بعد أربعة أيام فقط من أدائه القسم رئيساً للوزراء في السودان، نجح معتز موسى عبدالله، في الوصول إلى تشكيلة حكومية، وافق عليها المكتب القيادي لحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم ليل الخميس، وهو مؤشر على رغبة موسى في مسابقة الزمن، كما صرح أخيراً، لإنجاز مهام حكومته في غضون 400 يوم، قبل أن تدخل البلاد في استحقاق انتخابات 2020.
وطبقاً لما هو معلن من سياسة جديدة لتقليل الإنفاق العام وإعادة هيكلة الدولة، فقد جاءت الحكومة الجديدة بـ21 وزارة عوضاً عن 31 وزارة كما في السابق، وذلك بدمج أكثر من وزارة مع أخرى، مثل التجارة مع الصناعة، وإلغاء عدد آخر من الوزارات، مثل الاستثمار والشباب والرياضة. كما أحدث رئيس الوزراء الجديد تخفيضاً يقارب الـ50 في المائة في عدد وزراء الدولة، وصار العدد 27 بدلاً عن 47 وزيراً، وهو عدد مهول، كما يراه الكثيرون، ولا يتماشى مع الواقع السياسي ولا الاقتصادي في البلاد.
وألقت الأزمة الاقتصادية القائمة في البلاد منذ بداية العام الحالي، بظلال واضحة على التشكيلة الوزارية لمعتز موسى، واستراتيجيته للمرحلة المقبلة، إذ كان واضحاً بأنه يريد تنفيذ ما سمّاه برنامج "صدمة قصيرة الأجل"، لإجراء إصلاحات شاملة على الاقتصاد الوطني ستستمر حتى عام 2020، أي موعد الانتخابات المقبلة. وقال موسى: "أولويات الحكومة للفترة المقبلة هي تنفيذ برنامج الإصلاح الكلي والهيكلي والشامل للاقتصاد الوطني"، مضيفاً أنه "يبدأ ببرنامج صدمة قصيرة الأجل، بهدف معالجة الاختلالات في معاملات الطلب الكلي، وأبرزها التضخم، وسعر صرف العملة الوطنية"، مؤكداً أن "تنفيذ المعالجة الاقتصادية سيكون بالشراكة بين الحكومة والمجتمع".
وكان لافتاً استغناء رئيس الوزراء، عن خدمات كل الطاقم الاقتصادي في حكومة بكري حسن صالح السابقة، بما يشمل وزير المالية محمد عثمان الركابي، ووزير الاستثمار مبارك الفاضل المهدي، ووزير الزراعة عبد الله سليمان، ووزير النقل مكاوي عوض، مع نقل حاتم السر من وزارة التجارة إلى وزارة النقل، وبشارة جمعة أرو من الثروة الحيوانية إلى الإعلام.
ولم تحمل تلك الخطوة أي مفاجأة للمراقبين، الذين يعتبرون أن الطاقم السابق يتحمّل بنسبة كبيرة مسؤولية العجز الاقتصادي في البلاد، والذي تجلّى في تدنٍ كبير في قيمة الجنية السوداني مقابل العملات الأخرى، وشح في المخزون من النقد الأجنبي، وارتفاع معظم أسعار السلع الضرورية وندرة أصابت بعضها في الأسابيع السابقة مثل الخبز والمشتقات النفطية، يقابله عجز من نوع آخر في الحصول على قروض ومنح خارجية تخفف من حدة الأزمة التي أضعفت كثيراً شعبية الحكومة.
واستعان معتز موسى لتنفيذ مهمته لإنقاذ الاقتصاد بشخصية مستقلة ذات خبرة دولية كبيرة، هو عبدالله حمدوك الذي تسلّم وزارة المالية، خاصماً من حصة الحزب الحاكم، ذلك لأن الوزير الجديد بعيد عن الانتماءات السياسية. ويعزو مقربون من موسى اتخاذ قرار تعيين حمدوك إلى ضرورة وجود شخصية تكنوقراطية من الطراز الأول، تبتدع برامج اقتصادية جديدة، عوضاً عن الطاقم القديم الذي بقيت أفكاره في حدود مقترحات رفع الدعم عن السلع والخدمات وزيادة الرسوم والضرائب والجمارك، وهي السياسات التي لم تُجدِ نفعاً طوال السنوات الماضية. كما أن موسى، أراد باختياره حمدوك، الموظف في عدد من المنظمات الدولية الاقتصادية، تفعيل عملية ضبط المال العام والحد من التجاوزات والفساد، بعيداً عن عاطفة الانتماء الحزبي.
