الحَرّ القاتل يحرق أكثر من 1200 باكستانيّ

26 يونيو 2015
تتزايد حصيلة الضحايا يوماً بعد آخر (الأناضول)
+ الخط -

تعجز المؤسسات الخيرية في كراتشي الباكستانية عن دفن ضحايا موجة الحرّ الشديد، التي تضرب البلاد منذ السبت الماضي. وفي حين تتحدث المصادر الحكومية عن مقتل أكثر من 850 مواطناً باكستانياً في مدينة كراتشي (عاصمة محافظة السند)، في خلال خمسة أيام، تشير مصادر حقوقية وصحية لـ"العربي الجديد" إلى أن عدد الوفيات تجاوز 1200 شخص.

وتتهم المؤسسات الخيرية التي تعجز أيضاً عن توفير الإسعافات الأولية للمتضررين من جراء ضربات الشمس الحارقة، الحكومة الفدرالية وتلك الإقليمية، بتسويف القضية وعدم الاهتمام بما وصفته بالمحنة الإنسانية المتعاظمة. وبينما تناشد هذه المؤسسات السلطات الرسمية وأثرياء البلاد لإيجاد حلّ لهذه الأزمة الإنسانية، تحولت جلسة البرلمان التي عقدت بهذا الخصوص، الأربعاء المنصرم، إلى جدال ما بين الحكومة والمعارضة. أتى ذلك إثر تصريحات لوزير الدفاع خواجه محمد آصف الذي يشغل أيضاً منصب وزير الكهرباء والمياه، أكد فيها أن الحكومة غير مسؤولة عن مقتل المواطنين، مشيراً إلى أن الحاصل هو نتيجة موجة القيظ الشديد، ولا دخل للكهرباء والماء بالأمر.

وموجة الحر الشديد التي تجتاح مدينة كراتشي - يتجاوز عدد سكانها عشرين مليون نسمة - ومناطق أخرى في إقليم السند الجنوبي، منذ السبت الماضي، ما زالت مستمرّة، في حين أعلنت المستشفيات حالة الطوارئ، حيث تستقبل يومياً آلاف المتضررين، وسط نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الأولية، بالإضافة إلى عدد الأطباء القليل.

لغاية الساعة، تكتفي الحكومة المركزية، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها، بإلقاء اللائمة على الحكومة الإقليمية، متوعّدة بالعمل وفق الدستور لمحاسبة شركات الكهرباء. أما الحكومة الإقليمية التي يتزعمها حزب الشعب الباكستاني، برئاسة آصف علي زرداري المعارض لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، فقد أعلنت إجازة عامة حتى الإثنين المقبل، لحثّ المواطنين على البقاء في منازلهم. في المقابل، تؤدّي المؤسسات الخيرية، وفي مقدّمتها مؤسستا "إيدهي" و"تشيبا"، دوراً فعالاً وتقدّم الدعم الذي بمقدورها للمصابين والمتضررين. لكن حجم الكارثة أكبر من قدراتها.

اقرأ أيضاً: ضربة شمس قاتلة 

يوضح المسؤول في مؤسسة "إيدهي"، محمد سراج، لـ"العربي الجديد" أن "الوضع كارثي بكل ما للكلمة من معنى، وأن المؤسسة التي تملك أكبر عدد سيارات إسعاف، عجزت عن نقل المصابين إلى المستشفيات، بالرغم من أن تلك السيارات تعمل على مدار الساعة". ويشير إلى أن المؤسسة "تقدّم جميع أنواع الخدمات، من نقل للمرضى إلى المستشفيات، وتوفير الأدوية لهم، ودفن الموتى، بالإضافة إلى توفير الثلج ومياه الشرب للمواطنين في الأماكن العامة. لكن حجم الكارثة أكبر بكثير مما يتصوّره الناس".

لم يتحدث سراج عن أعداد الجثث التي تستقبلها المؤسسة يومياً، لكنه أشار إلى أن "لدى المؤسسة برادات تكفي 400 جثّة، وهي مليئة باستمرار، منذ السبت الماضي. وقد اضطرت المؤسسة إلى الاحتفاظ بجثث خارج البرادات، في حين يقوم طاقم الدفن التابع لها بدفن الموتى طيلة النهار".

