الحكومة التونسية في غضون أيام... و"العربي الجديد" يكشف ملامحها

01 يناير 2015
رئيس الحكومة المقبل من خارج "نداء تونس"(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يظهر من خلال المفاوضات الجارية، بخصوص تشكّل الحكومة التونسية الجديدة، أنّها ستولد  في غضون أيام، بحسب المعلومات التي توفرت لـ"العربي الجديد"، وتشير إلى أنّ الحكومة الجديدة باتت شبه جاهزة، والإعلان عن تفاصيلها أو على الأقل عن رئيسها المكلّف، لن يتجاوز الأيام القليلة المقبلة.

وعلى الرغم من أنّ حزب "نداء تونس"، الفائز بالغالبية النسبية في الانتخابات التشريعية والمكلّف بتشكيل الحكومة، لم يحسم حتى الساعة هوية الرئيس المكلف، وإن كان من بين قياداته أو مستقلا، غير أنّ المعلومات التي توفرت لـ"العربي الجديد" تؤكّد أنّه سيكون في الغالب من خارج "نداء تونس"، وأنّ الأوفر حظاً حتى الساعة لا يزال عبدالكريم الزبيدي، الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة حمادي الجبالي.

وقد أكّد رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، الذي يتوقع أن يكون رئيس الحزب الجديد إلى المؤتمر المقبل لحركة "نداء تونس"، أنّ الأخيرة لم تحسم بعد مسألة رئيس الحكومة الجديدة، وإن كان من داخل الحركة أو شخصية مستقلة من خارجها. وتستبعد مصادر من داخل الـ"نداء" أن تتولى الحركة الرئاسيات الثلاث، كي لا تُتهم بالتغول والسيطرة على كل مفاصل الحكم من ناحية، إضافة إلى أن السبسي يريد أن يحافظ على تماسك الحركة عشية خروجه منها رسمياً إلى قصر قرطاج.

وتقول مصادر مطلعة، فضلت عدم نشر اسمها، إن الزبيدي التقى الرئيس المنتخب الباجي قايد السبسي أكثر من مرّة، واقترح أن يكون وزيراً في الحكومة من دون أن يكون رئيسها. لكن مصادر أخرى من أحزاب مختلفة مشاركة في المشاورات الحكومية ذكرت لـ"العربي الجديد"، أنّه الأوفر حظاً لتولي المنصب، وأكثر من تتفق عليه الجهات المتحاورة، كما أنّه يحظى بموافقة حركة "النهضة".

وتشير المصادر إلى أن "النهضة" لا تمانع أيضاً في تعيين الحبيب الصيد وزيراً للداخلية، مع الإبقاء على تكليف رضا صفر لوزارة الأمن. وسبق للصيد أن تولى الداخلية في حكومة السبسي الأولى، التي تشكّلت بعد الثورة، ثم عُيِّن مستشاراً أمنياً لدى حمادي الجبالي. وهو يحظى أيضاً بموافقة حزب "الاتحاد الوطني الحر"، الذي يرأسه رجل الأعمال سليم الرياحي.
ويبدو أن حضور هذا الحزب سيكون لافتاً في التشكيل الحكومي الجديد، إذ يُرجح أن تتولى بعض قياداته عدداً من الوزارات التقنية ذات الطابع الاقتصادي، كالتجارة أو المالية أو الاقتصاد، وذلك بحسب الهيكل الجديد للحكومة التي تأكّد أنّها ستتشكّل من 35 حقيبة موزّعة بين 23 وزيراً و12 كاتب دولة. وتُرجح المصادر تعيين أرملة الشهيد شكري بلعيد، بسمة بلعيد الخلفاوي، أو المناضلة الحقوقية السيدة راضية النصراوي، زوجة حمة الهمامي، زعيم "الجبهة الشعبية" اليسارية، في مناصب حكومية، مثل وزارة المرأة.

