وأثارت تصريحات عمر ضجة كبيرة في الكونغرس ووسائل الإعلام وفي صفوف المنظمات اليهودية وبعض المنظمات المدنية، وشارك فيها البيت الأبيض. وقد انقسمت ردود هذه الجهات بين معتدلة ومتشددة ومتعاطفة أو متفهمة لكلامها.
القوى المحافطة والجمهوريون عموماً مع قسم من النواب الديمقراطيين واليهود منهم، إضافة إلى عدد من الجمعيات اليهودية، صنفوا كلام عمر في خانة "معاداة السامية" والغمز من زاوية اليهود ونفوذهم السياسي. وطالبوا بعزلها من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، وطرحوا مشروع قرار ينطوي بشكل غير مباشر على توبيخ النائبة ومعاقبتها، مع أنها استجابت للمطالبات واعتذرت مرتين عما يمكن أن يكون قد فُهم بأنه عداء للسامية.
لكن اعتذارها لم ينفع، فازدادت شدة الحملة ضدها، والبعض ربط اسمها بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ما دفع فئة واسعة من النواب السود والنواب الجدد المحسوبين على يسار الحزب الديمقراطي، لإعلان اعتراضهم على مشروع القرار والوقوف إلى جانب النائبة عمر.
الانقسام دفع بقيادة الحزب في الكونغرس إلى التدخل لتنفيس التوتر بين الجناحين، من خلال طرح صيغة وسط لمشروع القرار تدين اللاسامية كما تدين " الانحياز ضد الإسلام والمسلمين"، وفق ما اقترحته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي لم تشارك الآخرين في وصم تصريحات عمر باللاسامية. وعلى هذا الأساس، تحدد موعد التصويت يوم الأربعاء. لكنّ الجمهوريين طرحوا مشروعاً مقابلاً يقضي بـ"الإدانة"، مع ذكر اسم النائبة في نصّه. مزايدة عمّقت الانقسام بين الديمقراطيين، الذين أصرّ المتشددون منهم على تعديل صيغة مشروع بيلوسي. احتدام الخلاف قضى بتأجيل التصويت إلى مساء اليوم الخميس، مبدئياً، للبحث عن تسوية، لكن بعد اجتماعات ساخنة، تعذّر التوافق خلالها بين الفريقين. بيلوسي رفضت استبدال النص المتوازن، والفريق المتشدد أصرّ على موقفه اللامتوازن. وعند هذه النقطة تجمّدت القضية.
ما قالته النائبة سياسي، أساساً، ومتصل عضوياً بحرية الرأي التي يكفلها الدستور الأميركي، لكن بما أنه متعلق باللوبي الإسرائيلي، فقد جرى دمغه بالخاتم اليهودي، فبدا معادياً للسامية وبالتالي منتهكاً للممنوعات. اللوبي الإسرائيلي لا يطيق الحديث الناقد عن نفوذه في الكونغرس، فكيف إذا كان الناقد من أعضاء الكونغرس؟ مع أنه ثمة من بين هؤلاء من تصدّى له في السابق، مثل النائب بول فندلي، فخاض اللوبي معه معركة تصفية سياسية أراد من خلالها أن تكون درساً للآخرين.
لكن الساحة الأميركية لم تعد كما كانت. الحديث في واشنطن عن اللوبي الإسرائيلي لم يعد سراً، ولا التأفف من نفوذه. حتى قواعد الحزب الديمقراطي بدأت تشهد نوعاً من التحول عن تأييدها التاريخي لإسرائيل، تحديداً شرائحها الشابة، فـ26 في المائة منها بحسب الاستطلاعات انتقلت إلى الضفة الأخرى. انعكس ذلك على حركة الدعم لمقاطعة البضائع الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات. كما أن دائرة النقد لإسرائيل توسعت حتى في صفوف المواطنين اليهود. بعض جمعياتهم المدنية انضمت إلى حركة التصدي للحملة ضد النائبة عمر، وكذلك بعض الكتّاب اليهود. النزعة المعادية للسامية في أميركا التي انتعشت في الآونة الأخيرة، لم يواجهها المحافظون كما فعلوا الآن. الخطاب الجمهوري احتوى على الكثير من الغمز من زاوية المال السياسي اليهودي الديمقراطي، مثل جورج سوروس وتوم ستاير، من دون محاسبة. كما أن القيامة لم تقم عندما هتف العنصريون البيض في تظاهرة شارلوتسفيل الشهيرة في صيف 2017، صراحة وبالاسم ضد اليهود. ترامب منحهم آنذاك أسباباً تخفيفية.