الهجمات الجماعية للموت تأتي على شكل حروب أحيانا أو كوارث طبيعية أحيانا أخرى، أو على هيئة وباء كما حدث في كارثة فيروس كورونا المستجد الذي انتفش في وجه الجميع؛ الكبير والصغير، الغني والفقير، القوي والضعيف.
وهذه الهجمات المميتة يتغير بعدها وجه الحياة، فبعدما مات الملايين في الحرب العالمية الثانية مثلا، رأينا أوطانا جديدة واقتصادات عملاقة ومجتمعات مزدهرة.
العجيب أن هذا الفيروس المغرور ذهب بهجماته في البداية مسرعا إلى أصحاب الحضارات الأقوى والمناطق الأغنى والاقتصادات الأعظم، ليستعرض قوته وعضلاته، فضرب الصين وأوروبا وأميركا بعنف وقسوة، وكأنه أراد أن يفرض سلطته على من يظنون أنهم يحكمون العالم.
كلنا اختبأنا من كورونا لأننا نحب الحياة بفطرتنا، ولذلك حاولنا أن نُسيّر أحوالنا بعيدا عن هذا الوباء القاتل مؤقتا، فمنا من عمل من منزله عبر الإنترنت، ومنا من ذهب إلى عمله مع أخذ كافة احتياطاته للوقاية من الموت اختناقا بكورونا، فعجلة الاقتصاد أو عجلة الحياة لا بد أن تدور رغم أنف الفيروس اللعين.
حتى الرؤساء والحكومات اختبأوا ومارسوا عملهم عبر التكنولوجيا الحديثة عن بعد. ولكن يبدو أن كورونا يستفحل أمره كلما اختبأ البشر، فوجدنا في المقابل إعلانات متتالية عن العودة للحياة الطبيعية تدريجيا مرة أخرى، بل وجدنا الصين البلد الذي استقبل الصدمة الأولى من وباء كورونا ومات فيه الآلاف تعلن بداية هذا الأسبوع عن عودة مكائن 99.99% من مصانع بكين للدوران وكأنها تتحدى الفيروس.
الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعلن أيضا أن الولايات المتحدة ستعود إلى الحياة الاقتصادية بشكل طبيعي قريبا، وكذلك فعل عدد من الدول الأخرى.
بعد شهور أو أسابيع أو أيام، ستضج الشوارع والمصانع والشواطئ والأرض والبحار والسماء بالبشر.
وكما يختبئ الموت ليتحين الفرصة للعودة... اختبأ الإنسان ليحمي نفسه مؤقتا وها هو يستعد للعودة ليعلن تمسكه بالحياة، فهي أقوى من الموت الذي ينهش نهشة ثم يذهب ويتوارى أمام زخم الأمل والبهجة والفرحة والحب والمال والبنين.
نعم الحياة ستعود وستهزم كورونا، ولكنها ستعود بغير الوجه الذي كنا نراه.