أزمة جديدة ضربت الطبقة الوسطى الجزائرية، بعدما انهار مشروع المساكن الموجّه إلى هذه الفئة الاجتماعية، وفق صيغة الإقراض الميسّر... فقد حلّ الاطمئنان على هذه الشريحة عندما أعلن وزير السكن عبد المجيد تبون، منتصف سنة 2013، عن صيغة سكنية جديدة موجهة لهذه الفئة من المواطنين التي لم تستفد من أي مشروع سكني، والتي يتراوح دخل الفرد أو الزوج فيها بين 1080 دولاراً و2010 دولارات شهرياً. كانت بداية هذا المشروع تقوم على أن يختار المكتتب الشقة التي يريدها، على ألا يتجاوز سعر المتر المربع للسكن 4050 دولاراً مع احتساب كل الرسوم ضمنه.
تصريحات الوزير والمسؤولين في المؤسسة الوطنية للترقية العقارية، كانت كلها تبشر بالخير وتخفف حدة القلق لدى كل من أرهقه الإيجار وخذلته البيروقراطية والمحسوبية في الحصول على سكن. ليفاجأ الجميع مع نهاية 2015 بإعلان وزير السكن صراحة أن المواطن القادر على دفع ثمن السكن يواصل انضمامه إلى الصيغة السكنية، ومن لا يستطيع عليه الانسحاب. ليكون هذا التصريح بمثابة كارثة حلّت على نحو 46 ألف مكتتب في هذه الصيغة، قبل أن يتراجع عددهم إلى 35 ألفاً عندما فرضت المؤسسة الوطنية للتسيير العقاري شطراً أولاً بقيمة 5 آلاف دولار يدفعه كل مكتتب في مهلة شهرين، ثم انخفض عدد المكتتبين بالصيغة السكنية نحو ستة آلاف، عندما فاجأتهم الوزارة بفرض شطر ثان بقيمة 10 آلاف دولار في ظرف شهرين.
خديعة كبرى
يقول فيصل، وهو أحد المكتتبين المنسحبين من هذه الصيغة السكنية: "تعرضنا إلى خديعة العمر"، مضيفاً في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن تلاعب الوزارة دفعهم إلى التخلي عن حلمهم بالسكن اللائق الذي كانوا يرون أن تحقيقه بات قريباً. فبعد أن دفعوا قيمة الشطر الأول المقدرة بـ5 آلاف دولار، خرجت الوزارة بشطر ثان بقيمة 10 آلاف دولار على أن يسدد دفعة واحدة في حد أقصى لا يتعدى الشهرين. ويشير فيصل إلى "أنهم يريدون تدمير البلاد، فكيف يعقل أن يدفع رب عائلة راتبه الشهري هو وزوجته لا يتعدى 1200 دولار شهرياً، ما قيمته 15 ألف دولار في ظرف سنتين، ويجبر على أن يدفع 10 آلاف دولار في شهرين، في وقت لا يقل إيجاره الشهري عن 300 دولار، ومصاريف الماء والكهرباء والغاز 20 دولاراً شهرياً، عدا مصاريف مدارس الأطفال والبيت والمناسبات؟".
ويشير فيصل إلى نقطة هامة وهي أن الوزارة اقتطعت من كل مكتتب تنازل عن السكن الموعود نحو 250 دولاراً من الـ5 آلاف دولار التي دفعها في الشطر الأول. ما يعني أن المؤسسة الوطنية للترقية العقارية ربحت من الستة آلاف مكتتب المتنازلين نحو مليون و500 ألف دولار بلا أي جهد.
