وشكّلت مواقع التواصل الاجتماعي و"فيسبوك"، منصّة ساخنة لمهاجمة أداء الحكومة، في تعاملها التمييزي مع الفيضانات. ففي حين سخّرت الطائرات المروحية لإنقاذ الأجانب العالقين في مدن الجنوب، اكتفت بجمع جثث الضحايا المغاربة بشاحنات للنفايات. وتكشف تلك الصورة القاتمة الغياب الفادح للحكومة عن يوميات المغاربة، وبُعد الطبقة السياسية عن الواقع الاجتماعي.
فقد حضرت الحكومة، بشكل حاسم، في الوقفة الاحتجاجية لـ"الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، أمام البرلمان قبل بضعة أيام، بعد طرح البرلمان مشروع قانون يقضي بعسكرة الجامعة، مما يعتبر إجهازاً على العمل النقابي داخل الحرم الجامعي. وسيمرّ القانون بسهولة، بعد مباركة نواب الأغلبية والمعارضة له، بدعوى التصدّي للعنف الفصائلي، الذي أدّى في أوقات سابقة إلى وقوع ضحايا.
وتصدّت قوات الأمن بفاعلية، كالعادة، وفرقت الطلبة بالقوة، ثم اعتقلت عدداً منهم، قبل إطلاق سراحهم. وقبلها تعامل الأمن بصرامة مع مسيرات، كان يريد مواطنو عدد من المدن المغربية القيام بها في اتجاه العاصمة الرباط، احتجاجاً على الزيادات الصاروخية في فواتير الماء والكهرباء، بعد قرار حكومي لتسديد العجز في "المكتب الوطني للماء والكهرباء"، الهيئة الرسمية المسؤولة عن قطاع الماء والكهرباء في البلاد، والواقعة في حالة عجز مالي يُقدّر بأكثر من 2.25 مليار دولار، مما يهددها بالإفلاس.
كذلك حاصرت قوات الأمن مقرّ حزب يساري في مراكش، حيث كان يعتزم مقاطعون للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، الذي افتُتح الخميس، في المدينة الحمراء، تنظيم وقفة احتجاجية للتعبير عن رفضهم إقامة المنتدى في المغرب، في وقتٍ تشهد فيه حقوق الإنسان تراجعاً كبيراً في البلاد، حسب ما ذكر المقاطعون.
من جانب آخر، تبدو المعارضة البرلمانية هشة، وغير قادرة على تصحيح العمل الحكومي، فقد مرّت الموازنة العامة في أغلب فصولها بسهولة بالغة، على الرغم من بعض النقاشات التي سادت في الغرفة الثانية من البرلمان، حيث لا يتوفر للحكومة أغلبية.
غير أن كل هذا لا يؤسس لمعارضة حقيقية، قادرة على خلق تهديد عملي وواقعي للحكومة، ويُمكّنها من المضي بعيداً، في اتجاه التلويح بإسقاطها، أو على الأقل جعلها ترضخ للدستور، الذي يمنح دوراً كبيراً للمعارضة في الممارسة التشريعية.
ولا يُمكن تصوّر دور المعارضة بمثابة مكتسب ريعي، يُمكن الحصول عليه بسهولة، بل يحتاج إلى قدرة على تحويله من مجرد نصّ دستوري إلى ممارسة سياسية حية، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن لاعتبارات كثيرة، على رأسها، عدم امتلاك المعارضة برنامجاً موحداً، وهو ما يترك بنكيران يكسب الجولات معها بسهولة كبيرة.
ولعلّ قوة رئيس الحكومة تكمن تحديداً، في الصرامة التنظيمية التي يتحلّى بها حزبه، "العدالة والتنمية"، الذي يتقن استعمال قاعدة "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم"، وهو لا يتورّع عن الضرب بقوة على من يريد الإساءة للصورة التي يبنيها لنفسه، ومصدر خوفه ليس الضربات التي تأتي من الخارج، بل شبهة دودة الفساد التي يمكن أن تأتي من الداخل.
وقد لجأ بنكيران أكثر من مرة إلى آلية الفصل التنظيمي، وتجميد العضويات والطرد من الحزب، وفي أحيان كثيرة، يكون رد الفعل العنيف هذا ضد الأعضاء العاملين معه، مشمولاً ببعض التسرّع، لأنه لا يتيح لمن نسب إليه ارتكاب تلك المخالفات، فرصة للدفاع عن نفسه، أو تقديم ما يمكن اعتباره دليل براءة.
صحيح أن "العدالة والتنمية" يسعى للمضي قدماً في التأسيس لمنطق تدبيري، يقوم على الإيهام بإشراك الجميع في القرار، لكنه يؤدي فعلياً إلى اتجاه منح لمسة خاصة لتجربة "العدالة والتنمية" في الحكومة، قائمة على استباق طرح صعوبات التدبير الحكومي، الواقعية والمعنوية، وتحضير الرأي العام جيداً، لتقبّل القرارات التي لا تحظى بشعبية، مثل ما هو حاصل في الزيادات التي تمسّ المواد الاستهلاكية الأساسية، من دون أن يؤدي ذلك إلى احتقان الشارع.
ومع ذلك توّج "العدالة والتنمية" ثلاث سنوات من حكمه، بشعبية لم تنخفض إلى ما دون النصف، وفق آخر استطلاع للرأي أجرته مجلة فرانكفونية مغربية، التي كشفت أن الحزب الإسلامي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، رغم القرارات اللاشعبية، التي لو أقدمت عليها حكومة أخرى لوُلد ربيع مغربي جديد.