تتواصل الحملة العسكرية المشتركة بين الجيش المصري وبعض القبائل في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، في مناطق عدة بغطاءٍ جوي غير مسبوق، في حين بدأ الحديث يدور عن مرحلةٍ جديدة مقبلة في المحافظة، تتمثل في تنفيذ منطقة صناعية واقتصادية كبرى، على أنقاض مدينة رفح على الحدود مع قطاع غزة في فلسطين المحتلة. هذا المشروع، هو ذاته الذي جرى الحديث عنه، في إطار بنود الشقّ الاقتصادي لخطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة بـ"صفقة القرن"، التي أعدتها الإدارة الأميركية. وحين جرى تخصيص ورشة اقتصادية في البحرين، لمناقشة دعم الجانب الاقتصادي منها، كانت لمصر حصّة مالية كبيرة من الرصيد الإجمالي المخصص لتنفيذ هذه الصفقة.
وجاء الحديث بشكلٍ علني عن المرحلة الجديدة في سيناء، على لسان إبراهيم أبو شعيرة، النائب في مجلس الشعب المصري عن مدينة الشيخ زويد، عبر صفحته على موقع "فيسبوك". وكتب أبو عشيرة: "منذ 4 سنوات، قلت إنه ستبنى رفح جديدة، وفيكم من صدقني ومن لم يصدق، اليوم جار البناء والعمل على قدمٍ وساق، واليوم أزّف لكم خبراً جديداً، وفيكم من يصدق وفيكم من لن يصدق". وأضاف: "أولاً إن شاء الله، سيتم عمل طريق من اللحفن (العريش) حتى الشيخ زويد مروراً بقرية الطويل، يربط مع الطريق الدائري الجديد جنوب العريش بعرض 35 متراً، وثانياً سيتم تطهير كل المباني التي تمّ إزالتها، وبناء وإعمار مدينة رفح، وإنشاء منطقة حرّة ومصانع واستثمارات في المنطقة، سيستفيد منها كل أهل سيناء، وتوفير فرص عمل كثيرة للشباب إن شاء الله في ظل قيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي".
ولا يمكن الحديث عن هذه "المرحلة الجديدة" من دون المرور على تفاصيل "صفقة القرن"، التي لطالما جرى ربطها بالموقف المصري السياسي والميداني، في ظلّ التجاور الجغرافي بين قطاع غزة الذي له حيّز كبير في تفاصيل الصفقة، وشبه جزيرة سيناء. وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت سيناء تهجيراً للآلاف من السكان المصريين، حتى تمّ الانتهاء من الوجود السكاني في مدينة رفح، بالإضافة إلى أطراف الشيخ زويد، ومناطق من مدينة العريش، بالتزامن مع إخلاء مناطق رئيسية في المحافظة، كمحيط مطار وميناء العريش. ويأتي الحديث اليوم عن بدء المرحلة الجديدة، في ظلّ سعي القوات العسكرية بالتعاون مع القبائل، لتطهير المحافظة من تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، خصوصاً في منطقتي رفح ووسط سيناء، وهما منطقتان ستشهدان نشاطاً اقتصادياً وتجارياً كبيراً خلال المرحلة المقبلة، وفقا لما جاء في الخطة.
وتقترح الخطة الأميركية 12 مشروعاً اقتصادياً مرتبطاً بمصر، منها مشروع متعلق بتقديم خدمات عبر الحدود بإنشاء خطوط نقل إلى غزة، وإعادة تأهيل الخطوط المصرية الحالية المرتبطة بالقطاع. وذكرت الخطة أنه عندما يتم ذلك، سيكون الفلسطينيون قادرين على الحصول على مزيد من إمدادات الطاقة من مصر، بسعرٍ متفق عليه من الطرفين، وهو ما رصدت له الخطة 12 مليون دولار. وتحت بند "خدمات عبر الحدود"، ورد في الخطة مشروع ترقية خطوط الطاقة بين مصر وغزة على مراحل، على أن تتمّ المرحلة الأولى عبر زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم قدرة إجمالية بحجم 50 ميغاواط. كما ستتم زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة، عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم سعة إجمالية قدرها 100 ميغاواط بالسعر المتفق عليه بين مصر والفلسطينيين. ورصد المشروع الأميركي 20 مليون دولار لذلك، وهي عبارة عن منح على مدار 3 سنوات. كما برز مشروع خاص بـ"التجارة الإقليمية"، واكتشاف طرق للاستفادة من المناطق الصناعية المؤهلة في مصر لتعزيز زيادة التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل، والضفة الغربية وغزة. ويمكن أن تشمل الميزات الرئيسية لهذا البرنامج مراجعة الإمكانات والتعديلات على حصة المحتوى المصري أو الإسرائيلي أو الفلسطيني المطلوبة لتصل إلى 35 في المائة لكل طرف، على أن يتم المشروع في مرحلة واحدة خلال عامين.
