03 نوفمبر 2024
الحكومات العربية والمجتمع المدني
تضمنت الأجندة العالمية للتنمية سبعة عشر هدفاً ومئة وتسعاً وستين غاية. هذه الأجندة التي وافقت عليها في سبتمبر/ أيلول من السنة الماضية 193 دولة، بينها جميع الدول العربية، وكل الدول مطالبةٌ بتنفيذ ما ورد بها من التزامات قبل حلول سنة 2030. ومن هذه الأهداف القضاء على الفقر والجوع وضمان الصحة والرفاه والتعليم الجيد والمساواة بين الجنسين والعمل اللائق للجميع وبناء مدن ومجتمعات مستدامة. أي أنه أمام الدول العربية أربعة عشر عاماً فقط لتأمين كل هذه الأهداف، أو على الأقل تحقيق تقدّم ملموس في تنفيذها.
وقد تعهدت جامعة الدول العربية بمتابعة هذا الملف بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، وصاغت عقداً خاصاً اعتبرت فيه المجتمع المدني "رديف الحكومات في العمل من أجل التنمية"، ووصفته ب "الشريك الفاعل"، وأقرّت بالدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، وأكّدت على أن تنفيذ أهداف هذه الأجندة "لا يمكن بدون تعاون مع هذه المنظمات".
ويعتبر هذا العقد تحولاً مهماً في موقف جامعة الدول العربية، ومن ورائها الحكومات تجاه المجتمع المدني الذي طالما عملت، في السابق، على تهميشه وإضعافه، كما وصفت منظماته، في مناسبات كثيرة، بأنها تابعة للخارج، وتهدّد الأمن القومي.
تبدو أنظمة الحكم في المنطقة أضعف بكثير مقارنةً بأنظمة الستينيات، وحتى السبعينيات من القرن الماضي التي اعتبرت الدولة الضامنة لجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد حققت الكثير في تلك المرحلة. أما أنظمة اليوم فتبدو مرهقة، فاقدةً كثيراً من الشرعية، إلا من رحم ربك، كما أنها تخلت عن كثيرٍ من مسؤوليات الدولة تجاه مجتمعاتها. ولهذا، تجد نفسها غير قادرةٍ بمفردها على ضمان الحد الأدنى من تلك الحقوق، ما جعلها تقبل مضطرةً فكرة الشراكة مع المجتمع المدني، على الرغم من علمها بأن الجزء الأكبر من ميزانيات الجمعيات متأتيةٌ من مؤسسات تمويل غربية.
على الرغم من الخطوة المهمة التي بادرت إليها الجامعة، إلا أن احتراز الأنظمة من بعض أصناف منظمات المجتمع المدني لا يزال مستمراً، مثل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو عن الديمقراطية والحريات العامة، أو نقابات الصحافيين وغيرها من النقابات المهنية المستقلة في قرارها. إذ تعتبر الأنظمة هذه الجمعيات وشبيهاتها خطراً على الاستقرار، وعلى أمن الدولة، لمجرد أنها قادرة على أن تقول لا لصانع القرار، وترفض أن يكون هو اللاعب الوحيد في إدارة الشأن العام. وهذا ما يفسّر محاولة القفز على الفصلين 16 و17 من أجندة التنمية العالمية، لأنهما يتضمنان البعد السياسي المتعلق بدور المؤسسات وبالديمقراطية، فعموم الخطاب الرسمي العربي يتّسم بالتحفظ تجاه كل ما من شأنه أن يحدّ من صلاحيات السلطة، أو يخضعها لمختلف أشكال المراقبة والمحاسبة، وإن كان، في الآن نفسه، تراه يزايد في الحديث عن الديمقراطية وسيادة الشعب.
أما العامل الثاني الذي من شأنه أن يعطل تحقيق أهداف التنمية فهو حالة عدم الاستقرار السياسي الذي اتسعت رقعته طوال السنوات الأخيرة، فتراجع دول كبرى أصبحت مهدّدة بالاختفاء مثل سورية والعراق، وحالة الانهيار الكامل التي تمر بها ليبيا واليمن قللا كثيراً من فرص تحقيق نسبٍ، ولو متوسطة، في مجالات التنمية البشرية. إذ في ظل الحروب والنزاعات المسلحة، سيكون من العبث الحديث عن تحقيق تنميةٍ متوازنةٍ وعادلة.
التنمية في حاجة إلى الاستقرار، ويمكن أن يتحقّق ذلك بطريقتين. في الأولى، يمكن توفير الاستقرار عن طريق التحكم في رقاب الناس، وإخضاعهم بالقوة، لكن ذلك سينتج استقراراً هشّاً ومؤقتاً. أما الطريقة الثانية فتتم من خلال آليات الحكم الديمقراطي، وبناء المؤسسات الممثلة للشعب.
