19 نوفمبر 2024
الداخل والخارج في هزيمة الإرهاب
أطلق نائب المبعوث الأممي الخاص بسورية، الدبلوماسي الفرنسي جان ماري غيهينو، حكماً بدون استئناف على مصير الحرب على تنظيم داعش وشبكة القاعدة. وصرّح، في حوار مع يومية لوموند الفرنسية، إن "تنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة لن يُهْزَما من الخارج". ولم يكن في حكمه ما يفيد بأنه أذعنَ للقدر الذي تُحدثه معركة الإرهاب، حيث ما تمت وحيث ما خلق هو نفسه بنياته، بقدر ما كان التحليل الذي يسبق قاعدة الحكم يستحضر واقع التفكك الذي يرافق المعركة.
كان استرجاع مدينة تدمر في 27 مارس/ آذار الذي ودعناه، وارتفاع الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، مناسبة للجيوش بأن تصرخ بأنها انتصرت، لكن السؤال الذي خلَّفته المنازلة، إلى جانب بقايا العتاد الحربي والجثت، لا يمكن للجنود أن يجيبوا عنه، وهو سؤال يُعَدُ الجوابُ عليه شرطاً قبل أن يحتفل المنتصرون بنصر يبدو بدهياً: "مَنْ، مِن بعد؟"، هو ترجمة لما قاله المحلّل والدبلوماسي، المدير العام لمجموعة دراسة الأزمات الدولية، عن قدرة النظام السوري على حكم المدينة من بعد، كما يطرح قدرة النظام العراقي على حكم المدن "المحرّرة".
تستحلي النخبة التي ترافع من أجل المواجهة العسكرية بدعم الخارج، تحليلاً لا يستقيم، في نظر الخبير الدبلوماسي، بما أنه يقوم على مسلمةٍ تفيد بأن نخباً سنيةً في العراق ستتولى التدبير، بدعم مالي من الخارج ومن الداخل، ما يفرز نظاماً سياسياً إيجابياً قادراً على حل المعضلة، لكن ما يغيب عن النظر هو وجود "صدع وشرخ بين النخب والشباب في المناطق المحرّرة".
اعتدنا، في كل حرب، أن نرفع صوت المدافع، ونغلق صوت التحليل السياسي الهادئ، لربما يعود ذلك إلى أن الحرب توجِد منطقها وتُحدِث صداها الواسع، ولكن أيضا لأن الإرهاب، على الرغم من شراسته، قد يكون ذريعةً لتخفي النخب عجزها بأن تُصدِّره إلى العالم برمته.
وسط العاصفة، يستطيع العقل أن يلتقط الثابت، ويبرهن، بنباهة الخسارات، أن البحث عن "شرعية جديدة للنخب القديمة" في المدن التي تحرّرت "فكرة مشبوهة"، بل لعلها قد تحمل في ذاتها مخاطر "موجة جديدة من العنف".
شبح الموجة هو، بحد ذاته، دليل على أن الحرب ضد "القاعدة" و"داعش" لا تُربح من الخارج، ما دامت الموجة موجة عمق تنبع من الداخل. أولاً، لأن الحرب ضد القاعدة، بقيادة أميركا، أنجبت ما هو أقسى وأعنف منها. ثانياً، لأن الحرب بدون دينامية سياسية تخضع البلدان المعنية بالملف إلى جمودٍ يحمل، في داخله، كل بذور الرعب القادمة.
ويثبت التتبع الزمني لكل موجات العنف أن وراء كل واحدة منها، أو بالأحرى قبلها، معركة. حدث ذلك في 2001 وفي 2003 مع احتلال بغداد، وفي كل مرة "تكون الموجة أعنف من سابقاتها".
ولعل الخبير الدبلوماسي على حق، وهو يلفت النظر إلى أن "الخارج يمكنه أن يقدّم المساعدة، لكن قلب المعضلة يظل هو البناء السياسي في الدول التي تجذر فيها تنظيما القاعدة وداعش".
على الغرب الذي يقود الحرب، بغير قليل من التواضع، حسب الفرنسي جان ماري غيهينو، الإقرار بأن الديناميات السياسية وحدها القادرة أولاً على إحداث الاستقرار في هذه البلدان المعنية. وهنا، لا بد من ذكر أن وجود البلدان المعنية في حالة استحالة سياسية للتطور السلمي هو ما حرّك مطالب التغيير، وأدخلها في النفق العنيف الذي لم تخرج منه إلا لكي تغوص فيها أعمق.
والحال أن الرهانات الاستراتيجية بين العواصم القريبة والعواصم البعيدة، على الرغم من الحرب الواضحة، تظل ملتبسةً في الأهداف السياسية، فهي، أيضاً، تشجع على الصراع العنيف، وتفشل الحل السياسي السلمي، أو لا تساهم في إيجاد شروطه، على الأقل: تعطيل الديناميات السياسية يكون بالحرب، وبالاستراتيجية أيضاً. وهنا، تقبل الاستراتيجية أن تعود إلى أبجدياتها التي تضعها وجهاً آخر للحرب، أكثر مما هي الوجه الأول للسياسة.
