الحوثيون يقررون مواجهة السعودية والإصلاح

28 فبراير 2015
يسعى الحوثيون إلى لملمة الداخل (وضاح عبد القادر/الأناضول)
+ الخط -
لا تسير التطورات في اليمن وفقاً للتوقعات، إذ كان منتظراً أن يخصّص زعيم "أنصار الله" (الحوثيين) عبد الملك الحوثي، خطابه مساء الخميس، للحديث عن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومغادرته صنعاء إلى عدن، وعدوله عن الاستقالة. وهو الأمر المفترض من أية سلطة انقلابية تسيطر على عاصمة الحكم وجزء من البلد، لكن الموضوع لم يأخذ من خطاب الحوثي سوى بضع كلمات، بينما خصص معظم الخطاب للهجوم على السعودية، وحزب "الإصلاح".

وكان واضحاً أن الحوثي بدأ التمهيد، برأيه، لتعديلات في العلاقات الخارجية لليمن، في حديثه عن "البدائل الدولية"، وما إعلانه أن "اليمن لا يعاني عزلة دولية بل بات منفتحاً نحو أفق أوسع"، سوى إشارة إلى إمكانية الاستعانة بإيران وحلفائها الدوليين، كروسيا.

وعلى غير المعتاد، نال الهجوم على السعودية الحيّز الأوسع من خطاب الحوثي. ووردت كلمة "السعودية" في خطابه 30 مرة، واتهمها بـ "دعم الأطراف التي تمارس التخريب". مع العلم أن الحوثي هادن السعودية سابقاً، على الرغم من مشاركتها مع الجيش اليمني في الحرب "السادسة" ضد جماعته في صعدة، أواخر العام 2009، وتصنيفها العام الماضي للجماعة بأنها "إرهابية"، كما حرص في العامين الماضيين على توجيه خطاب مطمئن للسعودية ولدول الخليج عموماً.

وتتعدد التفسيرات للأسباب التي تقف وراء تصعيد الحوثي ضد السعودية، ويعتبر مراقبون أن "السعودية آلمت الحوثي بالفعل وأجبرته على أن يهاجمها بقسوة"، بينما لا يستبعد آخرون في أن "يكون الحوثي قد لجأ إلى إيجاد خصمٍ خارجي، آملاً في تجميع بعض الداخل حوله، أو ربما يشعر أن للرياض دوراً في تهريب هادي إلى عدن".

ومن غير المستبعد أيضاً أن تكون "الأزمة المالية" التي تواجهها السلطة الانقلابية التابعة للحوثي، تدفعه لاسترضاء إيران بغية كسب دعمٍ أكبر، وذلك عبر التأكيد على أنه متجه نحو أفق مضاد للسعودية، التي قطعت الدعم. كما يُمكن إدراج الهجوم على السعودية في إطار الأنباء عن تقديمها دعماً لقبائل مأرب، الرافضة لتمدد الحوثيين نحو المحافظة.

اقرأ أيضاً: الحوثيون يواصلون "انتقامهم" من الإعلام

ولا تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل إن الأنباء التي تحدثت عن جهود تبذلها الرياض للتقريب بين حزبي "الإصلاح" و"المؤتمر"، قد تكون من الأسباب التي دفعت للهجوم الحوثي، خصوصاً أن الرياض نجحت في لمّ شمل أمين عام "الإصلاح" عبد الوهاب الآنسي، بنظيره في "المؤتمر" عارف الزوكا، قبل نحو أسبوعين في جلسات مصالحة سرية في المملكة. وكان من اللافت أيضاً، أن الحوثي ذكر، إضافة إلى السعودية، دولة خليجية واحدة وهي قطر، واعتبر أن من يستمع لهاتين الدولتين "سيكون خاسراً". ويمثل الخطاب تطوراً مهماً، يظهر أن الجماعة لجأت إلى استخدام الأوراق الإقليمية، بعد فشلهم في إقناع دول الخليج في التعامل معهم.

وتبدو مؤشرات الصدام مرتفعة بعد بدء بعض السفارات، التي أغلقت أبوابها في صنعاء، العمل من عدن، وبرز في هذا السياق استئناف السفير السعودي في اليمن، محمد بن سعيد آل جابر، عمله من عدن، أمس الخميس، حسب ما أفاد مصدر دبلوماسي لوكالة "الأناضول".

وفي السياق الداخلي، وجّه الحوثي رسائل تهديد للقوى المحلية، الرافضة لسيطرته، وخصّ بالذكر حزب "الإصلاح"، الذي ألمح في سياق الحديث عنه، إلى أن هناك خيارات كثيرة "مؤجلة"، قد يلجأ إليها إذا استمرت بـ "التعنت"، وفقاً لرأيه.

وفي مقابل التصعيد ضد "الإصلاح"، وجّه الحوثي رسالة تطمينية إلى "المؤتمر"، برئاسة علي عبد الله صالح، واعتبر أن ما حدث أخيراً في معسكر قوات العمليات الخاصة بمنطقة الصُباحة غرب صنعاء، المحسوبة على صالح، لا يستهدف "المؤتمر" وإنما هو حادثة "عرضية". وبدا أن الهجوم على "الإصلاح" في خطاب الحوثي هو رسالة تطمينية إضافية لـ "المؤتمر"، الذي تجمعه خصومة مستفحلة مع "الإصلاح" منذ ما قبل ثورة 2011.

