الحكومات البرلمانية في الأردن: "منحة ملكية" تتبخر

09 نوفمبر 2016
طرح الملك الأردني فكرة الحكومات البرلمانية في 2013(صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -
في 16 يناير/ كانون الثاني 2013، وبينما كانت السلطة في الأردن تكافح آخر آثار موجة الاحتجاجات المطلبية والسياسية التي شهدتها البلاد بالتزامن مع الانتفاضات العربية، فاجأ العاهل الأردني عبد الله الثاني القوى الشعبية والسياسية بورقة نقاشية (الثانية من نوعها) طرح فيها الانتقال نحو نهج الحكومات البرلمانية، كأحد أهم جوانب التطور الديمقراطي.
ما طرحه الملك الأردني في ورقته النقاشية الثانية كاجتهاد شخصي قابل للنقاش، حوله في خطبة العرش، التي ألقاها خلال افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر في 10 فبراير/ شباط 2013، إلى خطة عمل حمّل فيها أعضاء مجلس الأمة آنذاك مسؤولية "إنجاح مرحلة التحول التاريخية، وإفراز الحكومات البرلمانية وتطوير ممارساتها".
الحكومة البرلمانية، كهدف نهائي لخطة الإصلاح المتدرج التي وضعها، أعاد الملك التأكيد عليها في ثلاثة خطابات عرش أمام مجلس الأمة السابع عشر بعد الخطاب الأول. كما أكد على هذا التوجه في ثلاثة أوراق نقاشية تلت الورقة الثانية.


وفي بادرة للدلالة على جدية التوجه نحو الحكومة البرلمانية، شارك الملك صلاحياته الدستورية مع أعضاء مجلس النواب السابع عشر، من خلال نهج تشاوري في اختيار رئيس الحكومة. وعلى الرغم من شكلية المشاورات التي خيّرت النواب بين أسماء محددة اقترحها الديوان الملكي، إلا أنها عُدّت خطوة على طريق الحكومة البرلمانية.
وفي الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأمة السابع عشر، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، قال الملك الأردني: "أطلقنا خطوة أساسية نحو الحكومات البرلمانية على أساس المشاورات النيابية، والتي نسعى للوصول بها إلى حالة متقدمة عبر الدورات البرلمانية المقبلة، بحيث تشكل الأغلبية النيابية المستندة إلى أحزاب برامجية الحكومات، وتوازيها أقلية نيابية مستندة إلى أحزاب برامجية أيضاً، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب".
وضع الملك شرطاً لتحقيق الانتقال نحو الحكومة البرلمانية يتمثل في إقرار جملة من قوانين الإصلاح السياسي، هي قوانين الانتخابات، والأحزاب، والبلديات واللامركزية. وهي قوانين أنجزها مجلس النواب السابع عشر كلها، وعبّر الملك عن فخره بإنجازها ضمن معايير إصلاحية.
لكن يوم الاثنين الماضي، تبخرت آخر أحلام القوى السياسية والشعبية الأردنية، بأن تشهد بلادهم في المستقبل المنظور ولادة حكومة برلمانية تشكلها الأغلبية النيابية. تجاهل الملك في خطاب العرش الذي افتتح فيه أعمال مجلس الأمة الثامن عشر مجرد ذكر الحكومة البرلمانية، بعد سنوات من وعود تحقيقها.
الملك، وبعد قرابة الأربع سنوات من تبشيره بتحول تاريخي يقود لتشكيل حكومات برلمانية في البلاد، ضمن خطة هو من أسس لها وأطلق عليها "الإصلاح المتدرّج"، أعاد حساباته لصالح مواصلة السير بالنسق التقليدي في تشكيل الحكومات، والذي يمتلك فيه دستورياً حقاً منفرداً في اختيار رئيسها.
وقد دللت العديد من الشواهد خلال الأسابيع الماضية على أن وعود الحكومة البرلمانية لم تكن على قدر كبير من الجدية، لكن خطاب العرش أكد الأمر بشكل نهائي.
نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، لم تفرز أغلبية نيابية قادرة على تشكيل حكومة برلمانية، لكن الملك كان قد حسم أمره حتى قبل الانتخابات بإعادة تكليف رئيس الوزراء هاني الملقي بتشكيل الحكومة، وهو ما حدث بعد خمسة أيام من الانتخابات.
كما تراجع الملك عن "المشاورات النيابية" التي جرت في عام 2013، وأعاد تكليف الملقي بتشكيل الحكومة، من دون مشاورات مع النواب. كما لم يشاور الملقي النواب في تشكيل حكومته.
السياسيون الذين سبق وهللوا للحكومة البرلمانية بعد أن طرحها الملك، سارعوا في أعقاب خطبة العرش الأخيرة وخلال الاستديو المفتوح على شاشة التلفزيون الوطني، للتهليل لتجاهل الملك للحكومة البرلمانية، معتبرين أنها تجربة لا تستقيم في بلاد لا توجد فيها حياة سياسية راسخة.
وبعدما كانت الحكومة البرلمانية مطلباً للقوى السياسية الأردنية خلال موجة الاحتجاجات التي عاشتها المملكة مطلع عام 2011 واستمرت صاخبة حتى نهاية العام 2012، وطرح الملك التوجه نحو الحكومة البرلمانية بعد أن خبت الاحتجاجات وتراجعت المطالبات، أظهرت مجريات الأحداث في الأردن أن "الحكومة البرلمانية" بالمفهوم الملكي منحة، ما سهّل التراجع عن مجرد التفكير بالتوجه نحوها.