وحتى الحرب في دول شرق المتوسط وغربه لا تكون امتداداً للسياسة، بقدر ما تكون نفياً لها، في حالة مواجهة التطرف الإرهابي.
كان استرجاع مدينة تدمر في 27 مارس/ آذار الذي ودعناه، وارتفاع الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، مناسبة للجيوش بأن تصرخ بأنها انتصرت، لكن السؤال الذي خلَّفته المنازلة، إلى جانب بقايا العتاد الحربي والجثت، لا يمكن للجنود أن يجيبوا عنه، وهو سؤال يُعَدُ الجوابُ عليه شرطاً قبل أن يحتفل المنتصرون بنصر يبدو بدهياً: "مَنْ، مِن بعد؟"، هو ترجمة لما قاله المحلّل والدبلوماسي، المدير العام لمجموعة دراسة الأزمات الدولية، عن قدرة النظام السوري على حكم المدينة من بعد، كما يطرح قدرة النظام العراقي على حكم المدن "المحرّرة".
تستحلي النخبة التي ترافع من أجل المواجهة العسكرية بدعم الخارج، تحليلاً لا يستقيم، في نظر الخبير الدبلوماسي، بما أنه يقوم على مسلمةٍ تفيد بأن نخباً سنيةً في العراق ستتولى التدبير، بدعم مالي من الخارج ومن الداخل، ما يفرز نظاماً سياسياً إيجابياً قادراً على حل المعضلة، لكن ما يغيب عن النظر هو وجود "صدع وشرخ بين النخب والشباب في المناطق المحرّرة".
اعتدنا، في كل حرب، أن نرفع صوت المدافع، ونغلق صوت التحليل السياسي الهادئ، لربما يعود ذلك إلى أن الحرب توجِد منطقها وتُحدِث صداها الواسع، ولكن أيضا لأن الإرهاب، على الرغم من شراسته، قد يكون ذريعةً لتخفي النخب عجزها بأن تُصدِّره إلى العالم برمته.
وسط العاصفة، يستطيع العقل أن يلتقط الثابت، ويبرهن، بنباهة الخسارات، أن البحث عن "شرعية جديدة للنخب القديمة" في المدن التي تحرّرت "فكرة مشبوهة"، بل لعلها قد تحمل في ذاتها مخاطر "موجة جديدة من العنف".
شبح الموجة هو، بحد ذاته، دليل على أن الحرب ضد "القاعدة" و"داعش" لا تُربح من الخارج، ما دامت الموجة موجة عمق تنبع من الداخل. أولاً، لأن الحرب ضد القاعدة، بقيادة أميركا، أنجبت ما هو أقسى وأعنف منها. ثانياً، لأن الحرب بدون دينامية سياسية تخضع البلدان المعنية بالملف إلى جمودٍ يحمل، في داخله، كل بذور الرعب القادمة.
ويثبت التتبع الزمني لكل موجات العنف أن وراء كل واحدة منها، أو بالأحرى قبلها، معركة. حدث ذلك في 2001 وفي 2003 مع احتلال بغداد، وفي كل مرة "تكون الموجة أعنف من سابقاتها".
ولعل الخبير الدبلوماسي على حق، وهو يلفت النظر إلى أن "الخارج يمكنه أن يقدّم المساعدة، لكن قلب المعضلة يظل هو البناء السياسي في الدول التي تجذر فيها تنظيما القاعدة وداعش".
على الغرب الذي يقود الحرب، بغير قليل من التواضع، حسب الفرنسي جان ماري غيهينو، الإقرار بأن الديناميات السياسية وحدها القادرة أولاً على إحداث الاستقرار في هذه البلدان المعنية. وهنا، لا بد من ذكر أن وجود البلدان المعنية في حالة استحالة سياسية للتطور السلمي هو ما حرّك مطالب التغيير، وأدخلها في النفق العنيف الذي لم تخرج منه إلا لكي تغوص فيها أعمق.
والحال أن الرهانات الاستراتيجية بين العواصم القريبة والعواصم البعيدة، على الرغم من الحرب الواضحة، تظل ملتبسةً في الأهداف السياسية، فهي، أيضاً، تشجع على الصراع العنيف، وتفشل الحل السياسي السلمي، أو لا تساهم في إيجاد شروطه، على الأقل: تعطيل الديناميات السياسية يكون بالحرب، وبالاستراتيجية أيضاً. وهنا، تقبل الاستراتيجية أن تعود إلى أبجدياتها التي تضعها وجهاً آخر للحرب، أكثر مما هي الوجه الأول للسياسة.
وحتى الحرب في دول شرق المتوسط وغربه لا تكون امتداداً للسياسة، بقدر ما تكون نفياً لها، في حالة مواجهة التطرف الإرهابي.