كذلك، سيتم تطوير الطاقة في سيناء تحت بند "الاستقرار الاقتصادي"، من خلال دعم مشاريع توليد الطاقة في سيناء لزيادة الإمدادات الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار، 125 مليوناً منها عبارة عن منح، و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً. أما في ملف المياه في سيناء، فتستهدف الخطة تطوير ودعم مشاريع البنية التحتية للمياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، ويتم على مرحلتين بتكلفة 500 مليون دولار، 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً. وكذلك هناك مشروع خاص بالتجارة الإقليمية في سيناء ووسائل النقل، من خلال دعم طرق سيناء والبنية التحتية للنقل لربط المشاريع الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار، نصفها منح والنصف الآخر قروض. وتحت عنوان "الاستقرار الاقتصادي"، تمّ تبنّي مشروع خاص بالسياحة في سيناء، يعتمد على تطوير ودعم المشاريع السياحية في المحافظة، بما في ذلك على ساحل البحر الأحمر، ويتم على 3 مراحل خلال 8 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار، 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً.
ميدانياً، كشف مصدر حكومي مسؤول في شمال سيناء لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش المصري أغلقت قبل أسابيع عدة طريقاً رئيسياً جنوب مدينة العريش حيث الاتجاه نحو مناطق وسط سيناء، وحولته إلى طريق جديد من دون تقديم مبررات لذلك، علماً أن الطريق الجديد محفوف بالمخاطر، حيث يتربص "ولاية سيناء" بالمواطنين. وتؤشر المسألة إلى التخطيط لإنشاء شبكة طرق جديدة خلال الفترة المقبلة. كذلك فإن الأعمال القائمة على تطوير مطار العريش ومينائها مستمرة، وكذلك تطوير محطات تحلية مياه البحر في الشيخ زويد، وشبكة الكهرباء والاتصالات في هذه المدينة، برعاية كاملة من الأجهزة الأمنية، بالتزامن مع العملية العسكرية القائمة في مناطق جنوب رفح والشيخ زويد ووسط سيناء منذ أسبوعين تقريباً.
وأوضح المصدر الحكومي أن سكان شمال سيناء يعيشون في ضائقة اقتصادية صعبة منذ عام 2013، بعد تغير الواقع الاقتصادي بإغلاق منطقة الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، لما كانت تمثله من مصدر رزق لآلاف المصريين في سيناء، سواء العاملين بشكل مباشر فيها، أو غير مباشر من أصحاب المصالح التجارية في المحافظة. وأكد المصدر أن من تبقّى في سيناء ولم يغادرها بعد إنشاء المنطقة العازلة واستمرار العمليات العسكرية منذ تلك المرحلة، يعيش تحت خط الفقر، في ظلّ عدم توافر أي أعمال أخرى يمكنها تغطية الاحتياجات اليومية للأسر في سيناء. وبناءً عليه، رأى المصدر أن افتتاح أي مشروع اقتصادي في سيناء من شأنه انتشال مئات الأسر المحتاجة لمصدر دخل دائم، وعلى هذه القاعدة تسير كافة الأحداث الميدانية في المحافظة، سواء العسكرية أو المدنية، وفقاً للخطة الموضوعة من الجهات العليا.
وفي نقطة مهمة أخرى، أكدت مصادر قبلية في مناطق القنطرة غرب سيناء لـ"العربي الجديد"، أن أعمال إنشاء خط سكة الحديد الرابط بين محافظة الإسماعيلية وشمال سيناء يسير بسرعة فائقة خلال الفترة الأخيرة، من قبل الشركات الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية. وأظهرت صور حصلت عليها "العربي الجديد" العمل في مشروع السكك الحديدية، وهو مشروع كان يجري العمل عليه في سيناء قبل عقود. وتشير التقديرات إلى أن هذا المشروع يأتي كجزء من شبكة الطرق التي جرى الحديث عنها في الشق الاقتصادي من "صفقة القرن".
وكان أحد أبرز مشايخ سيناء تحدث لـ"العربي الجديد" مع بدء الحملة العسكرية المشتركة بعد عيد الفطر (24 مايو/أيار الماضي)، بأن الجهات الأمنية تغري القبائل والشبان بالمشاركة في الحملة على أمل العودة لديارهم، وإنهاء حالة الطوارئ القائمة في سيناء، وكذلك فتح مشاريع اقتصادية يكون لهم دور بارز في العمل بها خلال المرحلة المقبلة التي تلي القضاء على التنظيم الإرهابي، أو على الأقل طرده خارج إطار المناطق المنوي إنشاء المشاريع الاقتصادية فيها، في مدينة رفح ومناطق وسط سيناء كمرحلة أولى. مع الإشارة إلى أن المدنيين المشاركين في الحملة العسكرية هم من التابعين لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، صاحب العلاقة المباشرة بمحمود السيسي، نجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك العديد من دوائر الاستخبارات المصرية، ما جعله ينال فرصة السيطرة التجارية على منفذ رفح البرّي الرابط بقطاع غزة، والذي يدر عشرات ملايين الدولارات شهرياً.