تقهقر تنظيم "داعش" بشكل كبير بعد نحو 40 شهراً من اجتياحه لمساحات واسعة من الأراضي العراقية، تاركاً خلفه خسائر بشرية ومادية تعادل في بعضها 10 أضعاف ما خسره العراق في الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003، فيما حثت وزارة الدفاع العراقية عناصر "داعش" على الاستسلام أو مواجهة الموت، مع استعداد القوات العراقية لمهاجمة آخر معاقلهم في البلاد.
وأكمل العراق، مع مغيب شمس العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، 40 شهراً منذ اجتياح تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من مدن شمال وغرب وأجزاء من وسط البلاد، وصلت إلى 49 في المائة من الأراضي العراقية مع نهاية العام 2014، وذلك بعد قدومه من الأراضي السورية منتصف العام نفسه، وسط انهيار تام لقوات الجيش والشرطة العراقيين. واستغل التنظيم انتفاضة العشائر العربية آنذاك ضد سياسة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الطائفية، ليقتحم الحدود الشمالية والغربية مع سورية، عبر الآلاف من مقاتليه، الذين التحق بهم عناصر من داخل البلاد، سواء من المجندين الجدد أو من السجون التي تم اقتحامها وتحرير النزلاء فيها، وبلغ عددهم نحو 8 آلاف سجين، بينهم زهاء خمسة آلاف سجين محكوم من أعضاء تنظيم "القاعدة" السابقين، بعضهم قيادات بارزة.
ووفقاً لتقرير صادر عن لجنة حكومية مشتركة من عدة وزارات، سربه موظف رفيع المستوى في رئاسة الوزراء، لـ"العربي الجديد"، وتم إعداده بهدف التحضير لمؤتمر المانحين الدولي المزمع عقده في الربع الأول من العام المقبل، فقد بلغت الخسائر البشرية والمادية خلال الـ40 شهراً الماضية، مستويات قياسية، تعادل في بعضها 10 أضعاف ما خسره العراق في الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003. وتشير الأرقام التقريبية إلى مقتل وإصابة أكثر من 150 ألف مدني، يشكل الأطفال والنساء نحو 50 في المائة منهم، غالبيتهم من سكان المحافظات الشمالية والغربية ومن المكون السني، في حين بلغت خسائر القوات العراقية النظامية نحو 50 ألف قتيل وجريح، واحتلت قوات الجيش العراقي فيها المرتبة الأولى، ثم جهاز مكافحة الإرهاب المرتبة الثانية، في أعلى معدل قتلى سقط لتشكيلات الجيش العراقي. وعن الخسائر المادية، فقد بلغت كلفة الخسائر في عموم مدن العراق أكثر من 100 مليار دولار، شملت 120 ألف وحدة سكنية بين تدمير كامل أو جزئي، فضلاً عن دمار لحق بأكثر من 80 في المائة من البنى التحتية، كالمستشفيات والمدارس ومحطات الماء والكهرباء والطرق والجسور والخدمات الأخرى، مثل المراكز الصحية والمباني الحكومية الخدمية وشبكات الاتصال والصرف الصحي والبنوك والمصارف وحقول النفط ومصافي التكرير وأنابيب نقل النفط والغاز والمعامل والمصانع الحكومية والأهلية.
وتصدرت الموصل أعلى مدن العراق تدميراً، تليها الرمادي ثم بيجي وجرف الصخر والفلوجة وتكريت. وبلغ عدد المدن والحواضر السكانية المدمرة 31 مدينة رئيسية من محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل، فيما تم تسجيل 200 ناحية وقصبة وبلدة صغيرة ضمن المناطق المدمرة، مثل الصقلاوية وسلمان بيك والعياضية، فضلاً عن 1649 قرية. وتم تسجيل 5.1 ملايين نازح داخل العراق، يتوزعون على 103 مخيمات ومعسكرات وتجمعات نزوح في وسط وشمال البلاد، ونحو 900 ألف لاجئ في الأردن وتركيا ولبنان. وتم سبي وانتهاك أعراض أكثر من 9 آلاف امرأة من الطائفة الأيزيدية، فضلاً عن سرقة وتدمير 53 موقعاً أثرياً مهمّاً في العراق، بينها كنائس ومساجد وقبور وأضرحة أنبياء وصحابة.