سالم، شاب يعمل في إحدى المؤسسات العمومية الهامة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يتمنى لو أنه لم يدرس ولم يدخل الجامعة قط حتى لا يكون موظفاً مستهدفاً بهذا الشكل من وزارة بات همها الوحيد تدمير العاملين في وظائف عليا. ويضيف سالم بأنه كان من أوائل المسجلين في هذه الصيغة السكنية، لكن تلاعب المؤسسة الوطنية للترقية العقارية في إرسال الأوامر بالدفع و"تسبيقها" لأصحاب النفوذ والعلاقات، جعل الأمر بالدفع يصل متأخراً، وهو الذي وثق في تطمينات وزير السكن ومسؤولي هذه المؤسسة بأن المسجلين الأوائل هم الذين سيحصلون على السكن أولا ولهم الأولوية في اختيار مواقع سكنهم. وذلك، قبل التراجع عن هذه النقطة ومنح الأولوية للذين وصلتهم رسالة الأمر بالدفع أولاً عبر البريد العادي، وحسب تاريخ دفع قيمة الشطر الأول.
رابح، هو موظف متقاعد حالياً، قضى عمره وهو ينتظر الساعة التي يرزق فيها بسكن خاص، فكانت صيغة "الترقوي العمومي"، بالنسبة إليه بمثابة باب جنة فتحت في وجهه، لكنه فوجئ كغيره من المكتتبين بدفع الوزارة إياهم إلى التنازل عن الاكتتاب في هذه الصيغة، متسائلاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، كيف لسعر المتر المربع أن يرتفع من 450 دولاراً إلى 1020 دولاراً مع احتساب كل الرسوم، وبالتالي يرتفع سعر الشقة المؤلفة من أربع غرف من 45 ألف دولار إلى 102 ألف دولار؟ مضيفاً أنه تقاعد الآن وراتبه بات تحت الـ1080 دولاراً، وبالتالي إمكاناته المالية لا تسمح له لا بدفع الأقساط ولا بالاستدانة من المصرف، الذي يفرض فوائد ربوية عالية. ويؤكد رابح أنهم يريدون أن يتنازل أكبر عدد ممكن من المكتتبين حتى يتم بيع مساكنهم نقداً لأصحابهم ومعارفهم من أصحاب "الشكارة".
التنازل عن المساكن
محمد، شاب ابن أحد المكتتبين في هذه الصيغة السكنية يقول، في حديث لـ"لعربي الجديد"، إن أباه كان من مكتتبي صيغة السكن الإيجاري العمومي "عدل 1" منذ سنة 2001، ولكن الوزارة الوصية حولته إجبارياً إلى صيغة السكن الترقوي العمومي بعدما تجاوز راتبه الشهري الـ1080 دولاراً، مثلما فعلت مع نحو 4000 مكتتب غيره. ومع أن الوزارة وعدتهم بأن الأولوية ستكون لهم في اختيار مواقع وعدد غرف مساكنهم، إلا أنها تراجعت عن ذلك، لافتاً إلى أن أباه مجبر الآن على جمع رواتب أبنائه جميعاً لتسديد ما تبقى من ثمن الشقة ذات الخمس غرف الذي يتجاوز سعرها حاليا 126 ألف دولار.
ويضيف محمد أنه حسب القوانين المعمول بها في المصارف، لا يتم إعطاء قروض لمن هم فوق السبعين عاماً، وبالتالي سيكون والده وأمثاله الذين قاربوا الستين سنة مجبرين على تسديد القرض في أقل من عشر سنوات، متسائلاً من أين لهم أن يسددوا هذا المبلغ إذا لم يكونوا من طبقة الأغنياء وكبار التجار؟ بالتالي سيجبرون على التخلي عن مساكنهم.
وفي هذا الصدد، ينتقد الخبير الاقتصادي والمالي البروفيسور فارس مسدور، اللجوء إلى القروض "الربوية"، ويعتبر أن سياسة إغراق المواطنين بالديون استراتيجية معتمدة وحقيقية، سواء ما تعلق بالقروض الاستهلاكية أو السكنية أو التمويلات والقروض الأخرى.
