الحياة بعد سيلا ليست كما قبلها

21 فبراير 2017
+ الخط -

سيلا... طفلتي الأولى، وسعادتي الأولى، حلمي الذي نسجته طيلة 9 أشهر؛ وللحقيقة هي حلم انتظرته منذ طفولتي حين كنا نلعب "بيت بيوت" وكان دوري أمّاً لطفلة.

تخيلتها مراراً وتكراراً، ورسمت حولها سناريوهات عدّة، بدءاً من شكلها وصولاً إلى تخرجها من الجامعة مروراً بمراهقتها.  

وأخيراً، جاء الموعد المنتظر. وضعت طفلتي في 13 ديسمبر/ كانون الأول. تاريخ لم أكن مهيأة له إذ إنه وفقاً لحساب طبيبتي كان الموعد المقرر في 17 من الشهر نفسه، ورغم صعوبة الولادة لم أتذمر، بل على العكس، رأيت في ذلك انتهاء فترة الحمل الثقيلة وطي صفحة المعاناة واقتراب ساعة احتضان سيلا.

في تمام الساعة 12 ولدت سيلا. لحظات عصيبة بين خروجها للحياة ومكوثها في رحمي. هي حكمة غريبة. كنت قد لامست تلك الحفرة العميقة التي نسمع عنها من أجدادنا، (أي القبر)، ثم خرجت سيلا لتنهي كل شي، كأني لست من كانت تلد، محولةً الآلام برداً وسكينة. وبحركة سريعة من الطبيبة، أصبحت طفلتي في حضني. في تلك اللحظة أحسست أنني افتقرت للإبداع، فهي أجمل بكثير من مخيلتي، أو على أقل تقدير إحساس الأمومة رأى فيها ملاكاً لا يوصف.

في اليومين الأولين بعد الولادة لامست السماء بأنامل سيلا، لم أكن أعلم ما ينتظرنا أنا وهي، فالحياة تغيرت بعدها.

هي اليوم بين يديّ ولكن ما رسمته لمستقبلها بدأ يتلاشى تدريجياً منذ عودتي إلى المنزل. بداية عندما كنت أتهيأ لتغيير حفاضها، إذ بالكهرباء تنقطع، فجأة أصابتني نوبة هستيرية كيف تقطع الآن الكهرباء وقد نزعت الثياب عن طفلتي والطقس بارد جداً. بدأت أسرع وأتخبط لكي أنير أي شيء، وبعد معاناة نجحت بإنارة هاتفي، وتداركت الأمر.

الغريب في الأمر أن الكهرباء تقطع باستمرار في لبنان، وكان الأمر بالنسبة لي عادة تربيت عليها. أما الآن فبات الأمر يفاجئني، ربما لأني أعجز عن تفسير ذلك لطفلتي.

الأمر لم يقف عند حد الكهرباء، بل طاوله إلى قضايا كثيرة، منها ارتفاع كلفة المولدات، إذ ذهبت للاشتراك مع أحد أصحاب المولدات كي لا تعاني طفلتي من انقطاع الكهرباء مرة أخرى، غير أني اصطدمت بارتفاع التكلفة فهي تتعدى 200 دولار للـ10 أمبير، وأنا بحاجة إلى 10 أمبير لكي أشغل التدفئة لطفلتي، فالطقس بارد.

غلاء واستغلال، الأمر عادي هنا. ولكن الآن أجده صعباً للغاية، مع وجود طفلتي.

على مدى 30 يوماً بعد ولادة سيلا، استطعت أن أتدبر مواقف كثيرة، كملوحة المياه، وغلاء الغاز، وأيضا الضريبة المضافة على كل شي، والتي يسعى الآن مجلس النواب إلى رفعها، إذ اقترضت لكي أكمل الشهر، ولكن لا ضير في ذلك، فلبنان نفسه مديون بـ66 مليار دولار، ولابنتي نصيب من الدين العام، مذ أبصرت النور.


وصلت أخيراً إلى الحالة الطبية، كيف سأفسر لابنتي أن دولتها لا تؤمن لها "الطعوم" بالمجان وعليها أن تأخذها في عيادات الأونروا؟ كيف سأشرح لها أنها لكي تحصل على أبسط حقوق طفولتها، يجب أن تتحول إلى لاجئة في بلدها!

أقنَعت نفسي بوضع البلد الصعب رغم أن الأمر ليس بجديد عليّ، بل واعتبرت ابنتي محظوظة لأنها ولدت ولديها رئيس جمهورية بعد فراغ دام أكثر من عامين ونصف العام.

قبل مجيء سيلا، كنت أسير على مبدأ "حط راسك بين الروس وقول يا قَطّاع الروس"، أي مع بقية القطيع، أما بعد مجيئها فمشاعر الأمومة تعذبني، كيف سأنقل لها هذا الإرث اللعين وأطلب منها أن تتعايش وأن تكون جزءاً من قطيع في مزرعة يحكمها الفساد والطائفية؟ وأن عليها أن تبقى في غيبوبة إلى أن تصبح أماً فتشعر فجأة بمرارة الوضع!

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.