اقــرأ أيضاً
وفي مقابل تغيير الطاقم الاقتصادي، احتفظ وزراء آخرون بمواقعهم، أبرزهم وزير الخارجية، الدرديري محمد أحمد، الذي ربط البعض بقاءه بإكمال مشوار السلام في جنوب السودان، بعد أن حقق نجاحاً في ذلك الملف بإقناع الأطراف المتحاربة من خلال مفاوضات جرت في الخرطوم بتوقيع اتفاق سلام نهائي، مع العلم أن الحكومة السودانية تريد انتهاز فرصة سلام واستقرار الدولة الوليدة، للاستفادة من العائدات المالية التي ستدخل للخزينة من رسوم عبور النفط الجنوبي وتصديره عبر الأراضي السودانية.
كما احتفظ وزراء الدفاع والعدل ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء بمناصبهم، لكن المفاجأة كانت في مغادرة وزيرين لم يكمل تعيينهما في منصبيهما الأربعة أشهر، وهما إبراهيم محمود حامد الذي غادر وزارة الداخلية، والفريق شرطة، محمد أحمد علي، الذي غادر منصب وزير المعادن، علماً أن الأول أُبعد في فبراير/شباط عن منصب مساعد رئيس الجمهورية وكذلك عن منصب نائب رئيس الحزب الحاكم.
وفي التشكيل الجديد، انخفضت حصة المرأة، بعد الاستغناء عن خدمات وزيرة الاتصالات تهاني عبدالله، بعد دمج وزارتها مع وزارة الإعلام، فيما استُبعد أحمد بابكر نهار، وزير العمل السابق، بعد نحو 16 عاماً من التنقل بين الوزارات، وحتى أن الحزب الذي يتزعمه (الأمة الفيدرالي) لم يتمكّن من تسمية أحد قادته، في وزارة الثقافة والآثار والسياحة التي خصصت له، ونقلت مصادر صحافية أن خلافاً دار بين الحزبيين حول طريقة تسمية المرشح للوزارة.
المفاجأة الأخرى في التشكيل الحكومي، هي انتقال زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي" أحمد بلال عثمان، من منصبه وزيراً للإعلام إلى منصب وزير الداخلية، وهي وزارة تصنف كوزارة سيادية، ولم يتنازل حزب "المؤتمر الوطني" عنها منذ 30 عاماً لأي حزب آخر، شأنها في ذلك شأن وزارتي الدفاع والمالية، وظل حزب عمر البشير يفضّل إلى حد بعيد تعيين شخصيات موالية له لكن بخلفيات عسكرية. ويشير البعض إلى أن جسور الثقة ممتدة بين الحزب الحاكم وأحمد بلال عثمان لأن الأخير ظل موجوداً في كافة التشكيلات الحكومية منذ العام 2000 حين تقلّد منصب وزير الصحة بعد تخليه عن العمل المعارض في الخارج، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية، وأخيراً وزيراً للإعلام منذ 2011.
يُذكر أن عدداً من الأحزاب التي كانت مشاركة في الحكومة السابقة، قررت الانسحاب من الحكومة الجديدة، مثل حزب "الأمة" الذي يترأسه مبارك الفاضل المهدي الذي تسلم في الحكومة السابقة وزارة الاستثمار ومنصب نائب رئيس الوزراء، ولم يتم التعرف على الأسباب الحقيقية وراء الانسحاب، خصوصاً أن المهدي نفسه أعلن دعمه للحكومة الجديدة.
كما كان لافتاً في التشكيل الوزاري الجديد، عدم مبادرة الحزب الحاكم لمحاولة إشراك أحزاب سياسية معارضة في الحكم، ويبدو أن ذلك مردّه إلى أكثر من سبب، منها حجم الخلاف بين الطرفين، خصوصاً مع الأحزاب الرئيسة في المعارضة، مثل "الشيوعي" و"المؤتمر السوداني"، ولا الحركات المتمردة، هي كيانات ظلّت تصر على أن تضع على رأس أجندتها بند إسقاط النظام، إما عبر تشكيل حكومة انتقالية يكون الحزب الحاكم جزءا منها ولا يقودها، أو عبر الانتفاضة الشعبية.