والدليل على ذلك، وفق مسدور، القرض السندي الذي رفضت فيه الحكومة أن تستجيب لشعبها فيه، وتركت الأمر بيد مجموعة من المافيا الجزائرية التي وضعت قوانين تتوافق تماماً مع خصوصيتها ومصالحها. ويشرح أن تلك السندات يأخذها المواطن وله الأولوية في الحصول على قروض جديدة وبتسهيلات تمويلية متميزة جداً، على أن يصدر المشروع في الجريدة الرسمية في القريب العاجل. ما يعني أنه مباشرة توضع ميكانيزمات وقواعد وقوانين تجاري مصالح أناس بحد ذاتهم.
ويضيف أن "الأمر ذاته يحدث مع المكتتبين في مختلف صيغ التمويل السكني في بلادنا، مع أننا قادرون على إنشاء صيغ تمويلية أخرى، كالقروض الحسنة من الخزينة العمومية، من أجل الحصول على سكن ما دام المواطن قادرا على تسديد هذه القروض". وتساءل سدور في الوقت ذاته: "كيف لرجال أعمال كبار في البلد، وهم معروفون جداً، أخذوا قروضاً كبيرة بلا فائدة وحصلوا عليها في العهدة الرئاسية الثالثة والرابعة كشرط من شروطهم لدعم المشاريع، بينما يجبر المواطن البسيط على أخذ قروض بفوائد؟".
منظومة ضعيفة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، أن الدولة أنجزت الكثير من المساكن عندما كانت في بحبوحة مالية، لكن للأسف تلك المساكن لم ترق إلى مستوى المعايير الدولية من عدة جوانب، سواء من المرافق العمومية أو النقل، وكذا المدارس والترفيه. فقد تم البناء في مناطق جديدة بلا استشراف سوسيولوجي للسكان.
ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن التضخم حالياً وضعف قيمة الدينار، جعلا أجور الجزائريين من بين أضعف الرواتب في العالم، بالإضافة إلى كون المواطنين باتوا يختارون المدارس الخاصة على العمومية، والصحة العمومية انهارت، على الرغم من المليارات التي صرفت من أجل النهوض بهذه المرافق. ويشير إلى أنه حين يتفق المواطن مع الدولة على سعر للسكن ثم يفاجأ بعد ذلك بارتفاع هذا السعر فهذا معناه أن الدولة غير متحكمة في سعر المساكن.
ويعتقد الخبير بن يحيى أنه إذا واصلت الدولة في هذا النهج في ما يخص السياسة الاجتماعية، سواء من حيث المساكن أو التقاعد المسبق أو سياسة الأجور، فستكون هناك اضطرابات اجتماعية كبيرة، في ظل معاناة الاقتصاد الجزائري حالياً من جراء تراجع أسعار النفط، ووجود إخفاق كبير في الاقتصاد خارج قطاع المحروقات.
وتبعا لهذا الوضع، دعا الدكتور بن يحيى الدولة إلى رفع مدة تسديد قروض السكن من ثلاثين إلى 40 سنة إذا كان الجزائري ليست لديه الإمكانات الكافية للتسديد، مضيفاً أن القدرة الشرائية للمواطن باتت تنهار يوماً بعد يوم، فسياسة الأجور في الجزائر سيئة بالنظر إلى عدم إعطاء نفس جديد للاقتصاد الوطني الذي لا يزال مبنياً على الريع وليس على الابتكار والتنافس.
ويلفت إلى أنه في دولة صغيرة مثل جمهورية ترينيداد وتوباغو العامل فيها يعمل ساعة واحدة يتقاضى مقابلها أجر 17 ساعة عمل للجزائري، وفرنسا الأجر القاعدي فيها 1300 يورو، أي ما يتقاضاه الفرنسي في يومين يتقاضاه الجزائري في شهر كامل، مشيراً إلى أنه يرى أن المشروع السكني والمشاكل المرتبطة به، فيها هروب إلى الأمام من طرف الحكومة وإخفاء الحقيقة عن الشعب. ويؤكد أنه هو وغيره من الخبراء وجهوا تحذيرات وقدموا حلولاً للحكومة لتدارك الأمر، لكن القائمين على أمور هذه البلاد لا يهمهم، حسبه، إلا الجانب الأمني والبقاء على كرسي الحكم تفادياً لأي مشكلات اجتماعية قد تخضع البلد.
