يعرج كتاب "الخطاب الإسلامي بين سؤال الحداثة وتحدي الألفية"، لمؤلفه هشام الراس، على مسألة الخطاب الإسلامي في أوجهها المعاصرة. فالكتاب عبارة عن قراءة نقدية للخطاب الإسلامي في تجلياته الراهنة والمحدَثة. وهو كذلك محاولة أخرى جديدة لإخراج هذا الخطاب من مأزق النمطية والإطار إلى حلّ التجدد والانفتاح.
يطرح الكتاب تساؤلات عديدة حول إمكانية الخطاب الإسلامي في استيعاب مقتضيات العصر، والتكيف مع مشروع الحداثة والتواصل، الذي دشنه الغرب منذ قرون، وحول فعليّة فكرة مشاريع الإصلاح في العالم الإسلامي التي قادتها ولا تزال العديد من الحركات والتيارات الإسلامية، والتي تُجهض إما لأسباب موضوعية أو لأخرى ذاتية. كما أن الكاتب يقترح طروحات بديلة في شكل أفكارواقتراحات وحلول تتسم في غالبها بسمة المزج أو الصهر بين الأصل والعصر وبين الأفكار والمفاهيم المحافظة وتلك الليبرالية المنفتحة، وهذا ما يعطي للكتاب طابعا حديثا فيه حظ كبير من ثقافة التشارك وتبادل القصص والخبرات بين أبناء البسيطة، على شاكلة (TED talks).
جاء الكتاب في جزأين وستة فصول، وقد تم تقسيمه بطريقة منهجية تحترم التناول التدريجي لأفكاره، بحيث يتطرق الجزء الأول، إلى إشكالية تحديد المصطلحات والمفاهيم: الخطاب الإسلامي، الحداثة، التواصل. أما الجزء الثاني، فيعرض لمسألة الجدليات المتعلقة بالخطاب الإسلامي كفكرة وكتصور وكمنهاج، ثم يطرح منظورات جديدة للنقاش.
إن الجديد الذي يميز نص هذا الكتاب، هو الزعم بإدخال الخطاب الإسلامي في إطار اختباراتي (على طريقة كارل بوبر في مبدأ القابلية للتفنيد)، لكن ما يميزه أكثر هو تحري الدقة في محاولة اختيار الكلمات والمصطلحات في أثناء تأويل مضامين مراجع الكتاب وتأثيث أفكاره، وأثناء التركيز على مادة الدرس والتحليل. المقصود هنا، أن الكاتب لم يتطرق إلى تحليل الإسلام كدين أو ممارسته كتدين، أو الحديث عن الحركات والتيارات الإسلامية، أو الخوض في سجالات الفكر الإسلامي والإسلام السياسي؛ لكنه، فضل، على عكس ذلك، اللجوء إلى تحليل مساحات التواصل اللفظي والفعلي والحركي عند المشتغلين في حقل الدعوة ونشر الإسلام، أو على حد قوله "الناذرين أنفسهم للاهتمام بشؤون الناس (خصوصا المسلمين) وإصلاح أحوالهم". وقد استطاع تأطير ذلك بإطار أكاديمي منهجي وبمقاربة جديدة تدمج ما بين الكلاسيكي والحديث. فتواجد نصوص مفكرين معاصرين محسوبين على التيار العلماني كهابرماس، بوبر، أركون، سروش، شيغان، شرابي، والجابري وفي مقابلهم مفكرون إسلاميون كفريد الأنصاري، الريسوني، طه عبد الرحمن، كولن، عصام البشير، البوطي، والعلواني، لخير دليل على أن طرح الكتاب يصب في اتجاه الدفاع عن فكرة "أنسنة أو علمنة الخطاب الإسلامي"، ونقله إلى رحابة المنظورات التعددية وتبادل الأفكار ووجهات النظر من منظور حواري صادق وأصيل، وليس فقط على محاولة الدفاع عن هذا الخطاب عن طريق تسييجه بترسانة من الحجج والدلائل التراثية والحَرفية. وقد تم ترتيب فصول هذا الكتاب وفق هذا السياق، فكل فصل يحتوي على مبحثين نقديين وثالث اقتراحي. ويتميز المبحثان الأوّلان بمنهجية وصفية قريبة من التحليلية، أما الثالث فيضمّ أفكار ومقترحات الكاتب، والتي لها طابع انفتاحي فيه نوع من قبول أفكار الآخر ورَوْمٌ إلى أسلمتها.
