الحكم على مرسي: ورقة للمساومة لا تعدم حظوظ التسوية

22 ابريل 2015
الرئيس المعزول في جلسة إصدار الحكم (أحمد رمضان/الأناضول)
+ الخط -
أجمع خبراء ومحللون سياسيون مصريون على أنّ الحكم بالسجن المشدّد على الرئيس المعزول، محمد مرسي، لم يكن مفاجئاً، وأنه بمثابة ورقة ضغط سياسية، في ظل التشابك الحاصل بين السلطات في مصر، والحديث عن هيمنة السلطة السياسية على الجهات القضائية.

وعلّق أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، على الحكم القضائي بحق مرسي، بقوله إن "النظام المصري الحالي يستخدم المنظومة القضائية، كورقة ضغط في منازلة سياسية، هو يدرك جيداً أنه لن يتمكن من بسط السيطرة وتحقيق الاستقرار، سواء في المدى القصير، أو المتوسط؛ ناهيك عن المدى البعيد".

اقرأ أيضاً ("العفو الدولية" تدعو لإعادة محاكمة مرسي أو إطلاق سراحه)

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم نشر اسمه، أن "الضغوط المحلية والإقليمية من دول كانت حتى وقت قريب داعمة بصورة مطلقة للنظام السياسي المصري الحالي، بالإضافة إلى حالة من التململ الدولي، تجعل هذا النظام مدركاً لحقيقة أنه إن أراد تحقيق ثنائية البقاء في الحكم والاستقرار، فعليه أن يسلك طريق التسوية، وأن يقبل المصالحة مع معارضيه، الذين تتوسع رقعتهم يوماً بعد يوم". وتابع "من هنا، فقد بات النظام مشغولاً بوضع المزيد من أوراق الضغط، التي يمكن له أن يستخدمها، حين تأتي ساعة التسوية أو المصالحة، طوعاً أو كرهاً، ولا شك أن الأحكام القضائية كلما زادت وتنوعت، وفقاً لطريقة تفكير النظام السياسي الحالي، ستكون برأيه من أهم الأوراق التي يفاوض بها". 
في الإطار نفسه، رأى عضو سابق بمجلس الشعب المصري، رفض أيضاً نشر اسمه، أن "الهدف الأساسي من حكم الثلاثاء هو المقايضة السياسية، فإذا تحدث رافضو الانقلاب عن ضرورة إزاحة شخص الرئيس المصري الحالي، عبدالفتاح السيسي، فإن فريق السلطة سيقايض بأن محمد مرسي، من باب أولى، يجب أن يخرج من المشهد كاملاً، لأنه في وضع قانوني، وإن كان مطعوناً على صحته لايسمح له بالوجود، أو العودة للعمل السياسي برمته".

غير أنّ المصدر نفسه يُبدي تشاؤماً كبيراً من الوضع السياسي في مصر، قائلاً إن "كل أطراف الأزمة، تدفع بالبلاد نحو مصير ليس مجهولاً؛ فالمقدّمات تدل على النتائج، والتجارب من حولنا والأوضاع الداخلية الملتهبة، والخارطة السياسية والجغرافية الإقليمية الجديدة، التي تحاول أن تخرج لحيز الوجود، تجعلنا عرضة لأخطار، قد لا يمكن مواجهتها، أو حتى الحد من نتائجها الكارثية، وعندها لن ينفع الندم".

وعلى العكس تماماً من الرأي السابق، يبدو أحد الباحثين بمركز للدراسات السياسية في مصر متفائلاً، ويشرح ذلك بأنّ "اللجوء للحلول الأمنية والقضائية سيكشف للسلطة الحاكمة للبلاد حالياً أنّ طريق هذا الخيار مسدود، لأنّ الاعتقال والحبس وأحكام الإعدام لم تخمد ثورة الغاضبين والرافضين له على مستوى القواعد الشعبية، وهذا الموقف سيجعل من إعادة الحسابات مسألة ضرورية ووجودية للسلطة، بل ربما تجعلها أكثر استعداداً لتقديم تنازلات كبيرة، لتحدّ من اشتعال الغضب".

