الخلفاء المحتملون لمحمود عباس: ما هي خيارات "القبيلة"؟

31 مايو 2018
المرشحون لخلافة عباس (العربي الجديد)
+ الخط -
صحيح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خرج من المستشفى بعد أقل من أسبوعين قضاهما هناك، وصحيح أن السلطة وحركة فتح لا تتعبان من الطمأنة إلى أن الوعكة كانت عابرة وأن صحة عباس جيدة جداً نسبة لسنّه (82 عاماً)، لكن الصحيح أيضاً هو أن الحديث عن "مرحلة ما بعد عباس" انطلقت بزخم، ولم تعد الأحاديث عن الموضوع حكراً على الجلسات والهمسات الخاصة للسياسيين، بل أصبحت حديث الشارع الفلسطيني. ومثلما تعاطت السلطة مع موضوع الأزمة الصحية للرئيس على أنها أقرب إلى "أسرار الدولة" و"الأمن القومي"، فإن الحديث الجدي عن هوية الشخصية التي يمكن أن تخلف أبو مازن لا يقل غموضاً وألغازاً، بعد 11 عاماً من تعطل كل أشكال الديمقراطية والانتخابات في "التشريعية" و"الرئاسية" في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها. وكسر عباس نفسه، ليل الثلاثاء 29 مايو/ أيار 2018، حاجز الصمت عن الخلافة، فاختار مصطلحات أدبية عامة عن المرحلة التي ستلي خروجه من المشهد العام، وحاول تبديد المخاوف المتزايدة بشأن صحته وعدم وجود خليفة له، بالقول إن المؤسسات السياسية الفلسطينية لا تعتمد على شخص واحد فقط، وإن فلسطين "ستظل دائماً مليئة بالرجال الطيبين". وتحدث عباس في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء أمام اللجنة المركزية لحركة فتح، بعد يوم على خروجه من المستشفى حيث كان يعالج من التهاب رئوي. وقبل كلام عباس، كان أحد المرشحين لخلافته، جبريل الرجوب، قد أدلى بدلوه قبل تعافي الرئيس الفلسطيني وخروجه من المستشفى، ليكشف أنه لا ينوي الترشح لأي منصب. وقال الرجوب لتلفزيون فلسطين إنه "في حال حدوث طارئ ستجتمع اللجنة المركزية وتختار مرشحها الذي سيخضع للانتخاب، وليس للإملاء أو أن يُفرض على الحركة بمظلة من فوق"، لافتاً إلى أنه لن يتنافس على أي منصب في المنظمة أو السلطة. لكنه عاد واعتبر أنه سيكون حيث تقرر حركة "فتح" وضعه.

وتتقاطع آراء المراقبين على أن موازين القوى القائمة لن تمكّن عباس من تعيين نائب له، وأن مرحلة انتقالية ضرورية ستتبع رحيله، تحافظ فيها كل موازين القوى القائمة المرتبطة مصالحها بالسلطة الفلسطينية على حالة من الهدوء النسبي مع توافق على تقاسم كعكة السلطة. ويرى هؤلاء أن "غياب الشيخ لن يعني غياب القبيلة أو تغييرها". والقبيلة هنا هي التعبير المجازي المتعارف عليه في الضفة الغربية، خصوصاً للإشارة إلى السلطة الحاكمة للضفة الغربية حالياً في مستويي السلطة الوطنية وحركة فتح، بجناحها المقرب من الحكم. و"القبيلة" هي خليط من مراكز القوة السياسية والأمنية والاقتصادية، تتقاطع وتتشكل علاقاتها وفقاً لمصالح مشتركة فيدعم كل مستوى منها الآخر بشكل دائم وعفوي، لأن سقوط أو تضرر مستوى منها يعني سقوطاً للجميع.

ويقول الباحث عبد الرحمن التميمي، لـ"العربي الجديد"، إنه "طالما القبيلة موجودة الشيخ ليس مهماً. المهم أن لا تتفكك القبيلة. هذا هو الأمر الجوهري، لأن القبيلة لن يصعب عليها اختيار شيخ جديد". وأبدى اعتقاده بأنه "سيأتي شخص سيكون قاسماً مشتركاً أعظم للتوافق الأميركي الإسرائيلي العربي وأخيراً الفلسطيني".

وحسب ما يراه الخبراء والسياسيون، فإن "وجود هذه الفترة الانتقالية لا يعني عدم وجود منافسة حامية الوطيس للحصول على منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ تبدو بورصة الأسماء ساخنة جداً مع موازين قوى متقاربة إلى حدّ كبير، مثل مروان البرغوثي الذي يحظى بقاعدة شعبية تغذيها مواقفه داخل المعتقل ضد الانقسام والتنسيق الأمني ومع الإصلاح السلطة. لكن البرغوثي (58 عاماً)، المحكوم بالسجن لمدة خمسة مؤبدات، ربما يستطيع دخول الانتخابات في حال كان هناك قرار بها، لكن لن يكون ذلك عبر توافق من أقطاب فتح التي ترى فيه منافساً كبيراً".

