الخلية العائلية

23 نوفمبر 2015

المغربية نبيلة شبيهة الانتحارية حسناء

+ الخط -
يصدق على الأمل في دور للنخب العربية وإعلامها في الأوقات العصيبة التي يجتازها العرب والمسلمون، المثل الدارج العربي "تشبث غريق بغريق"، والنتيجة معروفة: فعندما يحاول كل واحد طلب النجاة لنفسه، في خيار فردي، لا يلتفت إلى الآخرين، يغرق الجميع في النهاية.
أبان صانع الرأي العام العربي عن ضعف كبير في الحيلة، وفي الوسيلة، فها هو الإعلام المظنون فيه، بعض التروي في نقل الأخبار، وإعمال الفارز والتحقق وطرح الأسئلة، ينقل الروايات الأمنية، كما في أحداث باريس الإرهابية، وكأنها حقائق مطلقة، ويتبدى هذا التهافت المهني من خلال واقعتين:
الأولى حين صدر بلاغ من النائب العام الفرنسي، يقول إن "حسناء المغربية" فجرت نفسها بحزام ناسف، ثم جرى تسريب صور للانتحارية، تعكس ربما حالة من حياتها الخاصة، وهي في الحمام تتنعم بفقاعة الصابون.
الثانية، تراجع النائب العام الفرنسي عن بلاغه الأول، و"تصحيحه" أن الشابة المغربية حسناء لم تنتحر بحزام ناسف، لكنها قتلت في الشقة مع ابن عمها أباعوض، (أباعوض" كلمة أمازيغية تعني الأحمق أو الأبله أو المجنون، وغيرها من المعاني المماثلة).
في تساوق مع ذلك، ظهرت سيدة من مدينة بني ملال المغربية، تقول إن الصور المنشورة للإرهابية حسناء، ليست حقيقية وتعود إليها شخصيا، عندما كانت في سنوات ماضية تعيش في باريس، وإن إحدى صديقاتها الغيورات سرّبت الصور، أو باعتها لصحافي ما، بسبب التشابه الكبير بينها وبين الانتحارية، حتى إن صحيفة بريطانية كبيرة كانت مبادرة بالنشر اعتذرت للفتاة الملالية، ووعدتها بسحب الصور.
ليس هنا مجال للتشكيك في ما اقترفته يدا "أبا عوض" الأبله والحقير، ولكن، للتأكيد على مخاطر الروايات الإعلامية التي تنقل حرفيا بلاغات أمنية على أساس أنها حقيقة نهائية، من دون أن تكون لها فضيلة "تصحيح" نفسها كما فعل النائب العام الفرنسي.
بدأت الصحافة الفرنسية تستفيق شيئاً فشيئا من الوضع المحجوز الذي وجدت فيه نفسها، بعد أن جرى تمرير تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، حتى إن "لوموند" كتبت مطالبة بهامش في طرح السؤال، وحذرت من مخاطر جر المجتمع والصحافة إلى خندق واحد، لأنه يضر ببلد الحريات وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حرية التعبير.
طبعا لا يمكن أن يخرج في فرنسا صوت واحد نشاز، يشكك في الرواية الرسمية، أو يفترض قراءة أخرى للأحداث، ولكن، ما هو مجمع عليه أن هؤلاء الشباب "الدواعش" الذين نفذوا تلك الجريمة في باريس هم حلقة ضمن سلسلة طويلة، متشابكة من أشخاص ومصالح وامتدادات في الخارج وحواضن في الداخل.
كان اعتقال أحد الشبان بتهمة القيام بمهام استطلاعية على المواقع المستهدفة قبل الهجوم لصالح أفراد المجموعة الإرهابية، إقرار من البوليس الفرنسي بأن "إنجاز" مثل هذا العمل المدمر يحتاج إلى "فرق معاونة" ولوجستيك وتمويل وعمليات مراقبة وتقارير ترسل للرأس المدبر على مدار الساعة وغرفة عمليات، وتخطيط محكم لا يلفت انتباه الأجهزة الأمنية، التي كانت المعلومات المتوفرة لديها تقرع جرس الإنذار عاليا.
لكن الصحافة الفرنسية أدركت شيئا آخر، هو أن هؤلاء "المغاربة" الذين نفذوا العمليات الإرهابية، اختاروا أن يكونوا خلية متجانسة من أصول وطنية واحدة، فلا يوجد لهم شركاء جزائريون أو تونسيون، وهم جميعا من أصول أمازيغية، وتربطهم علاقات القرابة، وهم في مقتبل العمر.
هل أدرك تنظيم داعش أن إحدى مقومات الأمان التي يمكن أن يحظى بها التنظيم تكمن هنا، في الخلية العائلية التي يصعب اختراقها، وهي الخيار الأمثل للتنظيمات المغلقة. ربما، قد يكون ذلك خيارا مستقبليا للتنظيم الذي يحارب باسم الإسلام، لكن الأهم أن أوروبا بدأت تفهم جيدا أن شباب الضواحي تلك، لم يكن لهم أن يختاروا تلك المسارات المتطرفة لو جرى إدماجهم في الحياة العامة بالطريقة التي تمنحهم الفرص المتاحة مثل أي مواطنين أصليين، لا طارئين على المكان.
أما إعلامنا ونخبه، فوصف الغريق به أصدق!
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..