الخدمة العسكرية.. تلك العلاقة المضطربة

23 ابريل 2015
+ الخط -

يشكّل الحديث عن علاقة الشباب بالجيوش، وبالأخص أداء الخدمة العسكرية، إلزاميا أو طوعيا، مثار مروحة من الآراء المتبانية، فيما يبقى الثابت أن أبرز عاملين يجري الخلاف حولهما، أو يسببان التناظر والافتراق في وجهات النظر حول موضوع بهذا الحجم، ما يتعلق بالموقف السياسي/الأيديولوجي من جهة، وجانب فردي يتعلق بالجوانب الشخصية والنفسية والظروف المتعلقة بالفرد أكثر من تلك المتعلقة بالمجموع.

هذا في ما يختص بالموضوع بعموميته والمقولات حوله بشموليتها، أما عند تقريب عدسة النظر أكثر، وتسليطها على المنطقة العربية، بما عانته وتعانيه من إشكالات تختص بعلاقة المجتمع بالدولة، وعلاقة الشباب بالمجتمع، ومعضلة الدولة غير الناجزة، بمعنى عدم استقرار المفردات المؤسسة للكيان الدولاني وللمجتمع المضبوط بدولة يفرزها وتمثل مصالحه ورؤاه، فلا المواطنة قائمة حقا، ولا المجتمع المدني حاضر فعلا، كما ليس للأحزاب السياسية من ترجمة حقيقية في مساحة الفعل والتأثير في أكثر من قطر عربي، غير أن الجانب المعارض منها، أي الأحزاب، لا يمتلك تلك الترجمة الحقيقية لواقع المعارضة، أكانت برلمانية وعبر أطر الدولة وقنواتها "الشرعية" أم كانت من خارج دائرة الدولة وأجهزتها والخيارات التي تتيحها. وهذا يحيل إلى نقد الدولة مجددا وليس فقط تناول المعارضة، فحالة انعكاس الترهل بين الدولة ومعارضتها قائمة بشكل حاد في سواد التجربة العربية.

وبتخصيص الحديث أكثر حول التجنيد الإجباري، أو الخدمة الإلزامية، والعلاقة مع الجيوش الوطنية، يستوجب التوقف عن شكل العلاقة مع الدولة وتمثيلاتها، ففي حين تكون الدولة معبرا ليس فقط عن جهاز احتكار العنف وتنظيمه، ولا عن الدائرة الناظمة لمصالح المجتمع واحتياجاته فقط، بل تتجاوز ذلك إلى حالة من التمترس وراء العنف وممارسته، والإفراط في تغليبه على باقي السبل، وكذلك غياب المناحي التنموية الحقيقة التي تمس مصلحة المواطن فيها بالإيجاب، هنا تصبح حالة العداء للدولة، وعدم قبول كل ما يمثلها ويعبر عنها هي الأكثر منطقية، بل والأولى بالحضور والتأثير، وإلا لما كانت الثورات العربية منادية بإسقاط النظم، بل إصلاحها، أو تحديد مناح ما تكون هي أصل المشكلة في نظر الحراك الثوري، بالتالي تتم المطالبة بمعالجتها والتوقف عندها، ولكن لأن أنظمة الاستبداد والفساد لم تبق من الدولة ما هو غير موظف لخدمة النظام أولا وأخيرا، ولأن موارد المجتمع استنزفت طوال أكثر من خمسة عقود لصالح شعارات لا تمت لما يمكنه إقناع الشعوب بشيء، سوى أن هذه الأنظمة تعمل ضدها، متحاملة عليها، متآمرة على طموحاتها بأن يكون لها بلاد قوامها احترام الفرد والمجموع والبلد والمؤسسة المتبادل، فقد انفجرت الحال إلى ما أتت عليه تجاه الأنظمة في بلدان الربيع العربي، من ثم لم ترحم الثورات ولم تعط فرصة لأن تأخذ مسار تشكلها السلمي الطبيعي المفترض، بل جرت إلى أكثر من مستنقع كانت زوارق النجاة فيها كلها في يد الدولة، بل النظام.

هذا في ما يتعلق بالصورة السياسية للعلاقة مع الدولة عربيا، وبما أن القوى الأمنية، والجيش خصوصا، تشكل أبرز التعبيرات عن وجود الدولة في جانب العنف الظاهر والقاهر، فلا يتوقع أن تكون النظرة لهذه الأجهزة والجيوش نظرة ملاطفة وتصالح، فعندما يكون الجيش مؤسسة لا تعكس بعدها الوطني بقدر ما تعبّر عن درع حماية للنظام القائم، فكيف إذن يمكن انتظار شكل علاقة صحية مع المجتمع وإقبال الشباب على تأدية خدمة تطوعية في مثل هذه المؤسسة.

ويبقى التنبه إلى أن هناك حالة من تصاعد النزوع إلى رفض مثل هذا الشكل من العمل الإلزامي في أكثر من قطر عربي من تلك التي تفرضه وتتعاطى به، حتى بين أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الذين أجبروا طويلا وتمّ التآمر عليهم لتوريطهم في الخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال، تشهد هذه الأيام تصاعدا مبشرا في حركة الرفض.

راسلونا على: jeel@alaraby.co.uk

المساهمون