31 أكتوبر 2024
الحكم بأسلوبٍ مغاير في مغرب جديد
من بديهيات السياسة، ومن قواعد ممارسة الحكم وطقوسها، أن لكل مرحلة رجالها وخصائصها ومقوماتها ومفاهيمها ومناهج حكمها، وهذا ما ينطبق، بدون شك، على الملك محمد السادس، فكونه انتقل من موقع ولي العهد عام 1999، إلى رجل الدولة الماسك بزمام الأمور، يعني أن تغييراً جوهرياً طرأ على أسلوبه وتفكيره، وكيفية ترتيب أولوياته في تدبير الحكم، وتقدير الأهداف الاستراتيجية للدولة والحاجيات الأساسية للمجتمع، خصوصاً وأن الاحتقان والصدمات والصراعات التي ميزت التاريخ السياسي للمغرب على امتداد عقود، كانت من بين دوافع رئيسية لعبت دوراً مركزياً في صياغة المفهوم الجديد للسلطة، والذي أعاد التأكيد عليه في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب المغربي، بمناسبة الذكرى السابعة عشر لعيد الجلوس، يوم 30 يوليو/ تموز الماضي، والذي حدّده في أنه يشكل مذهباً في الحكم، كما أنه يعني المساءلة والمحاسبة التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون. كما أن هذا المفهوم يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب نوع من الفساد.
الالتزام بتفعيل هذا البند وحده في سلوك (وممارسة) الفاعلين والمسؤولين على اختلاف مواقعهم، قادر على وقف عدد من المظاهر المسيئة لأي تجربةٍ ديمقراطيةٍ ناشئة. وفي الحالة المغربية، يطرح بند خدمة الوطن والدفاع عن المصلحة العامة تساؤلاتٍ كثيرة، بسبب أن هناك أزمة هيكلية وعميقة في تمثل الفاعلين السياسيين والمسؤولين الدلالة الأخلاقية والوطنية لهذا البند واستيعابها. وتتجلى ملامح هذه الأزمة في انعدام قيم الحس الوطني وثقافته، وغياب الإحساس بالآخر، بل نجد في تشريح هذا السلوك انتماءً متطرفاً إلى المصلحة الخاصة، وإيماناً راديكالياً بالفردانية وانتصاراً للانتهازية والزبونية.
والغريب في الأمر أن فئةً من المسؤولين المغاربة تعوّدوا على هذه الممارسات التي ارتقت لديهم إلى مستوى القناعات، فلا يجدون حرجاً في التباهي بما حققوه، وتقديم الحجج وحشد الأدلة، لإظهار النجاح المهني والاجتماعي الذي وصلوا إليه، بفضل ارتداء صدرية المصلحة الخاصة، ودرع حماية الفردانية، وهي أدواتٌ، حسب اعتقادهم، كفيلةٌ بتحصينهم، وتأمين استمرارية مصالحهم. وتأخذ المسألة أبعاداً خطيرةً، عندما يتحول هذا السلوك إلى نموذجٍ مرجعيٍّ في المجتمع، حيث لا يتردّد ناسٌ كثيرون في تقفي الخطوات نفسها، والسير في الدرب نفسه، وهم، في فعلهم ذاك، يتطلعون إلى بناء وطن الذات والفردانية، غير مكترثين بما يمكن أن ينجم عن ذلك من أضرارٍ وآثار سلبية.