وبعيداً عن مجلس الوزراء، أقر المكتب القيادي للحزب الحاكم تعديلاً، قضى بإقالة عبدالرحيم محمد حسين من منصب والي الخرطوم، وهو واحد من المقربين للرئيس السوداني عمر البشير، فيما جرى تعيين مدير عام الشرطة السودانية، الفريق هاشم عثمان الحسين، بديلاً له، ما شكّل مفاجأة إضافية، إذ ظل حسين محتفظاً بمواقع مهمة منذ مجيء حكومة الرئيس عمر البشير، سواء في وزارة الداخلية أو الدفاع أو رئاسة الجمهورية. ورأت مصادر أن إقالة حسين جاءت على خلفية عجز الولاية في الآونة الأخيرة عن معالجة أزمة الخبز التي ضربتها خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى تدخّل جهاز الأمن والمخابرات الذي خفف من حدّتها كثيراً في غضون يوم واحد. بينما أفادت مصادر أخرى "العربي الجديد" بأن حسين هو من طلب من البشير إعفاءه من إدارة شؤون ولاية الخرطوم، الأكبر من حيث الكثافة السكانية، لأنه لم يكن مقتنعاً أصلاً بالمنصب بسبب خلفيته العسكرية.
اقــرأ أيضاً
وطبقاً لما هو معلن من سياسة جديدة لتقليل الإنفاق العام وإعادة هيكلة الدولة، فقد جاءت الحكومة الجديدة بـ21 وزارة عوضاً عن 31 وزارة كما في السابق، وذلك بدمج أكثر من وزارة مع أخرى، مثل التجارة مع الصناعة، وإلغاء عدد آخر من الوزارات، مثل الاستثمار والشباب والرياضة. كما أحدث رئيس الوزراء الجديد تخفيضاً يقارب الـ50 في المائة في عدد وزراء الدولة، وصار العدد 27 بدلاً عن 47 وزيراً، وهو عدد مهول، كما يراه الكثيرون، ولا يتماشى مع الواقع السياسي ولا الاقتصادي في البلاد.
وألقت الأزمة الاقتصادية القائمة في البلاد منذ بداية العام الحالي، بظلال واضحة على التشكيلة الوزارية لمعتز موسى، واستراتيجيته للمرحلة المقبلة، إذ كان واضحاً بأنه يريد تنفيذ ما سمّاه برنامج "صدمة قصيرة الأجل"، لإجراء إصلاحات شاملة على الاقتصاد الوطني ستستمر حتى عام 2020، أي موعد الانتخابات المقبلة. وقال موسى: "أولويات الحكومة للفترة المقبلة هي تنفيذ برنامج الإصلاح الكلي والهيكلي والشامل للاقتصاد الوطني"، مضيفاً أنه "يبدأ ببرنامج صدمة قصيرة الأجل، بهدف معالجة الاختلالات في معاملات الطلب الكلي، وأبرزها التضخم، وسعر صرف العملة الوطنية"، مؤكداً أن "تنفيذ المعالجة الاقتصادية سيكون بالشراكة بين الحكومة والمجتمع".
ولم تحمل تلك الخطوة أي مفاجأة للمراقبين، الذين يعتبرون أن الطاقم السابق يتحمّل بنسبة كبيرة مسؤولية العجز الاقتصادي في البلاد، والذي تجلّى في تدنٍ كبير في قيمة الجنية السوداني مقابل العملات الأخرى، وشح في المخزون من النقد الأجنبي، وارتفاع معظم أسعار السلع الضرورية وندرة أصابت بعضها في الأسابيع السابقة مثل الخبز والمشتقات النفطية، يقابله عجز من نوع آخر في الحصول على قروض ومنح خارجية تخفف من حدة الأزمة التي أضعفت كثيراً شعبية الحكومة.
واستعان معتز موسى لتنفيذ مهمته لإنقاذ الاقتصاد بشخصية مستقلة ذات خبرة دولية كبيرة، هو عبدالله حمدوك الذي تسلّم وزارة المالية، خاصماً من حصة الحزب الحاكم، ذلك لأن الوزير الجديد بعيد عن الانتماءات السياسية. ويعزو مقربون من موسى اتخاذ قرار تعيين حمدوك إلى ضرورة وجود شخصية تكنوقراطية من الطراز الأول، تبتدع برامج اقتصادية جديدة، عوضاً عن الطاقم القديم الذي بقيت أفكاره في حدود مقترحات رفع الدعم عن السلع والخدمات وزيادة الرسوم والضرائب والجمارك، وهي السياسات التي لم تُجدِ نفعاً طوال السنوات الماضية. كما أن موسى، أراد باختياره حمدوك، الموظف في عدد من المنظمات الدولية الاقتصادية، تفعيل عملية ضبط المال العام والحد من التجاوزات والفساد، بعيداً عن عاطفة الانتماء الحزبي.