ويرى متابعون في حرص الحوثي على طمأنة "المؤتمر"، بأنه "محاولة لامتصاص حالة الاستنفار التي قامت في صفوف الحزب، بعد مهاجمة الحوثيين معسكر الصباحة". وفي رسالة اقتصادية مبطنة، استعرض الحوثي في خطابه خيارات اقتصادية عديدة، تستغني بها البلاد عن الدعمين السعودي والأميركي، لكنه لم يأتِ على ذكر إمكانية استرجاع 60 مليار دولار، ذكرت تقارير منسوبة للأمم المتحدة أن صالح نهبها خلال فترة حكمه.
وفي السياق، لفت مسؤول رفيع في "المؤتمر"، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن "المشاورات التي كانت دائرة بين الحوثي وصالح، بواسطة قيادي حوثي يدعى أبو مالك، توقفت منذ استقالة هادي في 22 يناير/كانون الثاني الماضي".

تجاهل هادي

وكان منتظراً أن يعلن الحوثي موقفاً تجاه عودة هادي لممارسة مهامه كرئيس للبلاد، إلا أنه على الرغم من الهجوم على هادي واعتباره فاقداً للشرعية، لم يتحدث عن خيار جماعته تجاه تراجعه عن استقالته من رئاسة الجمهورية من عدن، وما إذا كان سيلجأ لمواجهة معه.

ويفسر محللون عدم حسم الحوثي خياراته ضد عدن، إلى أحد احتمالين: إما أن تكون ضمن الخيارات المفتوحة التي لا يريد الحوثي التصعيد فيها من خلال خطابه، ويمكن أن يترجمها بخطوات على الأرض، أو أن الحوثي سلّم مبدئياً باستمرار هادي وممارسة سلطته في عدن، بينما تستمر الجماعة بتأسيس سلطاتها في صنعاء، ما قد يعني تكريساً لفيدرالية "الأمر الواقع لدولة من إقليمين".

وبدا لافتاً أيضاً أن الحوثي لم يتطرق في خطابه إلى قرار اللجنة الثورية التابعة لجماعته، والتي اعتبرت هادي "مطلوباً للعدالة"، كما لم يعلق على رفض حكومة خالد بحّاح المستقيلة، للعرض المقدم من لجنة الحوثيين، في مسألة تسيير شؤون الدولة. وكان غريباً ورود إشارة غامضة منه، في أن جماعته ستبقى على تواصل مع أطراف في الجنوب، من دون تحديدها.

في الإجمال أفصح الخطاب عن خيارات الجماعة بعد مغادرة هادي، وأبرزها التصعيد ضد السعودية، وبدء استخدام أوراقها الإقليمية بالحديث عن "أفق أوسع" جديد من العلاقات الخارجية، في اتجاه إيران. كما حدّد الخطاب خصوم الجماعة الداخليين، من ناحية تهديد "الإصلاح" باتخاذ إجراءات حاسمة ضده، في وقت لم ينل الهجوم على هادي قسطاً كبيراً من التهديد الحوثي، ما يوحي بأن الجماعة ستسعى لترسيخ سلطتها في صنعاء مع استمرار هادي في عدن.

ويعكس الخطاب وفق ما أفاد به نبيل الصوفي المقرّب من صالح، في حديث لـ "العربي الجديد"، "مأزقاً لدى الجماعة، يتمثل في تأثر عبد الملك الحوثي، بعبء الانتقال من انتصارات حققتها جماعته بالسلاح، وتحديات برزت بسبب هذه الانتصارات، لا يمكن حلّها بالسلاح".

أما عن خيارات الجماعة تجاه انتقال هادي إلى عدن وعدوله عن استقالته، قال عابد المهذري، المقرّب من الحوثيين في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن "هادي يسعى من خلال ما يقوم به الآن، الزجّ بالبلاد في صراعٍ، ويتعمّد إثارة المشاكل وتقويض الحوار وعملية الانتقال السلمي للسلطة، ليكون بذلك المطلوب الثاني للعدالة مع الجنرال علي محسن، الذي كانت اللجان الثورية قد أعلنته قبل أشهر عدة فاراً من وجه العدالة".
وأضاف أن "مسألة التقدم إلى عدن لاعتقال هادي وارد، والاحتمالات والخيارات تبقى مفتوحة ومرتبطة بإفرازات ومستجدات الأيام والأسابيع المقبلة". ولفت إلى أنه "ليس بعيداً وقوع هادي في قبضة الثوار، وتطبيق الإجراءات الأمنية في ملاحقته، خصوصاً أنه أصبح من دون حصانة أو شرعية تحميه ويحتمي بها". واعتبر أنه "لو بقي في صنعاء لكان ذلك أفضل له من الناحية الأمنية، نظراً لتحمّل اللجان الشعبية الثورية (الحوثية) وسلطات الأمر الواقع، مسؤولية حمايته وضمان أمنه وسلامته". ورأى أن "انتقاله إلى عدن جعل منه مطلوباً للأمن، وبات مستقبله السياسي والأمني محفوفا بالمخاطر والمحاذير التي ستبقيه في دوامة معقّدة، لن يستطيع الإفلات منها مهما حاول".

اقرأ أيضاً: اليمن: جهود بنعمر مكبّلة

المساهمون