من جهته، يقول باقر حسن أحد القاطنين بالقرب من برادات الموتى التابعة للمؤسسة، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الصعب جداً وصف الوضع. لا يمكن العيش بجوار مكتب إيدهي، بسبب تحلل الجثث". ويشير إلى أن المواطنين ينقلون الجثث إلى البرادات بأي وسيلة متوفّرة، بعد انشغال سيارات الإسعاف بنقل المرضى إلى المستشفيات.

وكانت مستشفيات كراتشي قد أعلنت حالة الطوارئ، في حين يعمل الأطباء لمعالجة المتضررين على مدار الساعة، بحسب ما يوضح طبيب الطوارئ، محمد أويس، في مستشفى جناح المركزي. يضيف أن "المستشفى يواجه نقصاً كبيراً في الأسرّة والأدوية، ولا يمكن احتواء الكارثة إلا بتغيير الوضع العام. معظم المصابين يصلون إلى المستشفى وهم في حالة خطرة، لعدم توفّر سيارات إسعاف كافية، ولأن أكثرهم من المسنين ومن سكان القرى والأرياف المحرومة من الكهرباء والماء والبعيدة من المستشفيات الرئيسية".

أمر الله من مقاطعة أوكرزاي القبلية، لكنه يسكن في مدينة كراتشي منذ ثلاثة عقود، يعيد "تفاقم الأزمة إلى موجة الحر الشديد التي تشهدها المدينة هذه الأيام. أنا لم أشهدها قطّ في خلال العقود الماضية. لكنها ليست السبب الوحيد، بل يُضاف إليها انقطاع المياه والكهرباء، بالإضافة إلى أنها أتت في شهر رمضان". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "عدم توفّر الرعاية الصحية اللازمة، يجعل معظم المصابين يلقون حتفهم قبل الوصول إلى المستشفى".

إلى ذلك، يقول أمر الله إن قلة الوعي سبب آخر لارتفاع أعداد الوفيات. ويخبر أن أحد أقرانه من مدينة بيشاور، محمد سرور، أصيب بضربة شمس في أثناء عمله في السوق، وأصرّ على البقاء على صيامه، فأغمي عليه. وفي أثناء نقله إلى المستشفى، لقي حتفه.

تجدر الإشارة إلى أن العمال في الأسواق والشركات هم من أكثر المتضررين، من جرّاء موجة القيظ. ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان، محمد ظاهر، إن "70 في المائة من الموتى والمصابين بالحر هم من العمال، خصوصاً هؤلاء الذين يعملون تحت الشمس الحارقة وفي الشركات المغلقة". يضيف لـ"العربي الجديد" أن أعداداً كبيرة من الموتى هي من المسنين والفقراء.

وبينما تؤكد المؤسسات التي تُعنى بحقوق الإنسان أن الأزمة تعاظمت بسبب انقطاع الكهرباء والمياه، تصرّ الحكومة الباكستانية على أن لا دخل للكهرباء والمياه في الكارثة الإنسانية التي وصفتها بالمأساوية، وتلقي باللائمة على الشركة الخاصة التي تزوّد كراتشي بالكهرباء، وتعد بمحاسبتها. لكن المعارضة الباكستانية من جهتها، تحمّل الحكومة كامل المسؤولية.

إلى ذلك، أنشأ الجيش الباكستاني أكثر من عشرين مركزاً في مختلف مناطق المدينة، ليقدّم من خلالها الإسعافات الأولية والأدوية للمصابين، كذلك يساهم في نقل المصابين إلى المستشفيات، وتوزع مياه الشرب على المواطنين، بالإضافة إلى ما يقيهم من أشعة الشمس. وقد أقامت قواته الخاصة (رينجرز) مستشفى ميدانياً صغيراً بالقرب من مستشفى الجناح، لاستقبال المصابين قبل نقلهم إلى المستشفيات.

موجات جديدة تهدّد البلاد

هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها باكستان أزمة طبيعية. هي عانت من القحط والفيضانات المتكررة. واليوم، يتوقّع مركز الأرصاد الجوية في المدينة تغيّراً في الجو، لكنه يحذّر من تكرّر مثل هذه الموجة قريباً نتيجة التغيّرات المناخية. ويوصي المركز الحكومة بالاستعداد واتخاذ الإجراءات المناسبة، في حين يدعو الشعب إلى توخي الحيطة والحذر.

اقرأ أيضاً: لطيف خان مهمند.. فقد يده وما زال يصنع الطوب