وفي مقابل تغيير الطاقم الاقتصادي، احتفظ وزراء آخرون بمواقعهم، أبرزهم وزير الخارجية، الدرديري محمد أحمد، الذي ربط البعض بقاءه بإكمال مشوار السلام في جنوب السودان، بعد أن حقق نجاحاً في ذلك الملف بإقناع الأطراف المتحاربة من خلال مفاوضات جرت في الخرطوم بتوقيع اتفاق سلام نهائي، مع العلم أن الحكومة السودانية تريد انتهاز فرصة سلام واستقرار الدولة الوليدة، للاستفادة من العائدات المالية التي ستدخل للخزينة من رسوم عبور النفط الجنوبي وتصديره عبر الأراضي السودانية.
كما احتفظ وزراء الدفاع والعدل ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء بمناصبهم، لكن المفاجأة كانت في مغادرة وزيرين لم يكمل تعيينهما في منصبيهما الأربعة أشهر، وهما إبراهيم محمود حامد الذي غادر وزارة الداخلية، والفريق شرطة، محمد أحمد علي، الذي غادر منصب وزير المعادن، علماً أن الأول أُبعد في فبراير/شباط عن منصب مساعد رئيس الجمهورية وكذلك عن منصب نائب رئيس الحزب الحاكم.
وفي التشكيل الجديد، انخفضت حصة المرأة، بعد الاستغناء عن خدمات وزيرة الاتصالات تهاني عبدالله، بعد دمج وزارتها مع وزارة الإعلام، فيما استُبعد أحمد بابكر نهار، وزير العمل السابق، بعد نحو 16 عاماً من التنقل بين الوزارات، وحتى أن الحزب الذي يتزعمه (الأمة الفيدرالي) لم يتمكّن من تسمية أحد قادته، في وزارة الثقافة والآثار والسياحة التي خصصت له، ونقلت مصادر صحافية أن خلافاً دار بين الحزبيين حول طريقة تسمية المرشح للوزارة.
المفاجأة الأخرى في التشكيل الحكومي، هي انتقال زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي" أحمد بلال عثمان، من منصبه وزيراً للإعلام إلى منصب وزير الداخلية، وهي وزارة تصنف كوزارة سيادية، ولم يتنازل حزب "المؤتمر الوطني" عنها منذ 30 عاماً لأي حزب آخر، شأنها في ذلك شأن وزارتي الدفاع والمالية، وظل حزب عمر البشير يفضّل إلى حد بعيد تعيين شخصيات موالية له لكن بخلفيات عسكرية. ويشير البعض إلى أن جسور الثقة ممتدة بين الحزب الحاكم وأحمد بلال عثمان لأن الأخير ظل موجوداً في كافة التشكيلات الحكومية منذ العام 2000 حين تقلّد منصب وزير الصحة بعد تخليه عن العمل المعارض في الخارج، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية، وأخيراً وزيراً للإعلام منذ 2011.
كما كان لافتاً في التشكيل الوزاري الجديد، عدم مبادرة الحزب الحاكم لمحاولة إشراك أحزاب سياسية معارضة في الحكم، ويبدو أن ذلك مردّه إلى أكثر من سبب، منها حجم الخلاف بين الطرفين، خصوصاً مع الأحزاب الرئيسة في المعارضة، مثل "الشيوعي" و"المؤتمر السوداني"، ولا الحركات المتمردة، هي كيانات ظلّت تصر على أن تضع على رأس أجندتها بند إسقاط النظام، إما عبر تشكيل حكومة انتقالية يكون الحزب الحاكم جزءا منها ولا يقودها، أو عبر الانتفاضة الشعبية.
وبعيداً عن مجلس الوزراء، أقر المكتب القيادي للحزب الحاكم تعديلاً، قضى بإقالة عبدالرحيم محمد حسين من منصب والي الخرطوم، وهو واحد من المقربين للرئيس السوداني عمر البشير، فيما جرى تعيين مدير عام الشرطة السودانية، الفريق هاشم عثمان الحسين، بديلاً له، ما شكّل مفاجأة إضافية، إذ ظل حسين محتفظاً بمواقع مهمة منذ مجيء حكومة الرئيس عمر البشير، سواء في وزارة الداخلية أو الدفاع أو رئاسة الجمهورية. ورأت مصادر أن إقالة حسين جاءت على خلفية عجز الولاية في الآونة الأخيرة عن معالجة أزمة الخبز التي ضربتها خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى تدخّل جهاز الأمن والمخابرات الذي خفف من حدّتها كثيراً في غضون يوم واحد. بينما أفادت مصادر أخرى "العربي الجديد" بأن حسين هو من طلب من البشير إعفاءه من إدارة شؤون ولاية الخرطوم، الأكبر من حيث الكثافة السكانية، لأنه لم يكن مقتنعاً أصلاً بالمنصب بسبب خلفيته العسكرية.