03 نوفمبر 2024
الدراما التلفزية والثورة التونسية
لأن رمضان شهر العائلة، حيث يتحلق الجميع، كباراً وصغاراً، حول مائدة الإفطار، ويتابعون جميعا ما تقدمه لهم القنوات التلفزيونية المختلفة، تتسابق هذه القنوات لاستقطاب أوسع الجماهير، فتكسب أكبر قسط من الإعلانات. ليس ما يحصل في تونس استثناء، حيث يصاب المشاهدون بتخمة مسلسلات درامية، يتم إنتاجها خصيصا لشهر رمضان. وبقدر ما يشكل ذلك فرصة لتنشيط فن الدراما التونسية، إلا أنه في هذه السنة، خصوصاً، كشف عمق المسافة بين ما يواجهه التونسيون من تحديات ومخاطر وما قدمته معظم المسلسلات، التي فرضت نفسها على الجميع من دون استئذان.
نقدم موجزا لمحتوى مسلسلين تم بثهما في أهم قناة خاصة، من حيث نسبة المشاهدة. تحدث الأول "أولاد مفيدة" عن أسرة محدودة الدخل، من أم وثلاثة أبناء. فجأة عاد شخص كان يعيش في فرنسا، بعد أن أصبح ثريا ليبحث عن ابنه الذي أنجبه بشكل غير شرعي من تلك السيدة حين كان صديقا لزوجها. أما زوج شقيقتها فهو انتهازي، حاول أن يبتز زوجته من خلال تعنيفها، فطعنته ابنته، وعمرها 13 عاما، بسكين، مما أدى إلى وفاته. السؤال: أية علاقة بين القصة المفترضة والواقع الصعب الذي يمر به التونسيون اليوم؟
جاءت أحداث المسلسل الآخر، "حكايات تونسية"، صادمة أكثر للرأي العام، فهي تتعلق بعشيقة رئيس حزب تأسس بعد الثورة، تدير ماخورا سريا، وتبتز زبائنها الذين يتم انتقاؤهم من رجال أعمال وشخصيات مؤثرة. ويفهم في السياق احتقار لمرحلة الانتقال السياسي، وابتذال كبير للعنصر النسائي المرتبط بالبغاء والخدعة وإفساد الطبقة السياسية والبحث عن المال والنفوذ بطرق غير مشروعة.
لم تستطع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أن تبقى على الحياد، إذ أصدرت بيانا اعتبرت فيه أن ''بعض الأعمال الدراميّة جاءت محمّلة بنسبة عالية من العنف، بجميع أنواعه الجسدي واللفظي والنفسي"، و''قدمت صورة دونية ومشوهة للمرأة من خلال تناول درامي افتقر إلى التكثيف، وغلب عليه التنميط والاستسهال والاكتفاء بزاوية نظر واحدة''. وعبّرت الهيئة عن خشيتها من أن ''يشكل ذلك امتدادا لثقافة برامج تلفزيون الواقع، التي كرّست تنميط صورة المرأة وسلوك التلصص على خصوصيات الآخر، وعرض معاناة الناس، مجتثة من سياقاتها الاجتماعية والثقافية''.
في السياق نفسه، احتجت جمعيتان نسائيتان، لا علاقة لهما بأوساط الإسلاميين، وطالبتا بإيقاف بث مسلسل "حكايات تونسية" لما فيه من تشويه لصورة المرأة التونسية.
لست مع ثقافة الشعارات، أو اللجوء إلى الحشو الإيديولوجي، والخلط بين الفن والوعظ. لكن، في المقابل، من مسؤولية المثقفين التحرك في اللحظات الحرجة، التي تمر بها مجتمعاتهم، وأن يبذلوا قصارى جهودهم، من أجل حسن التشخيص وتعميق الأمل في إمكانية الخروج من المآزق، التي عادة ما تكون مصاحبة لمراحل الانتقال الكبرى.
التونسيون مسكونون بهواجس الخوف من المستقبل، وهو ما عكسه آخر استطلاع للرأي، تم إنجازه، في الأسبوع الماضي، أكد أن موجة التشاؤم لدى التونسيين في حالة تصاعد، وأن 70% منهم يعتقدون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ.