تصريحات الوزير والمسؤولين في المؤسسة الوطنية للترقية العقارية، كانت كلها تبشر بالخير وتخفف حدة القلق لدى كل من أرهقه الإيجار وخذلته البيروقراطية والمحسوبية في الحصول على سكن. ليفاجأ الجميع مع نهاية 2015 بإعلان وزير السكن صراحة أن المواطن القادر على دفع ثمن السكن يواصل انضمامه إلى الصيغة السكنية، ومن لا يستطيع عليه الانسحاب. ليكون هذا التصريح بمثابة كارثة حلّت على نحو 46 ألف مكتتب في هذه الصيغة، قبل أن يتراجع عددهم إلى 35 ألفاً عندما فرضت المؤسسة الوطنية للتسيير العقاري شطراً أولاً بقيمة 5 آلاف دولار يدفعه كل مكتتب في مهلة شهرين، ثم انخفض عدد المكتتبين بالصيغة السكنية نحو ستة آلاف، عندما فاجأتهم الوزارة بفرض شطر ثان بقيمة 10 آلاف دولار في ظرف شهرين.
خديعة كبرى
يقول فيصل، وهو أحد المكتتبين المنسحبين من هذه الصيغة السكنية: "تعرضنا إلى خديعة العمر"، مضيفاً في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن تلاعب الوزارة دفعهم إلى التخلي عن حلمهم بالسكن اللائق الذي كانوا يرون أن تحقيقه بات قريباً. فبعد أن دفعوا قيمة الشطر الأول المقدرة بـ5 آلاف دولار، خرجت الوزارة بشطر ثان بقيمة 10 آلاف دولار على أن يسدد دفعة واحدة في حد أقصى لا يتعدى الشهرين. ويشير فيصل إلى "أنهم يريدون تدمير البلاد، فكيف يعقل أن يدفع رب عائلة راتبه الشهري هو وزوجته لا يتعدى 1200 دولار شهرياً، ما قيمته 15 ألف دولار في ظرف سنتين، ويجبر على أن يدفع 10 آلاف دولار في شهرين، في وقت لا يقل إيجاره الشهري عن 300 دولار، ومصاريف الماء والكهرباء والغاز 20 دولاراً شهرياً، عدا مصاريف مدارس الأطفال والبيت والمناسبات؟".
ويشير فيصل إلى نقطة هامة وهي أن الوزارة اقتطعت من كل مكتتب تنازل عن السكن الموعود نحو 250 دولاراً من الـ5 آلاف دولار التي دفعها في الشطر الأول. ما يعني أن المؤسسة الوطنية للترقية العقارية ربحت من الستة آلاف مكتتب المتنازلين نحو مليون و500 ألف دولار بلا أي جهد.
سالم، شاب يعمل في إحدى المؤسسات العمومية الهامة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يتمنى لو أنه لم يدرس ولم يدخل الجامعة قط حتى لا يكون موظفاً مستهدفاً بهذا الشكل من وزارة بات همها الوحيد تدمير العاملين في وظائف عليا. ويضيف سالم بأنه كان من أوائل المسجلين في هذه الصيغة السكنية، لكن تلاعب المؤسسة الوطنية للترقية العقارية في إرسال الأوامر بالدفع و"تسبيقها" لأصحاب النفوذ والعلاقات، جعل الأمر بالدفع يصل متأخراً، وهو الذي وثق في تطمينات وزير السكن ومسؤولي هذه المؤسسة بأن المسجلين الأوائل هم الذين سيحصلون على السكن أولا ولهم الأولوية في اختيار مواقع سكنهم. وذلك، قبل التراجع عن هذه النقطة ومنح الأولوية للذين وصلتهم رسالة الأمر بالدفع أولاً عبر البريد العادي، وحسب تاريخ دفع قيمة الشطر الأول.
