الحكومة والأحزاب السودانية في حوار "غودو"

03 اغسطس 2014

الائتلاف الحكومي السوداني بعد استقلال الجنوب (10 ديسمبر/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

حال الأحزاب السودانية المنقسمة في انتمائها، تارة للمعارضة، وأخرى للائتلاف الحكومي، وهي تنتظر انطلاق خارطة طريق الحوار عقب إجازة عيد الفطر، هي حالة أقرب إلى محتوى العبث في مسرحية الكاتب الإيرلندي الشهير، صموئيل بيكيت، (في انتظار غودو). ويزداد مستوى العبث إذا علمنا أنّ ما تتحدث عنه، الآلية التنسيقية العليا للحوار الوطني، أو ما يصطلح عليها آلية (7+7)، هو حوار لا شكل له ولا طعم، وقد يكون لا وجود له أيضاً، بمعنى أنّ الحكومة تحاور نفسها.

ولم تكن الدعوة التي وجهتها الحكومة السودانية لأحزاب المعارضة، إلى المشاركة في الحوار، الأولى، ولن تكون الأخيرة من نوعها، فلطالما طرحت الحكومة مقترحات الحوار والتفاوض مع أحزاب المعارضة. ولكن، ظلت هذه الأحزاب، بدلاً من إبداء رأيها بتفعيل الحوار أو رفضه، تواصل مسلسل دهشها، وعدم تصديق أنّ الحكومة تتنازل وتطلب منها الجلوس إلى مائدة الحوار. وبخروج حزب الأمة المتردد عن الحوار، يجري تسليط الضوء على اثنين من الأحزاب العريقة المشاكسة.

فحزب المؤتمر الشعبي، وهو أحد أهمّ الأحزاب السودانية، قدم أوراق اعتماد محاورته من قبل، مضافاً إليها ميزة تفضيلية يتفوق بها على باقي الأحزاب، حيث يرى أنّها تتوفر لديه، دون غيره من أحزاب المعارضة، وذلك عندما أعلن الحزب أنّه لا يمانع الجلوس مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم من دون وساطة، باعتبار أنّهم يعرفون بعضهم جيداً.

نظرياً، تبدو هذه المعرفة منطقية ومقبولة، على الأقل عند النظر في صحيفة السوابق الموحّدة التي جمعت الحزبين، قبل أن ينشطرا، وتحدث بينهما المفاصلة الشهيرة عام 1999، والتي جرّت بعدها أحداثاً جساماً. ولكن، عملياً "المؤتمر الشعبي" لا يعرف "المؤتمر الوطني" بمقدار معرفة الأخير به. وهذا لا ينمّ عن جهل، وإنّما عن تتابع حالات الإغماء التي غشيت الحزب بتواتر الضربات المتوالية على رأسه، والتي لم تمكّن المؤتمر الشعبي من الإفاقة، والنظر حوله، حتى يتسنى له رؤية موقعه الحقيقي، وهل هو اللاعب الوحيد في الساحة السياسية، والذي يقف في المنتصف دائماً، أم هناك غيره ممن يجيدون الرقص على الحبال.

بعد ربع قرن، استطاع حزب المؤتمر الشعبي أنّ يتعرّف إلى خليل الماضي، عدوّ الأمس وصديق اليوم، وهذه الخطوة بمقياس إنجازات المعارضة تبدو متقدمة وإيجابية نوعاً ما، ولا غبار عليها. وبهذه المعرفة، يريد الحزب أن يعقد صفقة أخرى مع المواطن السوداني، وهو عقد جديد خالٍ تماماً من محاسبة المسؤول عما وصل إليه حال السودان من تشظٍ وانقسام.

في هذا العقد، شيءٌ فريد توصل إليه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، وهو أهمية الاستفادة من التجارب السابقة في الحكم، سواء الديمقراطي أو العسكري، والتداول السلمي للسلطة، بما يمنع تكرار الانقلابات العسكرية في السودان.

أما الحزب الشيوعي السوداني الذي يتمسك بمواقفه الدون كيشوتية، فقد أظهرته هذه المواقف بمظهر الحزب غير المواكب، فيلمع نجمه عندما تغيب باقي الأحزاب، ويختفي عندما تكون هناك فرصة للظهور. وقد انتهت جاذبية الحزب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، وكحال الأحزاب الأيديولوجية التي ترتبط بأفكار كونية، أو إقليمية المنشأ والأصل، يكون مصيرها مرتبطاً بمصير الفكرة الأم ومصدرها.

وقد ترسّخت صورة الحزب الشيوعي السوداني في أذهان الناس بشكله التنظيمي الاستخباري الذي يعتمد على الاستقطاب للمنتمين للحزب، من دون الاهتمام بجانب التنظيم السياسي، وبنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي. وقد أحدث هذا الشكل انشقاقات مستمرة في الحزب منذ تأسيسه، بفعل وجوه رأت فيه فرصة لتحقيق مطامحها الشخصية.

وقد أخذ الحزب الشيوعي يستمد عناصر الحياة من خصوصيات ومرجعيات سودانية خالصة، وبذا، اكتسب الحزب أحد مصادر حياته من خصوصيته السودانية. فلا أحد يرجع الحزب إلى أفكاره الأيديولوجية الأصلية، ولا إلى منبعه الأصلي. لذا، حينما قُبرت الشيوعية في بلدها، بقي الحزب الشيوعي جناح السودان يصارع الموت، وينجو كل حين.

في بلد كالسودان، يتنفس أهله سياسة، ويزداد عدد الأحزاب السياسية فيه، حتى بلغت المسجلة منها أكثر من 70 حزباً، تلميحٌ إلى أنّ الطموح السياسي في السودان تزداد بفضله الأحزاب السياسية، بوتيرة التسميات التي تنتهي بالصفة الوطنية والديمقراطية.

ولا أحد يدري، بالضبط، كيف يرتفع الحزب الذي يسمي نفسه وطنياً، درجة عن غيره، والغالبية العظمى من الأحزاب السودانية المسجلة لها تفضيلات أيديولوجية، وانتماءات طبقية أو إثنية، وفقاً لجهتها وعقيدتها، وإثنيتها البعيدة عن معنى الوطنية. ولا كيف يستقيم نعت حزب ما بأنّه ديمقراطي، بينما يمارس ديكتاتوريته على أعضائه، فلا يأخذ رأي الآخرين بعين الاعتبار، ويقوم بتعيين قادته بالتوريث، مثلما يفعل حزب الأمّة (القومي).

لم تستفد الأحزاب السودانية العريقة من تاريخها، لتبني قاعدة جماهيرية جديدة، ولم تهتم بالتغيير في بنية المجتمع، والتعامل وفقاً لتطوره. وفي ثنايا هذا الفشل، تبحث الحكومة السودانية عن كسب زمن إضافي، بزعمها أنّها المبادِرة إلى الحوار الذي قد يأتي، أو لا يأتي.

8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.