مع ارتفاع فاتورة إنقاذ الاقتصاد الأميركي من تداعيات ظهور وباء كورونا (كوفيد 19)، والجهود المبذولة للحد من انتشاره، أعلن ستيفن منوتشن، وزير الخزانة توجه وزارته لاقتراض 2.99 تريليون دولار، خلال الربع الثاني من العام الحالي، لمساعدة الشركات على مواجهة نقص السيولة "الإغلاق الكبير" ومساعدتها على الاحتفاظ بالعمالة رغم تقلص حجم الأعمال.
ورغم ضخامة المبلغ، الذي يمثل أكثر من ضعف ما تم اقتراضه طوال العام المالي الماضي، إلا أنه سيمثل على الأغلب الدفعة الأولى من جملة ما ستحتاج إليه الإدارة الأميركية للوفاء بالتزاماتها تجاه الشركات والولايات والأفراد، حيث أعلن مكتب الموازنة التابع للكونغرس قبل أسبوع توقعه وصول عجز الموازنة للعام المالي المنتهي بنهاية سبتمبر/أيلول 2020 إلى 3.7 تريليون دولار، تمثل نحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال المكتب إن هذا العجز سيتسبب في تجاوز الدين الأميركي، الذي يقف على مشارف 25 تريليون دولار حالياً، إجمالي الناتج المحلي للعام.
ورغم الانقسام السياسي الواضح في واشنطن، والذي يطل برأسه في كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإعلامية، على مدار السنوات الخمس الأخيرة في أدنى تقدير، لم تكن هناك معارضة تذكر لهذا التوسع في الاقتراض، بعد أن بدا واضحاً أن أغلب المبالغ المقترضة سيتم توجيهها في صورة إعانات نقدية مباشرة للأفراد، أو قروض للشركات لدفعها للاحتفاظ بالعمالة وعدم تسريحها، أو في صورة قروض للولايات، التي يقترب العديد منها من الإفلاس، لمساعدتها على دفع إعانات البطالة للمواطنين.
وبعد انضمام أكثر من 30 مليون أميركي لطوابير البطالة خلال الأسابيع الستة الأخيرة، اعتبر دوغلاس هولتز إيكان، الرئيس السابق لمكتب الموازنة التابع للكونغرس أن "ارتفاع العجز لمستويات تفوق التخيل أصبح متكرراً، لكن لو نظرت إلى حجم المشكلة، تدرك على الفور أنه مبرر".
أما دين بيكر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوتا الأميركية، وكبير الاقتصاديين بمركز أبحاث السياسة والاقتصاد بواشنطن فقد أيد التوسع في الإنفاق الحكومي، ومن ثم زيادة العجز والاقتراض، مؤكداً أن الخوف من ضخامة العجز وتداعياته لا يوجد ما يبرره.
ويؤكد بيكر أن الغرض الأساسي من حزم الإنقاذ هو مساعدة الأسر الأميركية على النجاة وسط هذه الظروف الاستثنائية التي يتعرض لها الاقتصاد.
ولم تكن حزم الإنفاق التي أقرها الكونغرس هي السبب الوحيد في تضخم الاقتراض الحكومي، بعد أن تسبب إغلاق المصانع والمحلات والمطاعم، وأغلب نواحي الاقتصاد، كما أوامر البقاء بالمنزل في أغلب الولايات، في تراجع إيرادات وأرباح الشركات، الأمر الذي يعني انخفاض ما يتم دفعه من ضرائب للحكومة الفيدرالية وللولايات.
وتزامن إعلان وزارة الخزانة عن زيادة اقتراضها مع تعرض العديد من الولايات لأزمات مالية طاحنة، هددت بعضها بالانهيار المالي، بعد ارتفاع ما تلتزم به تلك الولايات من إعانات للعاطلين.
وقبل أسبوعين، أعلن ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، تفضيله إشهار الولايات إفلاسها، والامتناع عن سداد ما عليها من ديون أو رد قيمة السندات التي أصدرتها وفوائدها، عن طلب المزيد من حزم الإنقاذ من الحكومة الفيدرالية.
ويوم الاثنين، أصبحت ولاية كاليفورنيا، التي كانت وحدها العام الماضي خامس أكبر اقتصاد في العالم، أول ولاية أميركية تحصل على قرض من الحكومة الفيدرالية لمقابلة الطلبات المتزايدة لإعانات البطالة فيها. واقترضت الولاية ما يقرب من 350 مليون دولار، كدفعة أولى من 10 مليارات دولار تمت الموافقة عليها.
وأكد بنك اليابان المركزي تخصيص ما يقرب من 110 مليارات دولار سنوياً للشراء في الصناديق التي يتم تداولها في البورصة، لضمان توفر السيولة في الأسواق، وحماية الشركات اليابانية من الوقوع في أزمات، الأمر الذي سيكون له بالتأكيد تداعيات سلبية على الفوائض المتاحة له لشراء السندات الأميركية.
وفي الصين، ثاني أكبر مشتر لسندات الخزانة الأميركية، تعرض الاقتصاد للانكماش بنسبة 6.8% خلال الربع الأول من العام الحالي، وهي المرة الأولى التي يتعرض فيها الاقتصاد الصيني للانكماش منذ بدأ إعلان معدلات نمو الاقتصاد الصيني للعالم قبل أكثر من أربعين سنة، وأغلقت 460 ألف شركة، وتراجع تسجيل الشركات الجديدة بنسبة 29% خلال نفس الفترة.
وتشير التقديرات إلى تعرض الاقتصاد للانكماش بمعدل سنوي يتجاوز 37% خلال الربع الثاني من العام، الأمر الذي سيؤثر بالضرورة على قدرة البلاد على الاحتفاظ بأرصدتها من السندات الأميركية.