ومن هذا المنطلق، يمكن أن نعتبر أن إرساء مفاهيم وقواعد جديدة للسلطة، وممارسات بديلة في
مجال تدبير الشأن العام، ليس أمراً سهلاً، كما أن إقناع قطاعات عريضة داخل المجتمع، وتيارات معارضة، لا سيما التي تستند إلى مرجعيةٍ دينيةٍ أو يساريةٍ راديكالية، بالتحولات التي طاولت عدداً من المؤسسات والممارسات، شكل تمريناً سياسياً وبيداغوجياً وثقافياً صعباً، لأنه لم يكن جزءاً كبيراً من دعائم الدولة والحكم، وأيضاً شرائح واسعة من المجتمع والطبقة السياسية، لم تكن هذه المكونات تتصور، أو تقبل، ولو افتراضياً، أن ينخرط المغرب في عهد الملك محمد السادس في مجموعة من الورش والمشاريع الإصلاحية، اتسم بعضها بطابع الثورية، مثل تجربة الإنصاف والمصالحة التي أبان فيها الملك محمد السادس عن حسٍّ إنسانيٍّ عميق، وجرأة سياسية وأخلاقية نادرة، وغير مسبوقة في العالمين العربي والإسلامي، ومدوّنة الأسرة التي أعادت الاعتبار للمرأة، وحصّنت مؤسسة الأسرة ضد التفكك، وقانون الجنسية، وإصلاح الحقل الديني، بما في ذلك تصدير الخبرة المغربية في تكوين الأئمة المعتدلين وتقوية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتحديثها، لمواجهة ظاهرة الإرهاب، وتأهيل الآلة الدبلوماسية، ورسم خارطة طريق جديدة للتنمية البشرية، وإعادة النظر في الشركاء الاقتصاديين والأسواق التجارية وإطلاق مشاريع صناعية ضخمة، وإنشاء موانئ ذات قدرة عالية على التنافسية، مثل ميناء طنجة المتوسط.
غير أن ما يمكن ملاحظته أن هذه الورش الإصلاحية، المؤسسة والمهيكلة، لم تصاحبها دينامية سياسية وحراك فكري داخل الأحزاب السياسية والنخب والمجتمع، حيث ظلت تحركات (وفعالية) الأحزاب، على اختلاف مشاربها، مرتبطةً بالاستحقاقات الانتخابية التي كلما اقترب موعدها تتحول إلى أشبه بالقيامة، مع ما يصاحب ذلك من مزايداتٍ وحروبٍ نفسية وإعلامية وسجالاتٍ، تساهم في ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي، وتخلّ بنبل العمل السياسي ومضمون العملية الانتخابية. وهذا ما توقف عنده الملك محمد السادس في خطابه الجديد، عندما قال: ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارساتٍ تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحاتٍ ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمسّ بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولةٍ لكسب أصوات وتعاطف الناخبين. مضيفاً أنه بمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومةً وأحزاباً، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب، علماً أن تمثيل المواطنين، في مختلف المؤسسات والهيئات، أمانة جسيمة، فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.
ويعيش المغرب لحظةً مفصلية في تاريخه الحديث، لحظة إنجاز ورش إصلاحية كبيرة، سترهن مستقبل البلاد في كل المجالات. يتعلق الأمر بورش الجهوية المتقدّمة المسنودة بالمراجعة العميقة والشاملة للدستور، وبخطة الحكم الذاتي في الصحراء.
وخلافاً لما كان عليه الشأن في تجارب سابقة، تتميز ورش الجهوية المتقدمة، هذه المرة، بأنها
تتجاوز الجوانب الإدارية والأمنية والانتخابية الضيقة، لتنفتح على رهاناتٍ وتحدياتٍ يمكن إجمالها في ثلاثة مستويات: رهان التنمية التي يُرجى أن تخلق الثروة وتوفر شروط العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي، رهان انفتاح المغرب على محيطه الأورو – متوسطي، في إطار التبادل التجاري الحر. وأخيراً، رهان تجديد النخب واستيعاب الفئات الشابة، نساءً ورجالاً، المسلحة بالطموح والكفاءة والحليف الموضوعي لنموذج دولة القانون، ضدّاً على انحرافات الفساد المالي والتطرّف الديني.
وتمثل هذه المشاريع والإصلاحات المحرّك الأساسي للتنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي. وهناك شبه إجماع على أن ما حققه المغرب، في ظرف 17 سنة في قطاعاتٍ متنوعةٍ، ومجالات كثيرة، يفوق ما تم إنجازه على مدى حوالى أربعين سنة.
