الخديعة الكبرى

07 نوفمبر 2014
+ الخط -

نجحت المقاومة الفلسطينية، بكل تأكيد، في إفشال مخططات العدو الإسرائيلي، بعدوانه الذي استمر 51 يوماً. وكان لانتصار المقاومة بتلاحم الشعب معها أكبر أثر في الصمود أمام الآلة العسكرية المدمرة، ودفع الشعب الفلسطيني في غزة، أطهر الأرواح وأذكى الدماء لنيل هذا الانتصار. وتحت الضغط الدولي والإقليمي، كان قرار وقف إطلاق النار، وأسندت المفاوضات إلى وسيط لا نزاهة له، فضاع الانتصار على طاولة المفاوضات التي كانت مجرد تبريد وتجميد للحالة العامة التي اجتاحت الشعوب العربية والعالم الحر، والتي تضامنت مع  غزة في أثناء العدوان الوحشي، وفي شتى بقاع الأرض، للمطالبة بحقه في العيش بحرية وكرامة وكسر الحصار الذي فرضه عليه الاحتلال منذ سبع سنوات. تفاءل بعضهم بنهاية الحرب، وقال المفاوضات ستضع الحلول لهذا العدوان المتكرر في السنوات الأخيرة، وما أن بدأت، ظهر التباين في المواقف، وأرجئت المفاوضات إلى وقت لاحق، ولم ينفذ منها إلا القليل، ولاتزال العقبات الرئيسية، كالمطار والميناء والمعابر، لم تحل.

وجاءت حادثة قتل الجنود المصريين في سيناء ذريعة للوسيط المصري، ليعلن تعليق المفاوضات التي كان محدداً لها بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إلى أجل غير مسمى، واتهام مباشر لغزة بأن منفذي العملية أتوا من القطاع، من دون إجراء أي تحقيق في ملابسات الحادث، وعلى الفور، وقبل أن تجف دماء الجنود، اتخذ قرار بإنشاء منطقة عازلة مع قطاع غزة بعمق 5 كيلومترات، وبطول 14 كيلومتراً، وأعطي الإعلام الضوء الأخضر لسب أهل غزة المحاصرة، ونعتهم بأفظع الشتائم، وتوجيه سهام العداء إلى حماس والمقاومة، من دون أدنى مراعاة للوضع الإنساني والترابط العائلي بين جانبي الحدود مع قطاع غزة.

وأخرجت القوات المصرية المواطنين من منازلهم، تحت تهديد السلاح وتفجيرها، وإرغامهم على النزوح إلى مناطق أخرى، من دون توفير البديل أو تعويض مناسب. وقد أعدت الحكومة المصرية هذا المخطط مسبقاً بالاتفاق مع الجانب الإسرائيلي، لتشديد الحصار على غزة، ولم يكن وقف إطلاق النار إلا خدعة، والمفاوضات برعاية مصرية كان طعماً ابتلعته المقاومة عن سوء تقدير للوضع القائم في مصر، فنجاح المقاومة أربك الحكومات الموالية لإسرائيل، والتي كشفت عن نياتها، وعندما جاء الوقت المناسب، أرادوا إذلال أهل غزة  بتشديد الحصار وغلق المعبر الوحيد مع مصر، وإلى أجل غير مسمى، لتصبح غزة سجناً كبيراً.

ومن يقرأ المشهد، يعلم أنه بعد هذا الإخلاء القسري لأهل سيناء، ماذا تبقى من قوى بشرية تعيق أي اقتحام للعدو في أي وقت لسيناء. كما أنه يهدف لعزل تام للقطاع من الجوانب كافة، إنها المؤامرة الكبرى على شعب أعزل، يريد الحياة، وليعلم الجميع أن من يئس من حصوله على حقه الطبيعي في الحياة، لا تلوموه إذا أقدم على اقتحام الحدود والسدود.