استعراض القوة، والتلويح باستخدام العنف، وترويع المواطنين، 3 عناوين عريضة شكّلت "الجريمة" التي صاغتها محكمة جنايات القاهرة، أمس الثلاثاء، ضد الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، والقياديَين في جماعة "الإخوان المسلمين"، محمد البلتاجي وعصام العريان، بسجنهم مع 10 آخرين 20 عاماً مشدّداً في قضية "أحداث الاتحادية".
رؤية المحكمة للأحداث، التي ليست لها حتى الآن رواية موحّدة بسبب تعدد أطرافها وتناقض المواقف السياسية، تتلخص في أن قيادات "الإخوان" في القصر الرئاسي وخارجه نظموا تظاهرة لاستعراض القوة بهدف تخويف وإرهاب المتظاهرين "السلميين"، الذين تجمهروا حول القصر احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي كان مرسي قد أصدره في 22 نوفمبر/تشرين الثاني.
وحددت المحكمة في حكمها سمات استعراض القوة هذا، فهو استعراض ليس مسلحاً ولا مدعوماً بالأسلحة البيضاء أو النارية، إذ برّأت المحكمة جميع المتهمين من تهمة نسبتها النيابة إليهم، وهي "حيازة أسلحة من دون ترخيص بقصد الاعتداء على المتظاهرين السلميين". وأكملت المحكمة رسم رؤيتها للأحداث لتصبح مختلفة تماماً عن رواية النيابة، فالمتهمون المحاكمون ليسوا قتلة، لم يترصدوا للقتلى في الأحداث ولم يتعمدوا إطلاق الرصاص عليهم، فبقي الفاعل الأصلي في القضية مجهولاً، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم القتلى في هذه الأحداث كانوا من أعضاء جماعة "الإخوان" وأنصار مرسي، وفقاً لتقارير النيابة العامة ذاتها قبل الإطاحة بالحكم القائم حينها، إذ كانت آنذاك تتعامل معهم كمجني عليهم وليسوا جناة، الأمر الذي تبدّل صبيحة اليوم التالي لعزل مرسي.
ما نسبته المحكمة إلى مرسي من استعراض قوة وتلويح بالعنف وتهديد باستخدام القوة، هو صلب ما يُعرف بقانون البلطجة، الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلّحة إبان الفترة الانتقالية الأولى بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو قانون مطاط ذو صياغة مرنة ليفتح الباب أمام المحاكم لتطبيقه على العديد من الأفعال. هذا القانون يتألف من مادتين، أضيفتا إلى قانون العقوبات، ومفادهما "معاقبة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف، أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه أو التهديد بالافتراء عليه أو على أي منهم بما يشينه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة، وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذى به بدنياً أو معنوياً أو هتك عرضه أو سلب ماله أو تحصيل منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه على القيام بأمر لا يلزمه به القانون، أو لحمله على الامتناع عن عمل مشروع، أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو المساس بحريته الشخصية أو اعتباره".
اقرأ أيضاً: "العفو الدولية" تدعو لإعادة محاكمة مرسي أو إطلاق سراحه
وتتراوح العقوبة بين السجن مدة لا تقل عن سنة في الظروف العادية، أو مدة لا تقل عن سنتين إذا اشترك شخصان في الجريمة، أو لا تزيد على 5 سنوات إذا وقعت الجريمة بحق أنثى، وحتى السجن المشدد 20 سنة إذا ترتّب على البلطجة ارتكاب أية جريمة أخرى. وللوصول بعقوبة هذه الجريمة إلى حدّها الأقصى المذكور، اعتبرت المحكمة أن المتهمين ارتكبوا جناية أخرى بناء على البلطجة، وهي "الاحتجاز والحبس من دون مسوغ قانوني".
المثير في هذا الأمر، أن مادتي قانون البلطجة تُعتبران من المواد المهجورة التي يتلافى القضاة تطبيقها بسبب ما يعتريهما من عيوب دستورية، ولا سيما أن دائرة أخرى بمحكمة جنايات القاهرة أحالتهما منذ عدة أشهر إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهما.
ووفقاً لمصادر قضائية في محكمة استئناف الإسكندرية، فإن المحكمة ارتكبت في حكمها خطأ آخر هو رسم صورة غير معقولة للأحداث مما يصبح معه الحكم مرجح الإلغاء في درجة النقض. وشرحت المصادر أن التلويح باستخدام القوة وممارسة البلطجة، إذا لم يقترن باستخدام أسلحة أو غيرها من أدوات استعراض القوة، فهو يبقى "جريمة من دون ظل في الواقع".
وأوضحت المصادر أيضاً أن "فعل البلطجة المنسوب إلى المتهمين لم يثبت على أيٍّ منهم، لأنهم جميعاً كانوا في مكاتبهم أو على شاشات الفضائيات، كما أن التسجيلات التي توافرت لبعض منهم واستندت إليها المحكمة خلت من أي تحريض على استخدام القوة. وأشارت المصادر إلى أن "المحكمة قصرت في حق العدالة، عندما تغاضت عن التحقيق في وقائع مرتبطة بصورة وثيقة بالأحداث، مثل مقتل بعض المواطنين من جانب الإخوان، في الأحداث ذاتها، وفي أوقات متقاربة مع مقتل الصحافي، الحسيني أبوضيف، والمواطن، أحمد سنوسي، وهو ما تغاضت عنه أيضاً النيابة العامة متعمدة"، مضيفة أن هذا التعمد واضح للعيان نظراً لتغير موقف النيابة من القضية بين ليلة وضحاها.
من جهته، قال عضو في إحدى دوائر محكمة استئناف القاهرة الجنائية، رفض ذكر اسمه، إن "منطوق الحكم دليل على قصور تحقيقات النيابة، لأنها لم تأتِ بدليل قاطع على هوية قاتل المواطنين الثلاثة المقيدين في القضية، ولا باقي المواطنين الذين قُتلوا في الأحداث"، مرجحاً أن "تطعن النيابة العامة على هذا الحكم لهذا السبب، لأنه لن يرضيها".
وأوضح القاضي نفسه أن "محكمة النقض في معرض إلغائها حكم السجن المؤبد للرئيس المخلوع، حسني مبارك، ذكرت أن الأوراق خلت من أي دليل على ارتكاب مبارك أو وزير داخليته، حبيب العادلي، جرائم قتل المتظاهرين، على الرغم من أنهما كانا الرئيسين الأعليين للقوات التي تواجه المتظاهرين"، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة المتكررة في جميع قضايا قتل المتظاهرين منذ ثورة يناير مثال صارخ على "شيوع الجريمة، وغياب الفاعل الأصلي".
واعتبر أنه "في ظل هذا الشيوع، كان الأحرى بالمحكمة أن تنظر إلى ملابسات الأحداث ككل، باعتبارها عراكاً أهلياً بين مجموعتين من المواطنين، تراخت الشرطة وتقاعست عن فضه والحيلولة من دون وقوع القتلى والجرحى، إلا أنها استعانت بالقائد العام للشرطة، وهو وزير الداخلية، كشاهد في القضية، وحكمت على طرف من دون الآخر بارتكاب جريمة البلطجة، التي إذا طبقت معاييرها حرفياً ستنسب إلى الطرفين وليس إلى طرف واحد". وأشار القاضي نفسه إلى أن "سلوك النيابة العامة في القضية يستوجب إحالة المحققين فيها إلى التفتيش القضائي، بسبب مغايرتهم في وصف القضية تبعاً للظروف السياسية".
اقرأ أيضاً: إدانات واسعة للحكم بحق مرسي