تطرق الكتاب إلى مسائل ما زالت تعتبر خلافية في مخيلة الكثير من المسلمين، كمسألة علم الكلام، أو فقه الاجتهاد وفقه التقليد، أو حتى نقد الخطاب الإسلامي من باب نزع القداسة عنه واعتباره خطابا إنسانيا قابلا للنقاش والتحيين. وهو يسعى، من ضمن ما يسعى إليه، إلى أن يوضح العلاقة القائمة بين ما نحن عليه الآن وما يفترض أنه كائن. فالكتاب يحاول الإجابة على جانب كبير يهمّ حيوات مسلمي الألفية الثالثة، التي أصبحت، على حد تعبير الراس، "مشوشة بين ما يعتقدونه وبين ما يعيشونه من مفارقات يمليها عليهم واقع سريع ومعقد ومتحول"، والذي يُكمل حديثه عن روح العصر وتعقيداته بقوله: "عديدة الأشياء التي خضعت وتخضع لمنطق العولمة والحداثة. لقد تسببت أحداث التاريخ الحديث في قلب الكثير من المعاني والإدراكات عن الحياة وعن العالم وعن سيرورتيهما".
وعلى ما يبدو فإن غاية بحث الكتاب هي طرح جديد للخطاب الإسلامي المعاصر. إن ما نحتاجه اليوم هو مقاربة مناسبة للخطاب الإسلامي. والضرورة هنا تتجه نحو تحديثه ومحاولة تطويعه حتى يساير عصره في عالم ينفتح دوما على تحديات مفاجئة ومستفزة. ولقد عنت نصوص كثيرة بهذا الموضوع، ولا زالت، وقيل كلام كثير عن الخطاب الإسلامي وقيمته، وارتباطه بواقعه، وقدرته على مواجهة خطابات مغايرة. كما أن هناك من حاول إعطاء قيمة ذاتية للخطاب الإسلامي. إن كل ما يسعى إليه نص الكتاب هو مزيج خبرات متنوعة للنهوض من جديد بخطاب فعّال يختلق السمع ويفرز كائنات حية وممكنات شبه حية. كما أن نص الكتاب يبحث عن كل ما يمكنه مساعدة هذا الخطاب على استعادة الريادة الحضارية والمشاركة في النهوض بالفعل العمراني والنهوض بالفعل التاريخي.
إن تناول قضايا ذات طبيعة حساسة وفي ظرفية متوقدة، كالتي تمر بها البلدان العربية في هذا الكتاب، يعطيه قيمة مضافة، تُضاف إلى وجهات النظر والآراء التي تناقش سبل تطوير العالم العربي والإسلامي فكريا، واجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وسياسيا. لكنه، وفي نفس الوقت لم ينتبه إلى مواقف وشهادات مفكرين سياسيين، خصوصا تلك المتعلقة بالخطاب الإسلامي. والذين يسعون إلى تبادل الأفكار والخبرات السياسية المرتبطة بإشكاليات وعلاقات هذا الخطاب بالتمرين السياسي ونشاطات التيارات الإسلامية، التي تسعى إلى الوصول إلى سدة الحكم وإلى تطبيق الشريعة، كما هو الحال في التجربتين المصرية والتونسية. وهنا، لا بد من طرح تساؤل محوري متعلق بأصل فكرة الكتاب. فالظاهر أن هشام الراس ينحو نحو إخراج الخطاب الإسلامي من ضيق السجال الفكري والجدال السياسي، وتوظيف الدين لأغراض سياسوية وإيدويولوجية، إلى رحابة النقاش الحواري وقبول الآخر وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات والتجارب.
يبقى نص الكتاب مفتوحا على قراءات متعددة ومركبة تبتغي تمحيصا تأويليا بمقاربة تواصلية. ذلك لأن تخصص صاحبه في التواصل والسوسيوتواصل. وبالتالي نخلص إلى أن كتاب "الخطاب الإسلامي بين سؤال الحداثة وتحدي الألفية" كُتب من أجل إثارة نقاش أكاديمي بمنظور تثاقفي، أي أنه كُتب كمحاولة لتدشين مرحلة جديدة في اشتغال أصحاب الخطاب الإسلامي، الذين يواجهون اليوم رهان وسؤال الحداثة وتحدي الألفية وأهدافها التي صاغتها برامج الأمم المتحدة للتنمية.
ختاما، لا يمكننا القول إن الكتاب غطّى كل القضايا الإشكالية والمسائل الشائكة التي تدور حول موضوع الخطاب الإسلامي، لكنه على الأقل تمكن من مناوشة موضوع لا زال يترنح بين محافظ/ إسلامي وليبرالي/ علماني، كما أنه تمكن من طرح أفكار جديدة تنتمي إلى جيل عايش حقبة الثورات العربية، جيل يبحث عن بدائل تتجدد بتجدد الأحداث والوقائع، ويبحث عن سبل ديمقراطية وحداثية مواطنة للتوصل إلى الحلم الإسلامي على غرار الحلمين الأميركي والأوروبي؛ وتحقيق توافق عربي/إسلامي بتطلع كوني. وهذا بالضبط ما يصبو إليه كل خطاب إسلامي أصيل وصادق.