وتبدو حركة "النهضة" شديدة التكتم حول المشاورات الحكومية وطبيعة المشاركة فيها. وبحسب القيادي البارز في الحركة عبداللطيف المكي، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الصحة، فإن "النهضة" لم تلتق بعد بشكل رسمي بحركة "نداء تونس" للحديث حول الحكومة، من دون أن ينفي وجود مشاورات جانبية بين قياديين من الحزبين. وتقول مصادر مقربة من الحركة لـ"العربي الجديد" إن "النهضة" ليست حريصة على تقلّد حقائب بعينها، لكنها تريد أن توافق في المقابل على التشكيلة الحكومية برمتها، كما لا تمانع في تعيين وزراء مستقلين ليست على خلافات عميقة معهم، وهو ما أدّى إلى رفض الحركة للمشاركة في حكومة يرأسها الطيب البكوش الأمين العام لـ"نداء تونس"، الذي كان قد أعلن صراحة رفضه لأي تحالف مع "النهضة".
 

وتؤكّد مصادر "العربي الجديد" أن بعض المؤسسات المالية الدولية لم تعبر عن ترحيبها بإمكانية تعيين البكوش في رئاسة الحكومة، مع ما يمكن أن يثيره هذا الموضوع من إشكاليات داخل "النداء". ولا يستبعد مراقبون أن تحصل مفاجآت اللحظة الأخيرة، مستندين في ذلك إلى سابقة مهدي جمعة، الذي لم يتوقع أحد صعوده.

وفي حين تشارف التشكيلة الحكومية على الانتهاء، فإنّ العارفين بشخصية الزبيدي يستبعدون أن يقبل "فرض تشكيل حكومي جاهز" يتولى هو إدارته؛ فالشخصية كاريزماتية وقوية، ولا يتوقع أن يقبل بأن يكون مجرد منسق لسياسات يتم إعدادها خارج البيت الحكومي، أو أن تُسقط من قصر قرطاج أو من الأحزاب المشكلة للتحالف.
من جهته، يقول القيادي البارز في حركة "النهضة" عبداللطيف المكي، لـ"العربي الجديد"، إن "نداء تونس" تأخر نسبياً في الإعلان عن الحكومة، ولكن "النهضة" لا تريد التشويش على مباحثاته الداخلية أو الخارجية، وقررت أن "تعينه بالصمت"، بالرغم من مهاجمة كامل الساحة السياسية للترويكا إبّان سعيها إلى تشكيل تحالفها. وأكد أنّ "النهضة" مستعدة للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية قوية تستند إلى توافق سياسي واسع، بشرط أن تكون ضامنة للحريات واحترام الدستور، وعدم التراجع في قضايا محسومة دستورياً، مثل العدالة الانتقالية. 

الأمن والاقتصاد أولاً

وتشير مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، فضلت عدم نشر اسمها، إلى أنّ أولويات عمل الحكومة العتيدة في الأيام المائة الأولى من تشكيلها ستتمحور حول الأمن، والقدرة الشرائية للمواطنين، والسلّم الاجتماعي، والبيئة، وتحسين الإنتاجية، وحل قضية التهريب.
المصادر نفسها ترجّح ألا تمانع الحكومة الجديدة في زيادة أجور القطاع العام، في اتفاق مع اتحاد الشغل، يقضي في الوقت نفسه بالحدّ من الإضرابات، والعمل على زيادة الإنتاج وتثمين مفهوم العمل، والعودة ببعض المؤسسات إلى ذروة إنتاجها لمردوديتها الاقتصادية الكبيرة على ميزانية الدولة، مثل قطاع الفوسفات الذي شهد تدهوراً كبيراً في عائداته بسبب الإضرابات. كما تنوي الحكومة الجديدة، بحسب المصادر، الاتفاق مع الأطراف لتقليص أسعار بعض المواد التي أضعفت القدرة الشرائية للمواطن، من دون المساس بصندوق الدعم.

وتؤكّد المصادر أن الحكومة تنوي "التصالح" مع كبار المهرّبين الذين يرغبون في تسوية ملفاتهم ودخول الدورة الاقتصادية المنظمة، وستعمل على مرافقتهم في عملية استثمار أموالهم في قطاعات ستقترحها عليهم، وفي الوقت نفسه ستعمل على مضاعفة مراقبة الحدود والنقاط السوداء للحد من ظاهرة التهريب، وخطورة المجموعات المتشددة، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الليبية على الحدود.