى نوعين، قسم غير مهتم أصلا بالمحتوى الجاد ويبحث عن الترفيه، ولا يتأثر بما ينشر من محتوى سياسي، وقسم آخر أكثر وعيا واهتماما بالشأن السياسي، ولكنه غالبا ما يكون محصنا بشكل مسبق ضد أنواع الدعاية، إذ إن له قناعاته وخياراته التي بنيت على مدى سنوات وتجارب طويلة، مضيفا في إفادته لـ"العربي الجديد" أن الصخب الذي تثيره وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على لفت الانتباه لقضايا معينة، ربما دفعا بعض المترشحين لتكثيف الدعاية عبر تلك الوسائل وهو ما يؤكده المرشح للنيابيات على مستوى اللائحة الوطنية لحزب تيار الفكر الجديد (الليبرالي) السعد ولد عبد الله، والذي قال لـ"العربي الجديد": "في ما يتعلق بالتأثير، والنتيجة فلست على يقين بأن البيئة الموريتانية تتعاطى بشكل جدي مع ما يطل من هذا العالم الافتراضي من أفكار وبرامج، وبالتالي فهو اختبار ستجيب عنه الانتخابات المزمع إجراؤها في الأول من سبتمبر/أيلول 2018.