الخليج يبحث عن بدائل للإيرادات النفطية

03 يناير 2015
توقعات: النفطُ 40 دولاراً للبرميل خلال العام الحالي(فرانس برس)
+ الخط -
حذّر محللون ماليون من خطورة استمرار المملكة العربية السعودية، أكبر مصدّري النفط في العالم، ودول الخليج في الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، مؤكدين أن تذبذب الأسعار يجب أن يقنع هذه الدول على تنويع مصادر دخلها كي لا تكون رهينة لسعر برميل النفط الذي لا يُعرف إلى أين سيستقر.
وعلى الرغم من أن السعودية لم تكشف بشكل رسمي عن سعر برميل النفط الذي على أثره ضبطت ميزانيتها للعام الحالي 2015، إلا أن خبراء ماليين أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أن المملكة اعتمدت على سعر يراوح بين 58 و61 دولاراً للبرميل، لكن محللين يتوقعون نزول الأسعار إلى 40 دولاراً للبرميل، ما سيزيد من الضغوط المالية على المملكة، ما يجعلها بالكاد تغطي رواتب الموظفين ويضطرها للسحب من مخزونها النقدي بشكل كبير.
وتوقعت السعودية تسجيل عجز في موزانة العام الحالي بنحو 145 مليار ريال (39 مليار دولار)، بسبب تراجع أسعار النفط الذي تعتمد عليه المملكة في نحو 90% من عائداتها.
وتشمل ميزانية المملكة 860 مليار ريال (229.3 مليار دولار) كنفقات، و715 مليار ريال (190.7 مليار دولار) كإيرادات، مع توقع تراجع الإيرادات بأكثر من 88 مليار دولار عن عام 2014، بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية.
وحذّر صندوق النقد الدولي، في 2014، من أن السعودية قد تسجل عجزاً في الميزانية، إذا واصلت أسعار النفط هبوطها، وحث المملكة على الحد من الإنفاق والامتناع عن المضيّ قدماً في عدد من المشاريع ذات الكلفة العالية، ولكن المسؤولين السعوديين يرون أنه لن يكون لهذا العجز تأثير كبير في ظل امتلاك البلاد لأكثر من 750 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي من مبيعات النفط في السنوات العشر الماضية، ولأجل ذلك ترفض المملكة تقليص الإنتاج لدعم الأسعار.


40 دولاراً للبرميل

لكن الخبير المالي، فضل البوعنين، أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السعودية ستواجه مشكلة كبيرة في حال استمرار الأسعار في الهبوط ووصولها لمستوى 40 دولاراً للبرميل، وفق توقعات الكثيرين، وهو ما يعني أن ما تجنيه من النفط بالكاد يكفي لتغطية الرواتب والمصاريف التشغيلة الأساسية.
وقال البوعنين :"ليس صحيحاً مَن يزعم أن السعودية قيّمت سعر النفط في موازنتها للعام 2015 بثمانين دولاراً، هذا رقم مبالغ فيه كثيراً. فبحسب ما لدينا من معلومات، بنت المملكة موازنتها على قرابة الـ60 دولاراً للبرميل".
وأشار إلى أن السعودية قد تواجه أزمة إذا انخفض الدخل عن المصاريف الثابتة التي تمثل الرواتب والأجور والمصاريف التشغيلة الأساسية والصيانة والتي تقتطع بمجملها 60% من الموازنة، أي ما يعادل 500 مليار ريال (133 مليار دولار).
وأضاف :"هنا سندخل في أزمة حقيقية"، ويتابع :"السعودية تبيع قرابة 7.4 ملايين برميل يومياً، وهذا يعني أنه إذا انخفض سعر البرميل عن 40 دولاراً، عندها سنكون في مشكلة وتعجز وزارة المالية عن توفير الرواتب والمصاريف التشغيلية الأساسية وستضطر للسحب من الاحتياطي النقدي الموجود لديها بكميات كبيرة".
ويمكن للسعودية أن تستمر على هذا الوضع، لأن لديها احتياطيات مالية خارجية، ولكن التحمّل سيرتبط بما تبقى من ذلك الاحتياطي.
ولكن البوعنين أوضح أن هذه الأموال ليست على شكل سيولة يمكن أن تسحب منها متى ما رغبت، مشيراً إلى أن بعضها على شكل سندات متوسطة الأجل لا تستطيع السحب منها باستمرار ويمكن فقط أن تسحب ما هو متاحاً.
وقال: "السؤال الأهم، هو أننا نتعامل مع احتياطي مالي مرتبط بالسندات الأميركية، ولو أن أميركا تعرضت لأزمة مالية أكبر من التي تعرضت لها في عام 2008 وأصبحت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، فماذا سيحدث لتلك الأموال؟".
وتابع :"سنكون في مشكلة طالما نعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر للدخل، ما لم يكن هناك تنوع في الاقتصاد السعودي وخاصة الصادرات وموارد الدخل سنكون على خطر مع تمويل 90% من الميزانية عبر النفط فهو يجعلنا دائماً في مواجهة مستمرة مع الأزمات المالية بسبب عدم ثبات أسعار النفط وعدم توقع ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة والغرب للتأثير على أسعار النفط".


