وارتفعت المطالب الاجتماعية في تونس أمام تقلص الإنتاج، وكان شهر مايو/أيار الماضي من أكثر الأشهر التي تصاعدت فيها وتيرة الاحتجاجات والإضرابات العامة وطالت مؤسسات حيوية خصوصاً شركة فوسفات قفصة، وقد بلغت حصيلة الإضرابات العامة التي تمّ تنفيذها خلال الأشهر الخمسة الأولى في القطاع الخاص والمؤسسات العامة من دون احتساب الاعتصامات والتوقف عن العمل وكذلك الإضرابات غير القانونية، 164 إضراباً.
وجاء قرار وزارة التربية التونسية المتمثل في الارتقاء الآلي لكل تلاميذ التعليم الابتدائي، ليكون بمثابة صب الزيت على النار، واعتُبر تحدياً صارخاً لنقابة التعليم الابتدائي التي رفضت إجراء الامتحان حتى ترضخ حكومة الصيد إلى مطالب المعلمين. وتواصل الصراع بين النقابة والوزارة إلى حد تهديد النقابة بمقاطعة العام الدراسي المقبل. وإذا كانت أزمة التعليم هي الأبرز خلال الصراع بين المنظمة العمالية والحكومة، فإن تواتر الإضرابات المطلبية في أغلب القطاعات الحيوية في البلاد، ساهم بشكل أو بآخر في إرباك العمل الحكومي في فترة يشهد فيها الاقتصاد التونسي أزمة خانقة، مما جعل العديدين يتهمون الاتحاد العام التونسي للشغل بأن هدفه من وراء ارتفاع وتيرة الإضرابات هو إسقاط حكومة الصيد.
اقرأ أيضاً: تونس نحو الحوار الوطني مجدداً
ويوضح المتحدث باسم وزارة التربية مختار الخلفاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "خصوصيّة التجربة النقابية في تونس منذ بداياتها كانت ولا تزال علاقة المطالبة بحقوق العمّال إلى جانب حرية الشعب، وهو ما أحدث بعض الالتباس في الموازنة بين ما هو نقابي وما هو سياسي، واليوم تعيش البلاد موجة من الإضرابات القطاعية عطّلت أو تكاد تعطّل العمل في القطاعين العام والخاص على حد سواء".
ويشير الخلفاوي إلى أن "عدداً من الإضرابات بات بحكم غياب البوصلة، تحركات عمياء، خصوصاً بعدما تسرّب إلى داخلها من لا يؤمن أصلاً بدور الاتحاد الوطني والتاريخي ولكنه يسعى لتحقيق غاية في نفس يعقوب، لهذا فإن تعديل البوصلة ورسم الأولويات يُعتبر أكثر من ضروري في هذه المرحلة، فاتحاد الشغل هو خيمة التونسيّين، ولن تعوزه القدرة لتفويت الفرصة على المتربصين بالبلاد".
في السياق نفسه، يؤكد مصدر مسؤول في الوظيفة العامة برئاسة الحكومة وأحد الأطراف المفاوضة مع المنظمة العمالية، لـ"العربي الجديد"، أن "حق الإضراب مكفول في الدستور وبالتالي يجب علينا وضع معادلة للاستجابة للمطالب الاجتماعية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المصلحة العامة". ويضيف: "من يقول إنه لا يوجد توظيف سياسي في العمل النقابي، لا يفقه شيئاً في العمل النقابي وفي ما يحدث في تونس، لأن التوظيف السياسي أصبح ظاهراً للعيان نظراً لكثرة الإضرابات العشوائية".
وكان الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل، بوعلي المباركي، قد أكد في تصريح له، أن الاتحاد "لن يسمح بتوظيف المطالب المشروعة لتحقيق أجندات أخرى، وسيعمل على حل الإشكاليات القائمة بالحوار". وقال من جنوب تونس إن "البلاد تمر بوضع صعب وخطير وإن الاتحاد سيكون طرفاً رئيسياً في إنقاذها حتى لا تفشل التجربة التونسية". وأوضح أن المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل سيقترح حلاً للخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد وذلك بالتعاون مع المكوّنات الأخرى، مشدداً على "ضرورة فتح حوار اجتماعي يتم فيه ترتيب الأولويات والاتفاق على مخطط يساعد على إنعاش الاقتصاد وينهض بأوضاع المواطنين".
أما المحلل السياسي المهتم بالشؤون النقابية لطفي بن صالح، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "التسييس الذي لا يُخفيه النقابيون أنفسهم، ليس هو الدافع لاستقطاب أكبر عدد من المساندين من المهنيين للتحركات المطلبية التي تبرز من فترة إلى أخرى، بل إن تشبّث المهنيين على اختلاف قطاعاتهم وانتماءاتهم بمطالبهم وحسن اختيار النقابات لتلك المطالب والظرف الملائم، هي العوامل الأساسية التي تؤدي إلى التفاف مختلف صفوف المهنيين حول مطالبهم الاجتماعية المهنية والمادية".
لكن بن صالح يلفت إلى "أن العمل النقابي قد تتنازعه المطالب الاجتماعية من جهة ولا يكون بعيداً عن السياسة التي تتجاذبه من جهة أخرى، وقد يتحوّل العمل النقابي في بعض الأحيان إلى ما يشبه العمل السياسي بالنظر إلى ضرورات النشاط النقابي وخصائصه التي لا تبقى بعيدة عن التفاعل مع الساحة السياسية".
من جهته، يقول الناشط السياسي والنقابي قيس بن أحمد، لـ"العربي الجديد"، إنه "بغض النظر عن مشروعية مطالب قطاع التعليم والتي يقف ضدها الحبيب الصيد وليس وزير التربية ناجي جلول، فإنه بعد تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حول عدم التسريع في إصلاح المنظومة التربوية وإصراره على أن جلول غير مؤهل لذلك، وبعد هجوم وزير التربية في حكومة الترويكا سالم الأبيض، المحسوب على التيار القومي العروبي الإسلامي، وحملته ضد جلول، أصبحت الأطراف المطالبة باستقالة وزير التربية الحالي لا تُخفى على أحد".
اقرأ أيضاً: اتحاد الشغل يستعد لإطلاق حوار وطني جديد في تونس