رابح، هو موظف متقاعد حالياً، قضى عمره وهو ينتظر الساعة التي يرزق فيها بسكن خاص، فكانت صيغة "الترقوي العمومي"، بالنسبة إليه بمثابة باب جنة فتحت في وجهه، لكنه فوجئ كغيره من المكتتبين بدفع الوزارة إياهم إلى التنازل عن الاكتتاب في هذه الصيغة، متسائلاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، كيف لسعر المتر المربع أن يرتفع من 450 دولاراً إلى 1020 دولاراً مع احتساب كل الرسوم، وبالتالي يرتفع سعر الشقة المؤلفة من أربع غرف من 45 ألف دولار إلى 102 ألف دولار؟ مضيفاً أنه تقاعد الآن وراتبه بات تحت الـ1080 دولاراً، وبالتالي إمكاناته المالية لا تسمح له لا بدفع الأقساط ولا بالاستدانة من المصرف، الذي يفرض فوائد ربوية عالية. ويؤكد رابح أنهم يريدون أن يتنازل أكبر عدد ممكن من المكتتبين حتى يتم بيع مساكنهم نقداً لأصحابهم ومعارفهم من أصحاب "الشكارة".
التنازل عن المساكن
محمد، شاب ابن أحد المكتتبين في هذه الصيغة السكنية يقول، في حديث لـ"لعربي الجديد"، إن أباه كان من مكتتبي صيغة السكن الإيجاري العمومي "عدل 1" منذ سنة 2001، ولكن الوزارة الوصية حولته إجبارياً إلى صيغة السكن الترقوي العمومي بعدما تجاوز راتبه الشهري الـ1080 دولاراً، مثلما فعلت مع نحو 4000 مكتتب غيره. ومع أن الوزارة وعدتهم بأن الأولوية ستكون لهم في اختيار مواقع وعدد غرف مساكنهم، إلا أنها تراجعت عن ذلك، لافتاً إلى أن أباه مجبر الآن على جمع رواتب أبنائه جميعاً لتسديد ما تبقى من ثمن الشقة ذات الخمس غرف الذي يتجاوز سعرها حاليا 126 ألف دولار.
ويضيف محمد أنه حسب القوانين المعمول بها في المصارف، لا يتم إعطاء قروض لمن هم فوق السبعين عاماً، وبالتالي سيكون والده وأمثاله الذين قاربوا الستين سنة مجبرين على تسديد القرض في أقل من عشر سنوات، متسائلاً من أين لهم أن يسددوا هذا المبلغ إذا لم يكونوا من طبقة الأغنياء وكبار التجار؟ بالتالي سيجبرون على التخلي عن مساكنهم.
وفي هذا الصدد، ينتقد الخبير الاقتصادي والمالي البروفيسور فارس مسدور، اللجوء إلى القروض "الربوية"، ويعتبر أن سياسة إغراق المواطنين بالديون استراتيجية معتمدة وحقيقية، سواء ما تعلق بالقروض الاستهلاكية أو السكنية أو التمويلات والقروض الأخرى.
والدليل على ذلك، وفق مسدور، القرض السندي الذي رفضت فيه الحكومة أن تستجيب لشعبها فيه، وتركت الأمر بيد مجموعة من المافيا الجزائرية التي وضعت قوانين تتوافق تماماً مع خصوصيتها ومصالحها. ويشرح أن تلك السندات يأخذها المواطن وله الأولوية في الحصول على قروض جديدة وبتسهيلات تمويلية متميزة جداً، على أن يصدر المشروع في الجريدة الرسمية في القريب العاجل. ما يعني أنه مباشرة توضع ميكانيزمات وقواعد وقوانين تجاري مصالح أناس بحد ذاتهم.