وقال الباحث في حديثه لـ"العربي الجديد" "لم أعد استبعد أن النظام السياسي الحالي، وبالتحديد الرئيس السيسي نفسه، بدأ يفقد شيئاً من سيطرته على منظومة القضاء، لحساب أطراف أخرى، ليست بعيدة عن أجهزة الدولة، ربما تريد المزيد من الإحراج له والضغط عليه، وإفقاده أي فرصة لتسوية مع طرف المعادلة السياسية الآخر وهو جماعة (الإخوان المسلمين) بصفة أساسية، إضافة إلى رافضيه ومعارضيه بشكل عام، مما يتطلب ضرورة وجود طرف ثالث، وإن كان من السلطة أمراً لا مفرّ منه، ومطلباً محلياً وإقليمياً ودولياً". وختم حديثه بالقول إن "تعقيد الأزمة، ليس في مصلحة النظام الحالي، أو السيسي تحديداً، ومن هنا يمكن أن نقرأ ما حدث وما سيحدث خلال الفترة المقبلة من أزمات ومشاكل على أكثر من صعيد وفي اتجاهات مختلفة".


في المقابل، يلخص زميل له نتائج الحكم الذي صدر بحق مرسي، بالقول إن "أطرافاً كثيرة خسرت، بسبب هذا الحكم بدرجات تتفاوت وتتباين بين طرف وآخر، لكن المؤكد أنّ هناك طرفاً واحداً حقق مكاسب على المدى القصير، يتلخص في الدولة العميقة وفلول دولة الرئيس المخلوع حسني مبارك". وتعكس ردود الأفعال الأولية للحكم الصادر ضد الرئيس المعزول وعدد من معاونيه، أجواء أزمات سياسية أخرى متتالية تواجه النظام الحالي في مصر، محلياً ودولياً، بسبب النظرة شديدة السلبية للقضاء المصري، خلال السنوات الأخيرة، بعدما طالته انتقادات دولية بسبب عدد الأحكام غير المسبوق، التي صدرت عنه بحق معارضين للسلطة.

وهكذا يجمع الخبراء القانونيون على أن "الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بحق الرئيس مرسي بالسجن المشدد لمدة 20 عاماً، سياسيّ وليس جنائياً"، مشيرين إلى أن المحكمة لم تبين القاتل الحقيقي في أحداث يوم الخامس من ديسمبر/كانون الأول عام 2012 في قتل نحو عشرة متظاهرين.

وفي هذا الإطار، استدل رئيس المحكمة السابق، المستشار رفعت سعيد، على أنه حكم سياسي بقرار المحكمة خلال النطق بالحكم عندما برأت جميع المتهمين من اتهامات القتل العمد وحيازة السلاح بدون ترخيص، وهذا دليل على أن جميع المتهمين الموجودين داخل القفص براءة من قتل المتهمين، موضحاً أن "المتهم بقتل الـ 10 أشخاص حتى الآن مجهول".

وأضاف أنّ "تلك الأحكام ليست نهائية وقبول الطعن وارد بنسبة 100 في المائة"، معرباً عن تقديره بأنّ "الهدف من وراء الأحكام المشدّدة التي يلاقيها قادة جماعة (الإخوان) استخدامها كأداة ضغط في المستقبل لإثناء مرسي وقيادات الجماعة عن المطالبة بعودة الحكم واعتبارها ورقة ضغط في مراحل التفاوض المقبلة".

وكانت محكمة جنايات القاهرة المصرية قد أصدرت حكماً على الرئيس المصري المعزول بالسجن لمدة عشرين سنة على خلفية اتهامه بالأحداث المعروفة إعلامياً بـ"قصر الاتحادية"، والتي وقعت في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2012.

وضمت قائمة المتهمين المحكوم عليهم بالسجن 20 عاماً، ووضعهم تحت المراقبة الشرطية لمدة 5 سنوات أخرى، كلاً من الرئيس المعزول، ونائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، أسعد الشيخة، ومدير مكتب رئيس الجمهورية السابق، أحمد عبد العاطي، والمستشار الأمني لرئيس الجمهورية السابق، أيمن عبد الرؤوف هدهد، والقياديين بحزب "الحرية والعدالة"، محمد البلتاجي، وعصام العريان، جميعهم حضورياً، فيما حُكم على قائم بأعمال مفتش بإدارة الأحوال المدنية بالشرقية، علاء حمزة، ورضا الصاوي وهو مهندس بترول، ولملوم مكاوي، وهاني توفيق، وأحمد المغير، وعبدالرحمن عز الدين، وهو مراسل لقناة "مصر 25"، والداعية وجدي غنيم غيابياً. في حين ضمت أسماء المتهمين المحكوم عليهم بالسجن 10 سنوات كلاً من عبد الحكيم إسماعيل وهو مدرّس مسجون، والمحامي جمال صابر.
المساهمون