الحكومة البريطانية الجديدة: لا شيء يعلو فوق صوت جونسون

14 فبراير 2020
حكومة جونسون الجديدة (مات دنهام-بول/Getty)
+ الخط -
كشف التعديل الحكومي الذي أجراه بوريس جونسون، الخميس، عن طبيعة إدارته لبريطانيا في السنوات الخمس المقبلة.

وكانت الصفة الرئيسية للتعديلات إطاحة أي معارضة داخلية لسياساته بين الوزراء، وتعزيز هيمنته على قرارات الوزارات.

وعلى الرغم من أن رئاسة الوزراء أعطت انطباعاً بأن التعديل الوزاري سيكون أقل حدة من المتوقع، انتهى الخميس بالاستقالة المفاجئة لوزير المالية ساجد جاويد، وقبل ثلاثة أسابيع من موعد الإعلان عن الميزانية الجديدة، بل وكشفت الاستقالة خبايا خلاف داخلي في حكومة جونسون بين مقر رئاسة الوزراء والوزراء "مستقلي الرأي".

وكان ناطق باسم رئاسة الوزراء قد وصف التعديل المرتقب بالفرصة لتقديم "المواهب الجديدة" في الحزب، مشددا على أنه "يريد رئيس الوزراء من هذا التعديل الحكومي أن يضع حجر الأساس للحكومة الآن وفي المستقبل. يريد أن يقدم جيلاً من المواهب التي سيسطع نجمها أكثر في السنوات المقبلة. سيكافئ النواب الذين عملوا بجد لتطبيق أولويات الحكومة بتطوير البلاد، وتطبيق التغيير الذي طالب به الناس العام الماضي". 

ولكن ما إن انتصف يوم الخميس حتى تبينت رغبة جونسون بالدفع بأجندته الرامية إلى إعادة هيكلة البنية الحكومية، كما كان قد أعلن خلال حملته الانتخابية.

وبعد جلسة مطولة مع وزير المالية، كان من المتوقع أن يحتفظ بعدها بمنصبه، كانت الصدمة أن أعلن جاويد استقالته قبل أسابيع قليلة من أولى ميزانياته الحكومية. 

وبعيد الاستقالة، نقلت أخبار جمعية الصحافة البريطانية "برس أسوسيشن"، عن مصدر مقرب من جاويد، قوله: "رفض جاويد البقاء في منصب وزير المالية. لقد طلب منه رئيس الوزراء طرد جميع مستشاريه واستبدالهم بمستشارين من مقر رئاسة الوزراء كي يكونوا فريقاً واحداً". وأضاف: "لا يوجد وزير مالية يحترم نفسه يقبل بهذه الشروط". 

ويبدو أن جونسون كان مستعداً لهذا الاحتمال، حيث لم يوفر وقتاً في تعيين ريشي سوناك، الوزير من الصف الثاني في وزارة المالية، مكان جاويد.

وكشفت استقالة جاويد أيضاً عن الخلاف بينه وبين كبير مستشاري جونسون، دومينيك كمنغز، الذي يوصف بأنه المحرك وراء "الإصلاحات" التي يدفع بها جونسون، والتي منها فرض همينة مكتب رئيس الوزراء في 10 داوننغ ستريت على وزارة المالية في 11 داوننغ ستريت. 

وتسمح مثل هذه الخطوة لجونسون بالتحكم بالميزانية الحكومية تحضيراً لتعديلات أوسع في طبيعة العمل الحكومي وتركيبة الوزارات الأخرى بعد الفترة الانتقالية التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي تنتهي نهاية العام الجاري. 

وسيكون انعكاس هيمنة جونسون على وزارة المالية المزيد من الإنفاق الحكومي والمزيد من الضرائب على المدى القصير، وخاصة في مسعى لتطبيق العديد من الوعود التي أطلقها خلال الانتخابات الماضية. وسيكون ذلك بخلاف السياسة الاقتصادية المحافظة التي تتسم عموماً بالتقشف الحكومي.

ولم تقتصر هذه النزعة على وزارة المالية، بل كانت السمة الرئيسية في التعديلات الحكومية الأخرى، والتي شهدت مكافأة الموالين وتعزيزاً "لوحدة" الحكومة، وتجلى ذلك في التخلي عن خدمات جوليان سميث، وزير الدولة لشؤون أيرلندا الشمالية، والذي كان قد نجح في إعادة إحياء العملية السياسية في أيرلندا الشمالية، التي انهارت بداية عام 2017. 

إلا أن خطأ سميث كان ربما في انتقاد اتفاق بريكست الذي أبرمه جونسون مع الاتحاد الأوروبي، أو ربما في موافقته على بند في اتفاق تشارك السلطة في أيرلندا الشمالية يشمل التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجنود البريطانيون خلال الحرب الأهلية في الإقليم. 

وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة، يُزعم أن سميث اتخذ القرار من دون إطلاع رئيس الوزراء على سياسة مرفوضة بين قواعد المحافظين. 

ويرفض سميث هذا الادعاء، ويصر على أن الحكومة كانت على علم بكامل فقرات الاتفاق، وهو ما يعكس رغبة جونسون في النأي بنفسه عنها.

وتخلص جونسون من وزراء آخرين أبدوا علامات عدم الولاء التام لرئيس الوزراء. 

وكانت وزيرة الأعمال أندريا ليدسوم قد تسببت بإزعاج في صفوف المحافظين، عندما انتقدت، في مقال نشرته في صحيفة "تلغراف"، "بيئة العمل التي يهيمن عليها الرجال". 

أما المدعي العام جيفري كوكس فكانت "تهمته" أنه ليس على الدرجة الكافية من العمل الجماعي.

وقام جونسون بتعيين سويلا بريفرمان في منصب مدعي العام، مكان جيفري كوكس. 

وتعرف عن بريفرمان مواقفها المؤيدة لجونسون، فهي من مؤيدي بريكست مشدد، ودعمت إغلاقه للبرلمان في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، وهي خطوة وجدتها المحكمة العليا غير قانونية. 

بل وكانت بريفرمان قد انتقدت تنامي سلطة القضاء على السياسيين قبل أسبوع من تعيينها في منصبها الجديد، وسيكون لها دور كبير في المواجهة بين الحكومة والقضاء، وخاصة في ما يتعلق برغبة جونسون في المراجعة القضائية بهدف الحد من سلطة المحاكم على المؤسسات السياسية، كي لا تقف في وجه تفرده بالقرار البريطاني كما جرى العام الماضي.

كما كافأ جونسون آخرين من مؤيدي بريكست، مثل آن ماري ترفليان، التي تم تعيينها على رأس وزارة التنمية الدولية، في خطوة يراها البعض تمهدياً لدمج هذه الوزارة مستقبلاً في وزارة الخارجية. 

وتعتبر ترفليان من المشككين في أهمية المساعدات الدولية، ومن منتقدي عمل الوزارة التي تترأسها. 

كما عين جونسون حليفه ألوك شارما على رأس وزارة الأعمال، ومنحه سلطات التفاوض على السياسات المناخية تحضيراً لأعمال قمة المناخ في مدينة غلاسغو نهاية العام الجاري.

ومن بين التعديلات الأخرى، تم استبدال تيريزا فيليير في وزارة البيئة بجورج يوستيس. 

أما نيكي مورغان، وزير الثقافة، فحل مكانها أوليفر داودن. كما فقدت استر مكفاي منصبها في وزارة الإسكان لصالح كريستوفر بنشر، والذي يعد عاشر وزير في هذا المنصب في السنوات العشر الماضية. 

 

كما تمت مكافأة وزير بريكست السابق ستيفن باركلي، الذي انتهت مهمة وزارته نهاية الشهر الماضي، بتعيينه على رأس طاقم وزارة المالية، حيث سيلعب دوراً رئيسياً في مراجعة الإنفاق الحكومي. 

ومن جهة أخرى، احتفظ عدد من الوزراء بمناصبهم، مثل بريتي باتيل في الداخلية، ودومينيك راب في الخارجية، وبن والاس في وزارة الدفاع، ومايكل غوف كوزير لدوقية لانكاستر، وهو منصب يعادل نائب رئيس الوزراء. 

وتراجعت حصة النساء في الحكومة الجديدة من 7 إلى 6 من أصل 22، وكان ذلك الحال أيضاً في أعداد الوزراء القادمين من الأقليات، حيث تراجعت أعدادهم من 4 إلى 3، بينما فقد الوزيران من خلفيات مسلمة، ساجد جاويد ونصرت غاني، منصبيهما في الحكومة. 

وتشمل البيانات أيضاً أن 31 في المائة من الوزراء قد درسوا في مدارس خاصة قبل أن يتموا تعليمهم الجامعي في جامعتي أوكسفورد أو كامبردج.

ويبدو أن جونسون أراد استخلاص العبر مما واجهته تيريزا ماي من تمرد مستمر من وزرائها، كان هو شخصيا على رأسهم. 

وكانت التعديلات الحكومية في عهد ماي تعتمد التوازن بين معسكرين متناقضين حول بريكست، وهو ما انتهى بها لتعيين جونسون في وزارة الخارجية، بغض النظر عن مؤهلاته، ما أدى بها إلى الفشل. 

أما جونسون، فتدعمه في البرلمان أغلبية من 80 صوتا، وتسمح له بتجاوز الحساسيات التي وجب على ماي التعامل معها، ويمهد ذلك لسنوات خمس يتفرد بها بقرار بريطانيا، ويدير بها كمنغز، بلاط جونسون.