الحلم العربي

ما يطفو على سطح الماء من نقاء لا يعكس صورة الواقع في الأعماق، لهذا عندما أراد الربيع العربي الغوص والتوغل في أعماق الأنظمة للبحث عن الحلقة الضائعة، وجد أنها أكثر فتكاً وشراسة، وما يجري في الأسفل من تحضير للإبادة يعكس الواقع.
كانت الأجيال في عهود سابقة تعتقد أن عدوها الأوحد هو الصهيونية متمثلة بإسرائيل، فهي لم تكن تُدرك أن عدواً سيظهر ليضاهي الحركة الصهيونية في عدوانيته للشعوب، ولم تكن تعي أن الحيتان القاتلة ستهجر بحارها لتتخذ البراري مسكناً لها. كل ما هنالك أن تلك الأنظمة أبدعت في الاقتناص من شعوبها وسحق كلمة حرية. لتظهر علينا وعلى الملأ جوقة أوبريتية، ولتنشد "أجيال ورا أجيال حتعيش على حلمنا والليل يطول اليوم محسوب على عمرنا.. جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما يفضل شعاع النور يوصل لأبعد مدى دا حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا".
فهل الحلم العربي كان سيبدأ من ههنا؟ ثم تتوالى صناعة أحداث الأغنية لتعكس لنا صورة القادة العرب الأبطال بدءً من جمال عبد الناصر الذي استولى على السلطة مقتنصاً ومنتزعاً إياها بالقوة بالإنقلاب المشهور على الرئيس الشرعي محمد نجيب، وإذا ما عكسنا صورة المشهد المصري اليوم فهو صورة طبق الأصل عما حدث في الماضي. يستمر المشهد ليظهر علينا حافظ الأسد وهو يقبل علم البلاد، وهو الذي سرق السلطة وأسس عصابة مافياوية واستولى على مقاليد الحكم، هو الذي باع الجولان بصك موثق. وهو الذي عرف بالعراب عندما ارتكب أكبر مجزرة في التاريخ آنذاك، مجزرة حماه عام 1982، حيث سحل وقتل أكثر من أربعين ألف شهيد وهو الذي ورّث الحكم للمعتوه بشار الأسد. إذا ما عكسنا صورة المشهد السوري اليوم فهو صورة طبق الأصل عما حدث في الماضي.

وأخيراً تنتقل بنا صناعة الأحداث لمشهد غريب إذا ما كنا فعلاً نرغب في تحقيق حلمنا العربي الاقتتال العنيف بين الفصائل الفلسطينية متمثلة بحركتي حماس وفتح من أجل كرسي السلطة قبل سنوات. ننتقل إلى المشهد الثاني من الأغنية "ماتت قلوب الناس ماتت فينا النخوة.. يمكن نسينا في يوم إن العرب أخوة". ما كان الحلم العربي ليتحقق ما دامت النخوة بلا قلوب وما كان الحلم العربي ليتجسّد فينا عندما نفقد معنى الأخوة. وفي نهاية المطاف كان لابد من الاصطفاف.. إذ ظهر وبان طفل بلا عنوان اسمه مؤمن ليقلب المعادلة وليصحح المسار "صحي قلوب الناس صحي فينا النخوة.. واصرخ بكل احساس إن العرب أخوة". وليعلن أمام العيان أن مارد الأجيال قادم وها هو قد هبّ مع رياح التغيير ليحط في الربيع العربي.