(كاتب عربي)
يطرح الكتاب تساؤلات عديدة حول إمكانية الخطاب الإسلامي في استيعاب مقتضيات العصر، والتكيف مع مشروع الحداثة والتواصل، الذي دشنه الغرب منذ قرون، وحول فعليّة فكرة مشاريع الإصلاح في العالم الإسلامي التي قادتها ولا تزال العديد من الحركات والتيارات الإسلامية، والتي تُجهض إما لأسباب موضوعية أو لأخرى ذاتية. كما أن الكاتب يقترح طروحات بديلة في شكل أفكارواقتراحات وحلول تتسم في غالبها بسمة المزج أو الصهر بين الأصل والعصر وبين الأفكار والمفاهيم المحافظة وتلك الليبرالية المنفتحة، وهذا ما يعطي للكتاب طابعا حديثا فيه حظ كبير من ثقافة التشارك وتبادل القصص والخبرات بين أبناء البسيطة، على شاكلة (TED talks).
جاء الكتاب في جزأين وستة فصول، وقد تم تقسيمه بطريقة منهجية تحترم التناول التدريجي لأفكاره، بحيث يتطرق الجزء الأول، إلى إشكالية تحديد المصطلحات والمفاهيم: الخطاب الإسلامي، الحداثة، التواصل. أما الجزء الثاني، فيعرض لمسألة الجدليات المتعلقة بالخطاب الإسلامي كفكرة وكتصور وكمنهاج، ثم يطرح منظورات جديدة للنقاش.
إن الجديد الذي يميز نص هذا الكتاب، هو الزعم بإدخال الخطاب الإسلامي في إطار اختباراتي (على طريقة كارل بوبر في مبدأ القابلية للتفنيد)، لكن ما يميزه أكثر هو تحري الدقة في محاولة اختيار الكلمات والمصطلحات في أثناء تأويل مضامين مراجع الكتاب وتأثيث أفكاره، وأثناء التركيز على مادة الدرس والتحليل. المقصود هنا، أن الكاتب لم يتطرق إلى تحليل الإسلام كدين أو ممارسته كتدين، أو الحديث عن الحركات والتيارات الإسلامية، أو الخوض في سجالات الفكر الإسلامي والإسلام السياسي؛ لكنه، فضل، على عكس ذلك، اللجوء إلى تحليل مساحات التواصل اللفظي والفعلي والحركي عند المشتغلين في حقل الدعوة ونشر الإسلام، أو على حد قوله "الناذرين أنفسهم للاهتمام بشؤون الناس (خصوصا المسلمين) وإصلاح أحوالهم". وقد استطاع تأطير ذلك بإطار أكاديمي منهجي وبمقاربة جديدة تدمج ما بين الكلاسيكي والحديث. فتواجد نصوص مفكرين معاصرين محسوبين على التيار العلماني كهابرماس، بوبر، أركون، سروش، شيغان، شرابي، والجابري وفي مقابلهم مفكرون إسلاميون كفريد الأنصاري، الريسوني، طه عبد الرحمن، كولن، عصام البشير، البوطي، والعلواني، لخير دليل على أن طرح الكتاب يصب في اتجاه الدفاع عن فكرة "أنسنة أو علمنة الخطاب الإسلامي"، ونقله إلى رحابة المنظورات التعددية وتبادل الأفكار ووجهات النظر من منظور حواري صادق وأصيل، وليس فقط على محاولة الدفاع عن هذا الخطاب عن طريق تسييجه بترسانة من الحجج والدلائل التراثية والحَرفية. وقد تم ترتيب فصول هذا الكتاب وفق هذا السياق، فكل فصل يحتوي على مبحثين نقديين وثالث اقتراحي. ويتميز المبحثان الأوّلان بمنهجية وصفية قريبة من التحليلية، أما الثالث فيضمّ أفكار ومقترحات الكاتب، والتي لها طابع انفتاحي فيه نوع من قبول أفكار الآخر ورَوْمٌ إلى أسلمتها.
