الحشد الشعبي.. هل ينسحب من المدن؟

29 اغسطس 2018
+ الخط -
كَثر الحديث أخيرا عن دوافع قرار هيئة مليشيا الحشد الشعبي، في 18 أغسطس/ آب الجاري، القاضي بمغادرة كل عناصرها من المدن، وخصوصا المناطق "المحرّرة" من تنظيم داعش الإرهابي شمالي البلاد وغربها، وفك ارتباطها مع الأحزاب والعتبات التي ساهمت في تشكيلها.
والسؤال هو: لماذا صدر القرار في هذا التوقيت بالتحديد، بالتزامن مع مشاورات تشكيل الكتلة الأكبر، علماً أن تلك المناطق، أي شمالي البلاد وغربيها، كانت قد طالبت، منذ البداية، بعدم بقاء مليشيا الحشد أو أي تشكيل عسكري داخل المدن، وهي التي ارتكبت جرائم وحشية عديدة ضد المدنيين هناك، بدوافع طائفية تارّة، وبحجة التعاطف مع تنظيم داعش تارة أخرى.
من هذا المنطلق، يبدو أنّ قرار هيئة هذه المليشيا سياسي، يستبق مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر التي تخولها تشكيل الحكومة لاحقاً، ومسعى إلى جذب أكبر عدد من الحلفاء، لتحقيق الهدف، وقد يكون الأكراد المعنيين بذلك، إذ تفيد المعلومات بأنّ قرار الانسحاب من المدن مطلب كردي أكثر من كونه مطلبا سنيا، وهو خطوة أولى من طلبات الكرد، في إطار المفاوضات التي تجري الآن، وهي الانسحاب من المدن، ومن ضمنها كركوك، ومن ثم المناطق "المتنازع" عليها. وإن صحّت هذه المعلومات، فهذا يعني أنه انسحاب سياسي، ومحاولة رخيصة لإثبات مصداقيتها والتزامها داخل أي اتفاق سياسي تتم بلورته، مع الأطراف السياسية على حساب الوطن.
تستحضر هذه السياسات العدائية التي تنتهجها تلك المليشيات موقفا لها ينقض قرارها، حيث سبق لها أن رفضت خطة أقرها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بداية العام الجاري، تقضي بإخلاء مقراتها داخل المناطق والأحياء السكنية والأسواق العامة، وتسليمها للشرطة المحلية وقوات الجيش خلال أسبوعين، ضمن متطلبات التهيئة لإجراء الانتخابات التشريعية في العراق التي جرت في مايو/ أيار الماضي، حيث كشف آنذاك مسؤول حكومي في بغداد، "عن وجود رفض ومماطلة لعدد من فصائل مليشيات الحشد الشعبي، التي عملت على عدم تنفيذ القرار الحكومي.
والحقيقة أن تلك المليشيات تمارس، بعد أن انتهت من جرائمها البشعة، أنشطة مختلفة، منها عمليات اعتقال ودهم وتفتيش بدون مذكرات قضائية، كما يتهم قسم منهم بممارسة عمليات ابتزاز وتلقي رشى مالية في مقابل تمرير مصالح المواطنين، أو تمرير بضائع التجار إلى تلك المدن من خلال حواجز التفتيش التي تقيمها.
خلاصة القول، زجّت هيئة هذه المليشيات أبناء الجنوب والفرات الأوسط في اقتتال مع أشقائهم في المناطق الغربية مستغلة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، لتعميق الشرخ بين أبناء الوطن الواحد من جهة، ولتحقيق مكاسب سياسية، تديم بقاءها على الأرض، ضمن خطة إيران، للاستمرار في فرض هيمنتها على مفاصل الدولة العراقية.
B87A50A6-EB76-4C1C-BAEE-0DF0554A6A9A
B87A50A6-EB76-4C1C-BAEE-0DF0554A6A9A
عامر السامرائي (العراق)
عامر السامرائي (العراق)