ويضيف أن "الأمر ذاته يحدث مع المكتتبين في مختلف صيغ التمويل السكني في بلادنا، مع أننا قادرون على إنشاء صيغ تمويلية أخرى، كالقروض الحسنة من الخزينة العمومية، من أجل الحصول على سكن ما دام المواطن قادرا على تسديد هذه القروض". وتساءل سدور في الوقت ذاته: "كيف لرجال أعمال كبار في البلد، وهم معروفون جداً، أخذوا قروضاً كبيرة بلا فائدة وحصلوا عليها في العهدة الرئاسية الثالثة والرابعة كشرط من شروطهم لدعم المشاريع، بينما يجبر المواطن البسيط على أخذ قروض بفوائد؟".
منظومة ضعيفة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، أن الدولة أنجزت الكثير من المساكن عندما كانت في بحبوحة مالية، لكن للأسف تلك المساكن لم ترق إلى مستوى المعايير الدولية من عدة جوانب، سواء من المرافق العمومية أو النقل، وكذا المدارس والترفيه. فقد تم البناء في مناطق جديدة بلا استشراف سوسيولوجي للسكان.
ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن التضخم حالياً وضعف قيمة الدينار، جعلا أجور الجزائريين من بين أضعف الرواتب في العالم، بالإضافة إلى كون المواطنين باتوا يختارون المدارس الخاصة على العمومية، والصحة العمومية انهارت، على الرغم من المليارات التي صرفت من أجل النهوض بهذه المرافق. ويشير إلى أنه حين يتفق المواطن مع الدولة على سعر للسكن ثم يفاجأ بعد ذلك بارتفاع هذا السعر فهذا معناه أن الدولة غير متحكمة في سعر المساكن.
ويعتقد الخبير بن يحيى أنه إذا واصلت الدولة في هذا النهج في ما يخص السياسة الاجتماعية، سواء من حيث المساكن أو التقاعد المسبق أو سياسة الأجور، فستكون هناك اضطرابات اجتماعية كبيرة، في ظل معاناة الاقتصاد الجزائري حالياً من جراء تراجع أسعار النفط، ووجود إخفاق كبير في الاقتصاد خارج قطاع المحروقات.
وتبعا لهذا الوضع، دعا الدكتور بن يحيى الدولة إلى رفع مدة تسديد قروض السكن من ثلاثين إلى 40 سنة إذا كان الجزائري ليست لديه الإمكانات الكافية للتسديد، مضيفاً أن القدرة الشرائية للمواطن باتت تنهار يوماً بعد يوم، فسياسة الأجور في الجزائر سيئة بالنظر إلى عدم إعطاء نفس جديد للاقتصاد الوطني الذي لا يزال مبنياً على الريع وليس على الابتكار والتنافس.
ويلفت إلى أنه في دولة صغيرة مثل جمهورية ترينيداد وتوباغو العامل فيها يعمل ساعة واحدة يتقاضى مقابلها أجر 17 ساعة عمل للجزائري، وفرنسا الأجر القاعدي فيها 1300 يورو، أي ما يتقاضاه الفرنسي في يومين يتقاضاه الجزائري في شهر كامل، مشيراً إلى أنه يرى أن المشروع السكني والمشاكل المرتبطة به، فيها هروب إلى الأمام من طرف الحكومة وإخفاء الحقيقة عن الشعب. ويؤكد أنه هو وغيره من الخبراء وجهوا تحذيرات وقدموا حلولاً للحكومة لتدارك الأمر، لكن القائمين على أمور هذه البلاد لا يهمهم، حسبه، إلا الجانب الأمني والبقاء على كرسي الحكم تفادياً لأي مشكلات اجتماعية قد تخضع البلد.