الخليل... "توأم القدس" تقود الانتفاضة كي لا تصدَّر مأساتها

29 أكتوبر 2015
قدّمت الخليل 26 شهيداً منذ اندلاع الانتفاضة(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو محافظة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، كأنها تختصر هبة الغضب وتحمل الشرارة التي انطلقت من المسجد الأقصى رفضاً للتقسيم الزماني للمسجد، لتدفع ثمناً باهظاً من الشهداء يومياً، يصل إلى شهيد كل عشر ساعات تقريباً، وفي أيام كثيرة شهيد كل ثماني ساعات، بات ذووهم يتعرفون إلى جثامينهم من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تقوم بتصوير الجثث المدماة التي تحتجزها سلطات الاحتلال لابتزاز الأهالي ومعاقبتهم.

وبعد استشهاد 26 فلسطينياً من الخليل، من أصل 68، سقطوا منذ اندلاع هبة الغضب مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بات سكان أكبر محافظة فلسطينية في الضفة الغربية يعلمون أن أوامر القتل الميداني التي دخلت حيز التنفيذ منذ فترة، باتت اليوم أكثر شراسة وعلنية، ولم تعد فردية، فكل مواطن فلسطيني، سواء كان رجلاً أم امرأة، صغيراً أم كبيراً، أصبح هدفاً، على يد المستوطنين أو جنود الاحتلال. يقول منسق مجموعة "شباب ضد الاستيطان"، عيسى عمرو، لـ"العربي الجديد": "أنا الآن متواجد أمام عائلة الشرباتي في البلدة القديمة التي يحاصرها الاحتلال، وعندما تقدمنا كحقوقيين لاستطلاع الأمر، أخبرنا الضابط الإسرائيلي المسؤول أنه معهم أوامر بإطلاق النار على أي فلسطيني يشكون في أنه قد يشكل خطراً عليهم". ويتابع:"ما نعيشه اليوم في الخليل، هو ترجمة لأوامر القتل الميداني لمجرد الشبهة أحياناً، ومن دون شبهة حتى، كل يوم لدينا شهداء من شباب وفتيات في الشوارع القريبة من البؤر الاستيطانية وسط المدينة".
ويرى عمرو، الذي يوثق انتهاكات المستوطنين وجيش الاحتلال ضد المواطنين في الخليل منذ سنوات، أن الوضع "بات مرشحاً لمزيد من التدهور، و(رئيس حكومة الاحتلال) بنيامين نتنياهو أعطى أوامره بقتل فلسطينيي الخليل بدم بارد وبلا سبب"، مشدداً على أن "ما يحدث في الخليل يرتقي إلى جرائم حرب تنفذ من دون أن يتدخل المجتمع الدولي".


تعتبر الخليل نفسها "توأم القدس"، وترفض أية قرارات لتقسيم المسجد الأقصى، حتى لا يكون مصيره مثل الحرم الإبراهيمي الشريف الذي تم تقسيمه بعد مجزرة بشعة استشهد فيها عشرات الفلسطينيين عام 1994. وفضلاً عن هذه النقطة، هناك أسباب مهمة لاشتعال المدينة التي يسيطر 1000 مستوطن فيها على البلدة القديمة ومحيط المسجد الإبراهيمي موزعين على ست بؤر استيطانية، تحولت إلى نقاط متفجرة هي ومحيطها من الشوارع التي يحرسها مئات من جنود الإحتلال، محولين حياة 750 ألف مواطن فلسطيني إلى جحيم حقيقي، ومعرقلين حركتهم نحو المسجد، والمدارس، والأسواق، لحماية المستوطنين.

اقرأ أيضاً: الانتفاضة الفلسطينية تضرب الخطة الخمسية لجيش الاحتلال

تضم هذه البؤر مدارس استيطانية يعيش فيها مستوطنون إرهابيون هم من أكثر الفئات صهيونية، من بين المستوطنين عموماً، معظهم متورطون في قتل الفلسطينيين، ولم تتم محاسبتهم، بل يتفاخرون بقتل الفلسطينيين، وسرقة بيوتهم ومتاجرهم في البلدة القديمة، التي أغلقها الاحتلال وحولها إلى منطقة بقوانين عسكرية صارمة لطرد ما تبقى من أهل المدينة.

يعزو خبير الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، موجة القتل العمدي، الذي يقوم به جنود الاحتلال ومستوطنوه في الخليل أخيراً إلى أن "الإسرائيلي بات يشعر بأنه انتصر سياسياً عندما تبنت الإدارة الأميركية، عبر وزير خارجيتها جون كيري، الوضع القائم" الخاص بالمسجد الأقصى، والذي يقضي بأن الصلاة هي للمسلمين، والزيارة لغير المسلمين، مما يعني أنه تبنى رواية نتنياهو التي تشرّع دخول المستوطنين الإرهابيين بحماية الإسرائيليين.


يتابع شديد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية والأمم المتحدة تبنّتا منذ شهرين مصطلح "جبل الهكيل" عند الحديث عن المسجد الأقصى، ليعتبر ذلك مقدمة لتبني الرواية الإسرائيلية والمضي بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى على حد تعبيره. وبحسب شديد، فإن نتيناهو من خلال تصعيده في القدس عبر توسيع موجة القتل، إنما يسعى لتحقيق هزيمة نفسية للفلسطينيين، "لأن رؤيته مبنية على أن كسر الخليل وهزيمتها يعني أنه لن يواجه أية مشكلة في أية مدينة فلسطينية أخرى، وهذا ما يترجمه التصعيد الإسرائيلي".

تعتبر القدس والخليل (حوالى 35 كيلومتراً تفصل بينهما)، المدينتين الفلسطينيتين اللتين تم بناء بؤر استيطانية في وسطهما، إذ تسابق إسرائيل الزمن للاستيلاء على المزيد من البيوت والعقارات في هذه المدن، لإفراغها من سكانها، في حرب استيطانية معلنة، تعكس الشراسة في التعامل مع أية هبة أو مقاومة للفلسطينيين فيها، ليأتي الرد بالقتل الفوري.

يعلّق شديد على هذه الجزئية بالإشارة إلى أن "رؤية الاحتلال للقدس والخليل تختلف عن رؤيته لبقية المدن الفلسطينية، فهناك إصرار على إفراغهما من الفلسطينيين، وهناك غياب تام لأي تفكير إسرائيلي بمعالجة الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم". ووفق شديد، حتى الجنود الإسرائيليون في الخليل "ينتمون إلى التيار الديني القومي، ويقتلون بحقد لحماية مشروعهم الاستيطاني، ولدفع الذين صمدوا من الفلسطينيين إلى الرحيل".

اقرأ أيضاً: العفو الدولية توثّق عمليات قتل الاحتلال للفلسطينيين
المساهمون