وفي حال وجود سيناريو انتخابات رئاسية، وعلى افتراض أن البرغوثي فاز فيها، فإنه لن يستطيع الحكم من خلف القضبان، وسيحتاج نائباً يمثل نهجه وينوب عنه في الحكم، وإن كانت الأنظار حينها ستتجه عالمياً نحو الإفراج عن الرئيس الفلسطيني المعتقل، وهذا أمر مستبعد.



ومن الأسماء المطروحة بقوة جبريل الرجوب (65 عاماً)، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق، الذي عزز قاعدة شعبية كبيرة على الأرض من خلال عمله في مجال رئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ورئيس اتحاد الكرة واللجنة الأولمبية في السنوات الماضية، وبالتوازي عزز علاقاته الإقليمية، التي حاول القيادي المطرود من "فتح" محمد دحلان تخريبها، كما هو الحال في مصر، لكن فرص الرجوب بكل ما يحيط مرحلة عمله السابقة من انتقادات لن تكون سهلة.

بدوره، يقول مصدر فتحاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "وجود رجل أمن في منصب رئيس دولة فلسطين، لن يكون أمر سهلاً. الشارع الفلسطيني لديه حساسية من رجال الأمن وما يرتبط بعملهم من تنسيق أمني مع الاحتلال الإسرائيلي". والأمر ذاته ينطبق أيضاً على الرئيس الحالي للاستخبارات اللواء ماجد فرج، الذي يُعتبر الرجل الأقوى في الوقت الراهن، ولديه تحالفات إقليمية ودولية قوية، لدرجة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أشاد بما يقدمه الأمن الفلسطيني من خدمات والتزام بمحاربة الإرهاب في المنطقة.

وفرج، وهو من مواليد 1962، والمعروف ببعده عن الإعلام، بدأ بالخروج عن هذه القاعدة في العامين الماضيين، فشارك في رمضان الماضي بالعديد من الإفطارات الجماعية لصالح مؤسسات زكاة وأخرى شبابية ودور أيتام وقدّم تبرعات على هامش هذه الإفطارات، احتفت بها صفحات الأمن على مواقع التواصل الاجتماعي. وفرج الذي تمّ تعيينه مديراً لجهاز الاستخبارات العسكرية عام 2006، وقفز فأصبح رئيس جهاز الاستخبارات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية منذ 2009، من القيادات الأمنية الجديدة التي عينها عباس لتحل محل قيادات أمنية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

أما رئيس الحكومة الحالي رامي الحمد الله، الذي يتم تداول اسمه كرئيس مستقبلي بعد نجاحه بنسج علاقات إقليمية ودولية جيدة خلال عمله رئيساً للحكومة، ولا سيما بعد بنائه تحالفات مع الأمن الفلسطيني، ترفضه موازين القوى في حركة "فتح"، إثر رفض ترشيحه كعضو مستقل للجنة التنفيذية للمنظمة في اجتماع المجلس الوطني الأخير، رغم رغبة عباس بوجوده، وهو في الوقت ذاته لا يحظى بأي رتبة تنظيمية في هياكل الحركة.


أما ناصر القدوة (65 عاماً)، ابن اخت الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي أمضى أكثر من ثلاثة عقود في العمل الدبلوماسي ممثلاً عن فلسطين، ورغم بعده عن شبهات فساد أو أي عمل أمني، إلا أنه لا يملك قاعدة شعبية في الحركة التي استقال من لجنتها المركزية قبل أسبوعين لشعوره بالإحباط وعدم قدرته على تغيير أي شيء في الحركة التي يحكمها عباس بشكل مطلق.

ومن الأسماء المطروحة بقوة هو اسم القيادي الفتحاوي المطرود محمد دحلان، الذي جاء طرحه بين أنصاره وفي الإعلام الإقليمي المدعوم من الإمارات ومصر، لكن رغم صفته السابقة كرئيس جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة ومستشار الرئيس محمود عباس للأمن القومي سابقاً، فقد قدّم بعد طرده خدمات أمنية لدول أجنبية، وهو معروف كرجل أعمال يملك ملايين الدولارات.

لكن حتى في أضيق الحلقات الفتحاوية، لم يُطرح اسم دحلان كرئيس عتيد، لأنه قاد انشقاقاً في الحركة واحتمى بدولتي الإمارات ومصر. وعندما خسر معركته مع الرئيس عباس إثر تصدّي الأخير لقرار رباعي من مصر والإمارات والأردن والسعودية، قبل ثلاث سنوات بفرض صلح إجباري على عباس، عمد دحلان إلى تغيير تكتيكه عبر إطلاق ما سماه "التيار الإصلاحي" في فتح. وأكد قيادي فتحاوي لـ"العربي الجديد"، أن "كل من انشق عن فتح واحتمى بنظام عربي كان مصيره التهميش لاحقاً".