في كل الحالات، الخطوة التي قطعتها جامعة الدول العربية نحو منظمات المجتمع المدني مهمة، لكنها غير كافية، لأنها في حاجةٍ إلى تعاون حقيقي مع المنظمات التي تتمتع بمصداقيةٍ عالية، وألا يقع فصل الاجتماعي عن السياسي، لأن التنمية بدون ديمقراطية تنتكس، ولو بعد حين.
وقد تعهدت جامعة الدول العربية بمتابعة هذا الملف بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، وصاغت عقداً خاصاً اعتبرت فيه المجتمع المدني "رديف الحكومات في العمل من أجل التنمية"، ووصفته ب "الشريك الفاعل"، وأقرّت بالدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، وأكّدت على أن تنفيذ أهداف هذه الأجندة "لا يمكن بدون تعاون مع هذه المنظمات".
ويعتبر هذا العقد تحولاً مهماً في موقف جامعة الدول العربية، ومن ورائها الحكومات تجاه المجتمع المدني الذي طالما عملت، في السابق، على تهميشه وإضعافه، كما وصفت منظماته، في مناسبات كثيرة، بأنها تابعة للخارج، وتهدّد الأمن القومي.
تبدو أنظمة الحكم في المنطقة أضعف بكثير مقارنةً بأنظمة الستينيات، وحتى السبعينيات من القرن الماضي التي اعتبرت الدولة الضامنة لجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد حققت الكثير في تلك المرحلة. أما أنظمة اليوم فتبدو مرهقة، فاقدةً كثيراً من الشرعية، إلا من رحم ربك، كما أنها تخلت عن كثيرٍ من مسؤوليات الدولة تجاه مجتمعاتها. ولهذا، تجد نفسها غير قادرةٍ بمفردها على ضمان الحد الأدنى من تلك الحقوق، ما جعلها تقبل مضطرةً فكرة الشراكة مع المجتمع المدني، على الرغم من علمها بأن الجزء الأكبر من ميزانيات الجمعيات متأتيةٌ من مؤسسات تمويل غربية.
على الرغم من الخطوة المهمة التي بادرت إليها الجامعة، إلا أن احتراز الأنظمة من بعض أصناف منظمات المجتمع المدني لا يزال مستمراً، مثل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو عن الديمقراطية والحريات العامة، أو نقابات الصحافيين وغيرها من النقابات المهنية المستقلة في قرارها. إذ تعتبر الأنظمة هذه الجمعيات وشبيهاتها خطراً على الاستقرار، وعلى أمن الدولة، لمجرد أنها قادرة على أن تقول لا لصانع القرار، وترفض أن يكون هو اللاعب الوحيد في إدارة الشأن العام. وهذا ما يفسّر محاولة القفز على الفصلين 16 و17 من أجندة التنمية العالمية، لأنهما يتضمنان البعد السياسي المتعلق بدور المؤسسات وبالديمقراطية، فعموم الخطاب الرسمي العربي يتّسم بالتحفظ تجاه كل ما من شأنه أن يحدّ من صلاحيات السلطة، أو يخضعها لمختلف أشكال المراقبة والمحاسبة، وإن كان، في الآن نفسه، تراه يزايد في الحديث عن الديمقراطية وسيادة الشعب.
أما العامل الثاني الذي من شأنه أن يعطل تحقيق أهداف التنمية فهو حالة عدم الاستقرار السياسي الذي اتسعت رقعته طوال السنوات الأخيرة، فتراجع دول كبرى أصبحت مهدّدة بالاختفاء مثل سورية والعراق، وحالة الانهيار الكامل التي تمر بها ليبيا واليمن قللا كثيراً من فرص تحقيق نسبٍ، ولو متوسطة، في مجالات التنمية البشرية. إذ في ظل الحروب والنزاعات المسلحة، سيكون من العبث الحديث عن تحقيق تنميةٍ متوازنةٍ وعادلة.
التنمية في حاجة إلى الاستقرار، ويمكن أن يتحقّق ذلك بطريقتين. في الأولى، يمكن توفير الاستقرار عن طريق التحكم في رقاب الناس، وإخضاعهم بالقوة، لكن ذلك سينتج استقراراً هشّاً ومؤقتاً. أما الطريقة الثانية فتتم من خلال آليات الحكم الديمقراطي، وبناء المؤسسات الممثلة للشعب.
في كل الحالات، الخطوة التي قطعتها جامعة الدول العربية نحو منظمات المجتمع المدني مهمة، لكنها غير كافية، لأنها في حاجةٍ إلى تعاون حقيقي مع المنظمات التي تتمتع بمصداقيةٍ عالية، وألا يقع فصل الاجتماعي عن السياسي، لأن التنمية بدون ديمقراطية تنتكس، ولو بعد حين.