فوجئت الأوساط الاقتصادية في السودان، اليوم الإثنين، ببيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، يعلن فيه انخفاض التضخم خلال يناير/كانون الثاني المنصرم، وبلوغه 43.45% مقارنة مع 72.94% في ديسمبر/كانون الأول 2018، عازياً التراجع إلى انخفاض مجموعة الأغذية والمشروبات ومجموعة النقل، فيما قلل اقتصاديون من دقة أرقام الجهاز المركزي، باعتبار أن أسعار المواد الاستهلاكية تواصل صعودها.
ولا تزال أسعار السلع الاستهلاكية تسجل ارتفاعا متواصلا يشكو منه المواطن من دون رقابة حكومية، فيما هدد بعض التجار بالانسحاب من الأسواق، مطالبين الحكومة بالتدخل الفوري لإيقاف ما سمّوه بـ"الزيادات الكبيرة في الأسعار".
ومع بداية العام الحالي، شهد السودان أزمات خانقة بدأت بزيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات، خاصة السلع الضرورية من اللحوم والخضروات والألبان والسكر والخبز، ولا تزال أزمات المشتقات البترولية والدقيق مستمرة، فضلا عن عدم توفر السيولة المالية وعجز عملاء البنوك عن سحب مدخراتهم نتيجة ذلك.
كما تهاوى سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية إلى أدنى مستوى له بعد قرار بنك السودان المركزي إنشاء آلية مستقلة لتحديد سعر الصرف، ما أدى إلى تهاوي قيمة الجنيه أمام الدولار إلى أكثر من 70 جنيهاً في السوق الموازية.
وارتفعت الأسعار بصورة كبيرة، إذ وصل سعر اللحوم إلى 300 جنيهاً لكلغ الضأن و200 جنيه لكلغ البقر، كما ارتفع جوال السكر زنة 50 كليوغراماً إلى 1800 جنيه بزيادة وصلت إلى 40% عما كان عليه قبل شهر.
وطالب تجار الحكومة بالتدخل لوضع "أسعار تأشيرية" ومحاسبة المتسببين والوسطاء الذين يسهمون في رفع وزيادة الأسعار مستغلين الوضع الاقتصادي العام من دون رقيب أو حسيب.
وشهدت البلاد احتجاجات مستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي بسبب غلاء الأسعار واختفاء بعض السلع الضرورية من الأسواق وتردي الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
تشكيك بالأرقام الرسمية
الخبير الاقتصادي حسين القوني، يقلل في حديثه مع "العربي الجديد"، من أهمية بيان الإحصاء، وطالب بمراجعة الآلية التي يتم بها احتساب التضخم، مشيرا إلى أن السبب الرئيس في اندلاع الاحتجاجات هو ارتفاع الأسعار.
ويرى أن من غير المعقول أن ينخفض التضخم "هكذا" من دون إجراءات اقتصادية، في وقت لا تزال السيولة "مجففة" من المصارف، مع عدم توفر المواصلات العامة بسبب انعدام الغازولين.
المحلل الاقتصادي هيثم فتحي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، عدم وجود نمو في الاقتصاد السوداني منذ عام 2011 رغم التقديرات الحكومية بتحقيق نمو نسبته 5%، إلا أنها تواجه بعجز كبير يفرض عليها البحث عن موارد غير متوافرة لديها.
كما يعتبر فتحي أن انفلات التضخم بهذه الصورة غير الطبيعية يصعب إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة، وجذب الاستثمارات، بل يعمل على تراجع الإنتاج المحلي بصورة كبيرة لاعتبارات من بينها أن معظم الإنتاج يعتمد أساساً على مدخلات من الخارج، والتي يتم احتساب قيمتها بالدولار الذي يشهد ارتفاعاً متواصلاً، بخاصة أن السياسات التي تشجع على الإنتاج متراجعة وأن الحكومة لا تشجع القطاع الخاص على زيادة الإنتاج.
كما أن الحكومة لا تستخدم الموارد الاقتصادية استخداماً أمثل، ما يعزز الظواهر السالبة، مثل ارتفاع الأسعار، مؤكداً أن ارتفاع الأسعار يسهم فيه الاحتكار، لأن هدف التجار هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح وليس التنمية.
بدوره، المحلل المالي فياض حمزة، يقول لـ"العربي الجديد"، بعدم وجود مفارقة بين نسبة التضخم السابقة والحالية، مؤكداً أن السوق هو الذي يحدد التضخم وليست البيانات الحكومية، لافتا إلى الخلل الكبير في السياسات الضريبية والجمركية، إضافة إلى طباعة العملة الجديدة التي تعمل تلقائيا على زيادة التضخم، ناهيك عن قلة فرص التوظيف بسبب قلة الاستثمارات.
كما يرى فياض حمزة أن التقلبات الأخيرة أفرزت واقعا جديدا دفع الحكومة إلى توجيه كل مواردها إلى الإجراءات الأمنية من دون الالتفات إلى الإصلاحات الاقتصادية، الأمر الذي أحدث خللا في السوق.