ووفقاً للموظف في رئاسة الوزراء، فإن التقرير غير رسمي، ولم تتم المصادقة عليه حتى الآن لاعتماده، كون الحرب ما زالت مستمرة، فيما تؤكد مصادر حقوقية في بغداد، بينها رئيس منظمة السلام لحقوق الإنسان العراقية، محمد علي، وجود 80 ألف معتقل ومغيّب قسرياً، بينهم نحو 9 آلاف شخص لدى المليشيات. ويضيف علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية ضحايا احتلال داعش للعراق هم من السنة"، مؤكداً أن "أبرز ملامح الأشهر الأربعين هو خلق دولة المليشيات أو دولة الظل المليشياوية، إذ خلقت هذه الفترة 37 مليشيا راديكالية مسلحة متورطة بقتل العراقيين على الهوية". ويوضح علي أنه "يمكن وصف تنظيم داعش بأنه أبشع تنظيم إرهابي عرفه التاريخ، وكلفة استئصاله كورم من العراق كانت باهظة، إذ أدت حروب تحرير المدن إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الأبرياء، بالقصف الجوي والصاروخي والمعارك". ويلفت إلى أن "خسائر العراق جراء دخول داعش لا يمكن حصرها بشكل دقيق الآن، لكن يكفي أن نقول اليوم إن لدينا جيشاً من الأرامل والأيتام والأميين، وافتتحت أكثر من 80 مقبرة جديدة، ولدينا اليوم 456 مقبرة جماعية في عموم مدن البلاد، و3 ملايين طفل تركوا التعليم طيلة هذه المدة، كما أن لدينا نسبة فقر مخيفة في المدن المنكوبة بداعش تصل إلى 45 في المائة، وبطالة تفوق الأربعين في المائة".
وحول ذلك، يقول مقرر لجنة حقوق الإنسان العراقية، أرشد الصالحي، لـ"العربي الجديد"، إن "الذكرى ليست مرور 40 شهراً على اجتياح داعش، بل على بدء الصفحة الثانية من مشروع تدمير العراق، فكانت لدينا بعد الاحتلال صفحة القاعدة، واليوم داعش، وغداً الصفحة الثالثة والأخيرة وهي تقسيم العراق، وبدأت بالاستفتاء الكردي شمال العراق". ويضيف "تكبد العراق خسائر مرعبة خلال هذه الفترة من التنظيم الذي لا دين ولا مذهب له، وخلّف لنا عشرات الآلاف من الضحايا ودماراً لا يشبه أي دمار آخر شهدته أي دولة في العالم"، موضحاً "الآن هم يخرجون من المدن واحدة تلو الأخرى، فكيف يخرجون وإلى أين، ومن سمح لهم بالخروج؟ هذه أسئلة تريد إجابات على الأقل من ذوي الضحايا"، واصفاً أبرز الخسائر بأنها "بشرية، ومن ثم التفكك الاجتماعي الذي حل بالعراق بعد احتلال إرهابيي داعش للمدن العراقية".
من جانبه، يقول القيادي في التحالف الحاكم في العراق، عباس البياتي، لـ"العربي الجديد"، إن "الفترة الماضية كانت الأقسى على سكان مدن شمال وغرب العراق". ويضيف "40 شهراً من المعارك والتدمير لإرهابيي داعش تزامنت مع انخفاض أسعار النفط واحتياجات المعركة المتزايدة. لقد كانت حرب تحدٍ، واليوم نحن نستعد للاحتفال بنهاية داعش من خلال معركة القائم وراوة، غرب العراق، آخر مناطق يسيطر عليها"، فيما أعلنت وزارة الدفاع العراقية، أمس الجمعة، أن طائراتها ألقت آلاف المنشورات على آخر معاقل "داعش" في البلاد، حثت فيها مَن تبقى من مسلحي التنظيم على الاستسلام أو مواجهة الموت قبيل هجوم مرتقب. وأوضحت، في بيان، أن "طائرات سلاح الجو ألقت، ليل الخميس - الجمعة، آلاف المنشورات على القائم وراوة على الحدود مع سورية في محافظة الأنبار"، موضحة أن "المنشورات تتضمن توجيه إنذار نهائي لعناصر داعش بالاستسلام أو الموت. كما تحتوي على معلومات للمدنيين للابتعاد عن مواقع تنظيم داعش واتباع التعليمات التي تصدرها إذاعة مخصصة لهذا الغرض". وتدعو المنشورات "السكان إلى نصح كل عراقي حمل السلاح بوجه الدولة من أبنائهم وأقاربهم بأن يرموا أسلحتهم ويلجأوا إلى أي بيت ويرفعوا على سطحه علماً أبيض حال دخول قوات التحرير".
ويبين البياتي أن "خسائر العراق المالية بلغت نحو 100 مليار دولار، وسنحتاج لأكثر من 10 سنوات لإعمار ما تم تدميره، لكن للأسف خسرنا الكثير من الأبرياء بسبب هذا الورم الخبيث الذي دخل العراق". ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع العراقية، النائب حامد المطلك، إن "الأضرار كانت لا توصف، وما زاد من المعاناة الفساد والإفراط باستخدام القوة من قبل القوات العراقية في تحرير المدن من سيطرة التنظيم الإرهابي وجرائم وانتهاكات بعض المليشيات بحق المدنيين". ويضيف "حصاد داعش أكبر من أن يحصر بالأرقام، لكن يكفي القول إن مدناً مُسحت بالأرض، وعوائل شردت، ونفوساً دمرت وبلاء كبيراً حل بالعراقيين السنة على يد من ادعى زوراً وكذباً أنه يمثلهم، سواء في العراق أو سورية".