وبعيداً عن بورصة الأسماء، تتقاطع آراء المراقبين بأن غالبية من ذكروا سيعملون على ضمان وجود صيغة لمرحلة انتقالية، تؤجل ولو قليلاً من معركتهم العلنية نحو منصب رئيس السلطة الفلسطينية. وحسب ما يتضح، فإن عباس قام فعلياً بتفكيك مناصبه الثلاثة رئيساً لحركة "فتح"، ورئيساً لمنظمة التحرير ورئيساً للسلطة الفلسطينية، بشكل سهّل جزئياً المشهد. وفي خضمّ هذه الحركة تم تعيين محمود العالول أحد أقدم كوادر "فتح" نائباً له، أما في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فبدا صائب عريقات الأوفر حظاً لتولي منصب رئيس المنظمة. وفي حال شكّلت حالته الصحية بعد زراعته للرئة نهاية العام الماضي عائقاً، فإن عضواً آخر من "فتح" تم ترشيحه من قبل اللجنة المركزية، جاهز لتولي المهمة وهو عزام الأحمد.


في هذا الصدد، قال المحلل خليل شاهين لـ"العربي الجديد"، إن "المعلم الأساسي للفترة الانتقالية هو وجود ما يشبه التحالف بين أقطاب عدة وعلى الأرجح تحالف ثلاثي لإدارة السلطة والمجتمع الفلسطيني خلال هذه الفترة. وهذا التحالف سيتم عبر توافق في داخل اللجنة المركزية على تسمية رئيس للمنظمة والسلطة ولو بشكل مؤقت".

وتابع أن "رئيس الحكومة رامي الحمد الله هو منافس قوي وسيبقى رئيس حكومة، وسيدعمه الأمن، هذه هي أقطاب التحالف الثلاثي إذاً: مركزية فتح والحكومة والأمن، وجميعهم يحرصون على تمرير هذه الفترة الانتقالية إلى حين اتضاح طبيعة النظام السياسي الفلسطيني أو الذهاب إلى انتخابات واضحة". وأضاف شاهين أن "التوافق في اللجنة المركزية سيدفع لاستخدام آخر طبعة من المجلس المركزي الذي تم نقل صلاحيات المجلس الوطني إليه حسب قرارات اجتماعه التي انتهت مطلع الشهر الحالي، لأن المجلس المركزي بات جاهزاً للاجتماع بأي لحظة وإصدار قرارات بما تتوافق عليه اللجنة المركزية لحركة فتح".

وحسب شاهين، فإن "المجلس المركزي أخذ صلاحيات المجلس الوطني، وهذه إحدى المخارج لتركيز السلطات وإيجاد صيغة سريعة يمكن من خلالها إيجاد بديل، وقرارات المجلس المركزي سوف تعتبر المرجعية وتوفر على الجميع، وتحديداً حركة فتح، الدخول في ما لا تريده". وأكد أن "قرارات المجلس المركزي باعتباره الهيئة العليا سوف تمنع إمكانية تطبيق نصوص القانون الأساسي، بأن لا يكون رئيس المجلس التشريعي رئيساً للسلطة الفلسطينية في الفترة الانتقالية، وسيتخذ قرارات ملائمة لمثل هذه المرحلة".

أما الكاتب علاء الريماوي، فرأى أن "الأمر في فتح ينقسم بين مراكز قوى تحدد من هو الرئيس وتصطف مع اسم تؤيده، وهناك مراكز أخرى تسعى للرئاسة وستترشح لها". وأضاف أن "هناك طرحاً أوروبياً بأن يتم تقاسم السلطات مع أركان فتح، فيقوم المجلس المركزي بترشيح أسماء لشواغر اللجنة التنفيذية، ومنها على سبيل المثال أحمد قريع (81 عاماً)، والتوافق عليه رئيسا لأنه الخيار الأضعف بين الأقوياء وليس لديه طموح بالبقاء رئيساً مثل البقية، وهذا سيناريو مرجح يدعمه أن اللجنة التنفيذية ستطلب من المجلس المركزي تسمية رئيس مؤقت لحين الخروج من مأزق الانقسام، وهذا مخالف للقانون، لكن السلطة أعطت كل صلاحياتها للمنظمة بصفتها الجهة المقيمة للسلطة، وبناء على ذلك وتحت حالة الطورئ يعتبر المجلس المركزي أكبر برلمان فلسطيني، وقرارته شرعية". وختم قائلاً "انتهى موضوع العودة للقانون الأساسي بالقوة وليس بالقانون بعد الترتيبات الأخيرة في المجلس الوطني والمجلس المركزي".


المساهمون