تطرق الكتاب إلى مسائل ما زالت تعتبر خلافية في مخيلة الكثير من المسلمين، كمسألة علم الكلام، أو فقه الاجتهاد وفقه التقليد، أو حتى نقد الخطاب الإسلامي من باب نزع القداسة عنه واعتباره خطابا إنسانيا قابلا للنقاش والتحيين. وهو يسعى، من ضمن ما يسعى إليه، إلى أن يوضح العلاقة القائمة بين ما نحن عليه الآن وما يفترض أنه كائن. فالكتاب يحاول الإجابة على جانب كبير يهمّ حيوات مسلمي الألفية الثالثة، التي أصبحت، على حد تعبير الراس، "مشوشة بين ما يعتقدونه وبين ما يعيشونه من مفارقات يمليها عليهم واقع سريع ومعقد ومتحول"، والذي يُكمل حديثه عن روح العصر وتعقيداته بقوله: "عديدة الأشياء التي خضعت وتخضع لمنطق العولمة والحداثة. لقد تسببت أحداث التاريخ الحديث في قلب الكثير من المعاني والإدراكات عن الحياة وعن العالم وعن سيرورتيهما".
وعلى ما يبدو فإن غاية بحث الكتاب هي طرح جديد للخطاب الإسلامي المعاصر. إن ما نحتاجه اليوم هو مقاربة مناسبة للخطاب الإسلامي. والضرورة هنا تتجه نحو تحديثه ومحاولة تطويعه حتى يساير عصره في عالم ينفتح دوما على تحديات مفاجئة ومستفزة. ولقد عنت نصوص كثيرة بهذا الموضوع، ولا زالت، وقيل كلام كثير عن الخطاب الإسلامي وقيمته، وارتباطه بواقعه، وقدرته على مواجهة خطابات مغايرة. كما أن هناك من حاول إعطاء قيمة ذاتية للخطاب الإسلامي. إن كل ما يسعى إليه نص الكتاب هو مزيج خبرات متنوعة للنهوض من جديد بخطاب فعّال يختلق السمع ويفرز كائنات حية وممكنات شبه حية. كما أن نص الكتاب يبحث عن كل ما يمكنه مساعدة هذا الخطاب على استعادة الريادة الحضارية والمشاركة في النهوض بالفعل العمراني والنهوض بالفعل التاريخي.
إن تناول قضايا ذات طبيعة حساسة وفي ظرفية متوقدة، كالتي تمر بها البلدان العربية في هذا الكتاب، يعطيه قيمة مضافة، تُضاف إلى وجهات النظر والآراء التي تناقش سبل تطوير العالم العربي والإسلامي فكريا، واجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وسياسيا. لكنه، وفي نفس الوقت لم ينتبه إلى مواقف وشهادات مفكرين سياسيين، خصوصا تلك المتعلقة بالخطاب الإسلامي. والذين يسعون إلى تبادل الأفكار والخبرات السياسية المرتبطة بإشكاليات وعلاقات هذا الخطاب بالتمرين السياسي ونشاطات التيارات الإسلامية، التي تسعى إلى الوصول إلى سدة الحكم وإلى تطبيق الشريعة، كما هو الحال في التجربتين المصرية والتونسية. وهنا، لا بد من طرح تساؤل محوري متعلق بأصل فكرة الكتاب. فالظاهر أن هشام الراس ينحو نحو إخراج الخطاب الإسلامي من ضيق السجال الفكري والجدال السياسي، وتوظيف الدين لأغراض سياسوية وإيدويولوجية، إلى رحابة النقاش الحواري وقبول الآخر وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات والتجارب.
يبقى نص الكتاب مفتوحا على قراءات متعددة ومركبة تبتغي تمحيصا تأويليا بمقاربة تواصلية. ذلك لأن تخصص صاحبه في التواصل والسوسيوتواصل. وبالتالي نخلص إلى أن كتاب "الخطاب الإسلامي بين سؤال الحداثة وتحدي الألفية" كُتب من أجل إثارة نقاش أكاديمي بمنظور تثاقفي، أي أنه كُتب كمحاولة لتدشين مرحلة جديدة في اشتغال أصحاب الخطاب الإسلامي، الذين يواجهون اليوم رهان وسؤال الحداثة وتحدي الألفية وأهدافها التي صاغتها برامج الأمم المتحدة للتنمية.
ختاما، لا يمكننا القول إن الكتاب غطّى كل القضايا الإشكالية والمسائل الشائكة التي تدور حول موضوع الخطاب الإسلامي، لكنه على الأقل تمكن من مناوشة موضوع لا زال يترنح بين محافظ/ إسلامي وليبرالي/ علماني، كما أنه تمكن من طرح أفكار جديدة تنتمي إلى جيل عايش حقبة الثورات العربية، جيل يبحث عن بدائل تتجدد بتجدد الأحداث والوقائع، ويبحث عن سبل ديمقراطية وحداثية مواطنة للتوصل إلى الحلم الإسلامي على غرار الحلمين الأميركي والأوروبي؛ وتحقيق توافق عربي/إسلامي بتطلع كوني. وهذا بالضبط ما يصبو إليه كل خطاب إسلامي أصيل وصادق.
(كاتب عربي)