الالتزام بتفعيل هذا البند وحده في سلوك (وممارسة) الفاعلين والمسؤولين على اختلاف مواقعهم، قادر على وقف عدد من المظاهر المسيئة لأي تجربةٍ ديمقراطيةٍ ناشئة. وفي الحالة المغربية، يطرح بند خدمة الوطن والدفاع عن المصلحة العامة تساؤلاتٍ كثيرة، بسبب أن هناك أزمة هيكلية وعميقة في تمثل الفاعلين السياسيين والمسؤولين الدلالة الأخلاقية والوطنية لهذا البند واستيعابها. وتتجلى ملامح هذه الأزمة في انعدام قيم الحس الوطني وثقافته، وغياب الإحساس بالآخر، بل نجد في تشريح هذا السلوك انتماءً متطرفاً إلى المصلحة الخاصة، وإيماناً راديكالياً بالفردانية وانتصاراً للانتهازية والزبونية.
والغريب في الأمر أن فئةً من المسؤولين المغاربة تعوّدوا على هذه الممارسات التي ارتقت لديهم إلى مستوى القناعات، فلا يجدون حرجاً في التباهي بما حققوه، وتقديم الحجج وحشد الأدلة، لإظهار النجاح المهني والاجتماعي الذي وصلوا إليه، بفضل ارتداء صدرية المصلحة الخاصة، ودرع حماية الفردانية، وهي أدواتٌ، حسب اعتقادهم، كفيلةٌ بتحصينهم، وتأمين استمرارية مصالحهم. وتأخذ المسألة أبعاداً خطيرةً، عندما يتحول هذا السلوك إلى نموذجٍ مرجعيٍّ في المجتمع، حيث لا يتردّد ناسٌ كثيرون في تقفي الخطوات نفسها، والسير في الدرب نفسه، وهم، في فعلهم ذاك، يتطلعون إلى بناء وطن الذات والفردانية، غير مكترثين بما يمكن أن ينجم عن ذلك من أضرارٍ وآثار سلبية.
ومن هذا المنطلق، يمكن أن نعتبر أن إرساء مفاهيم وقواعد جديدة للسلطة، وممارسات بديلة في
غير أن ما يمكن ملاحظته أن هذه الورش الإصلاحية، المؤسسة والمهيكلة، لم تصاحبها دينامية سياسية وحراك فكري داخل الأحزاب السياسية والنخب والمجتمع، حيث ظلت تحركات (وفعالية) الأحزاب، على اختلاف مشاربها، مرتبطةً بالاستحقاقات الانتخابية التي كلما اقترب موعدها تتحول إلى أشبه بالقيامة، مع ما يصاحب ذلك من مزايداتٍ وحروبٍ نفسية وإعلامية وسجالاتٍ، تساهم في ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي، وتخلّ بنبل العمل السياسي ومضمون العملية الانتخابية. وهذا ما توقف عنده الملك محمد السادس في خطابه الجديد، عندما قال: ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارساتٍ تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحاتٍ ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمسّ بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولةٍ لكسب أصوات وتعاطف الناخبين. مضيفاً أنه بمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومةً وأحزاباً، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب، علماً أن تمثيل المواطنين، في مختلف المؤسسات والهيئات، أمانة جسيمة، فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.
ويعيش المغرب لحظةً مفصلية في تاريخه الحديث، لحظة إنجاز ورش إصلاحية كبيرة، سترهن مستقبل البلاد في كل المجالات. يتعلق الأمر بورش الجهوية المتقدّمة المسنودة بالمراجعة العميقة والشاملة للدستور، وبخطة الحكم الذاتي في الصحراء.
وخلافاً لما كان عليه الشأن في تجارب سابقة، تتميز ورش الجهوية المتقدمة، هذه المرة، بأنها
وتمثل هذه المشاريع والإصلاحات المحرّك الأساسي للتنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي. وهناك شبه إجماع على أن ما حققه المغرب، في ظرف 17 سنة في قطاعاتٍ متنوعةٍ، ومجالات كثيرة، يفوق ما تم إنجازه على مدى حوالى أربعين سنة.