مشكلة الإنفاق الحكومي

وقال البوعنين إنه عندما تتوقف السعودية عن المشاريع التطويرية، بسبب تراجع أسعار النفط، فسينعكس هذا بشكل كبير على الاقتصاد المحلي، الذي يعتمد في حركته على الإنفاق الحكومي.
وأضاف :"يعتمد الاقتصاد الحكومي على الإنفاق الحكومي، وهذا الإنفاق يعتمد على الدخل من النفط، ولهذا نحتاج تنويع الاقتصاد من الداخل".
وأشار إلى أن الحكومة قادرة على تحريك الاقتصاد دون أن تنفق ريالاً واحداً، وذلك عندما تتحول لقائد لحركة القطاع الخاص عن طريق طرحها لمشاريع صناعية كبرى ومشاريع تنموية يقوم بها القطاع الخاص عبر سوق السندات والصكوك، تماماً مثلما يحدث اليوم في دبي.
ولفت الخبير المالي، إلى أهمية بدء الحكومة في تفعيل الخصخصة بشكل جدي لتقليص النفقات التي تتكبدها سنوياً، قائلاً: "الحكومة قادرة على خصخصة بعض القطاعات التي تستنزف مواردها، مثل المطارات والمياه والخطوط السعودية".
واعتبر أن الحكومة قادرة على تحقيق إيرادات ضخمة خارج النفط عن طريق الموانئ السعودية على البحر الأحمر والخليج العربي، ولكن تحتاج لأن تحول هذه الموانئ لشركات قطاع خاص لتيسير عمليات التجارة عبرها".

سيناريو صعب

في المقابل، رأى الخبير الاقتصادي عبد الله البراك، أن سيناريو هبوط أسعار النفط إلى منطقة حرجة صعب الحدوث، لأن السعودية وضعت موازنتها المالية على أساس 58 وحتى 61 دولاراً للبرميل الواحد، وهي تستطيع بهذا السعر أن تواصل عملها وخططها البنيوية.
وقال البراك، لـ"العربي الجديد": "هل من المنطق أن يهبط سعر برميل النفط لـ30 دولاراً؟ أغلب التوقعات لا تقول بذلك، أسوأ سيناريو كان 40 دولاراً، بينما المتوسط كان 66 دولاراً، والمتفائل كان بحدود 83 دولاراً".
وأضاف: "عندما نقول إن السعودية ستواجه صعوبات مالية، فيجب أن يهبط سعر البترول لحدود 30 دولاراً للبرميل الواحد، وهذا يصعب حدوثه، ولكن عند نزول البترول لهذا لسعر ستكون كل الدول المنتجة للبترول في أزمة كبيرة".
ويضيف: "المشكلة حينئذٍ في الرواتب التي تضخمت بشكل كبير ووصلت لـ50% من الميزانية، أما بقية المصاريف، فيمكن أن تسيطر عليها مثل التشغيل والصيانة، وأيضا يجب ألا ننسى أن غالبية هذه الرواتب هي بدلات وبالتالي يمكن السيطرة عليها أيضاً".

ويشدد البراك على أنه من الصعب الوصول لهذا المرحلة، حتى ولو نشبت حرب في المنطقة أو حصل خلاف سياسي عسكري كبير، ولكن لو حدث ذلك، فسيتأثر القطاع الخاص بسبب انخفاض الميزانية.

سياسة متحفظة

ويبلغ الإنتاج العالمي من النفط 94 مليون برميل يومياً، بينما يصل الاحتياج إلى 92 مليون برميل، ويأتي الفائض الاكبر من الولايات المتحدة. وعندما سئل وزير النفط السعودي: "لماذا لا تخفضون الإنتاج لدعم الأسعار؟"، قال: "لماذا لا تقولون ذلك للولايات المتحدة؟ لأنها أكبر منتج في العالم، ولماذا يُطلب ذلك فقط من السعودية؟".
ويأتي الضغط الأكبر على سوق البترول الطبيعي من شركات النفط الصخري الذي تضخم إنتاجها كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية.
ويقول البراك: "لم يكن يُنتَج من النفط الصخري قبل أربع سنوات سوى 350 ألف برميل يومياً، أما اليوم فوصل الإنتاج إلى ثلاثة ملايين برميل. هناك شركات نفط صخري كانت نتتج 40 ألف برميل، اليوم تنتج 450 ألف برميل يومياً، بما يعادل نصف إنتاج ليبيا".
ويرى الخبير الاقتصادي، في المقابل، أن انخفاض أسعار النفط ليس سيئاً دائماً، موضحاً: "قبل عشر سنوات، كان التضخم أقل بكثير وفي حال هبوط أسعار النفط سترجع الأسعار المعيشية إلى ما كانت عليه من قبل، خاصة العقارات".
وأشار إلى أنه دائماً في دائرة الاقتصاد يكون كل شيء مرتبطاً بالنفط، فمع هبوطه ستهبط أسعار أشياء كثيرة. ويضيف: "ظل العقار يرتفع لعشر سنوات حتى وصل لما وصل إليه بسبب ارتفاع أسعار الخام، ومع هبوط تلك الأسعار سيبدأ في التراجع، ولكن عادة ما يكون آخر مَن يصعد العقار وآخر من يهبط العقار أيضاً".
واعتبر أن أسعار العقارات ستهبط كثيراً، بسبب استمرار هبوط أسعار البترول، كما هو حال سوق الأسهم الذي هبط بقوة بسبب تراجع أسعار النفط، وكان السوق سيهبط بشكل أكبر لولا تدخل وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، بتصريحه المطمئن الذي أعاد التوازن له.
المساهمون