توفرت الحريات في تونس. ولكن، غاب الإبداع، وما يلاحظ أن هناك سوء استخدام لهذه الحريات، وبدل أن توظف لبناء مجتمع جديد قادر على حماية ديمقراطيته الناشئة، ومندفع نحو تعزيز تماسكه الداخلي لمقاومة المخاطر، التي تهدده من كل جانب، هناك من يصر على التحرك في الوقت الضائع، غير عابئ بما يواجه البلاد من تهديدات حقيقية، قد تطيح بالبناء الوطني الذي سيسقط على رؤوس الجميع، ولن يستثني أحداً مهما عششت الأوهام في رؤوس بعضهم. لا أدعو إلى الغوغائية الإيديولوجية أو الأخلاقوية، وإنما أتساءل: أين تكمن العلاقة بين الإنتاج الدرامي والسياق التاريخي؟
نقدم موجزا لمحتوى مسلسلين تم بثهما في أهم قناة خاصة، من حيث نسبة المشاهدة. تحدث الأول "أولاد مفيدة" عن أسرة محدودة الدخل، من أم وثلاثة أبناء. فجأة عاد شخص كان يعيش في فرنسا، بعد أن أصبح ثريا ليبحث عن ابنه الذي أنجبه بشكل غير شرعي من تلك السيدة حين كان صديقا لزوجها. أما زوج شقيقتها فهو انتهازي، حاول أن يبتز زوجته من خلال تعنيفها، فطعنته ابنته، وعمرها 13 عاما، بسكين، مما أدى إلى وفاته. السؤال: أية علاقة بين القصة المفترضة والواقع الصعب الذي يمر به التونسيون اليوم؟
جاءت أحداث المسلسل الآخر، "حكايات تونسية"، صادمة أكثر للرأي العام، فهي تتعلق بعشيقة رئيس حزب تأسس بعد الثورة، تدير ماخورا سريا، وتبتز زبائنها الذين يتم انتقاؤهم من رجال أعمال وشخصيات مؤثرة. ويفهم في السياق احتقار لمرحلة الانتقال السياسي، وابتذال كبير للعنصر النسائي المرتبط بالبغاء والخدعة وإفساد الطبقة السياسية والبحث عن المال والنفوذ بطرق غير مشروعة.
لم تستطع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أن تبقى على الحياد، إذ أصدرت بيانا اعتبرت فيه أن ''بعض الأعمال الدراميّة جاءت محمّلة بنسبة عالية من العنف، بجميع أنواعه الجسدي واللفظي والنفسي"، و''قدمت صورة دونية ومشوهة للمرأة من خلال تناول درامي افتقر إلى التكثيف، وغلب عليه التنميط والاستسهال والاكتفاء بزاوية نظر واحدة''. وعبّرت الهيئة عن خشيتها من أن ''يشكل ذلك امتدادا لثقافة برامج تلفزيون الواقع، التي كرّست تنميط صورة المرأة وسلوك التلصص على خصوصيات الآخر، وعرض معاناة الناس، مجتثة من سياقاتها الاجتماعية والثقافية''.
في السياق نفسه، احتجت جمعيتان نسائيتان، لا علاقة لهما بأوساط الإسلاميين، وطالبتا بإيقاف بث مسلسل "حكايات تونسية" لما فيه من تشويه لصورة المرأة التونسية.
لست مع ثقافة الشعارات، أو اللجوء إلى الحشو الإيديولوجي، والخلط بين الفن والوعظ. لكن، في المقابل، من مسؤولية المثقفين التحرك في اللحظات الحرجة، التي تمر بها مجتمعاتهم، وأن يبذلوا قصارى جهودهم، من أجل حسن التشخيص وتعميق الأمل في إمكانية الخروج من المآزق، التي عادة ما تكون مصاحبة لمراحل الانتقال الكبرى.
التونسيون مسكونون بهواجس الخوف من المستقبل، وهو ما عكسه آخر استطلاع للرأي، تم إنجازه، في الأسبوع الماضي، أكد أن موجة التشاؤم لدى التونسيين في حالة تصاعد، وأن 70% منهم يعتقدون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ.
توفرت الحريات في تونس. ولكن، غاب الإبداع، وما يلاحظ أن هناك سوء استخدام لهذه الحريات، وبدل أن توظف لبناء مجتمع جديد قادر على حماية ديمقراطيته الناشئة، ومندفع نحو تعزيز تماسكه الداخلي لمقاومة المخاطر، التي تهدده من كل جانب، هناك من يصر على التحرك في الوقت الضائع، غير عابئ بما يواجه البلاد من تهديدات حقيقية، قد تطيح بالبناء الوطني الذي سيسقط على رؤوس الجميع، ولن يستثني أحداً مهما عششت الأوهام في رؤوس بعضهم. لا أدعو إلى الغوغائية الإيديولوجية أو الأخلاقوية، وإنما أتساءل: أين تكمن العلاقة بين الإنتاج الدرامي والسياق التاريخي؟