الحريري يرد على نصرالله اليوم: نرفض "الابتزاز"

13 نوفمبر 2018
عاد الحريري إلى لبنان من فرنسا أمس (حسين بيضون)
+ الخط -
عاد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى بيروت، على وقع خطاب التصعيد والتهديد الذي خرج به الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، يوم السبت الماضي، على خلفية المطالبة بتوزير أحد أعضاء "السنّة المستقلين"، وهم من المحسوبين على الحزب. واعتبر نصرالله أن "توزير سنّي من خارج تيار المستقبل هو أمر حتمي، ولو تأخرت الأمور سنة وسنتين وألف سنة". ووضع نصرالله الحريري أمام خيارات ليست سهلة، رغم امتلاك الثاني أوراق قوة قد يستخدمها اليوم الثلاثاء، في مؤتمره الصحافي المقرر في بيت الوسط ببيروت، في مرحلة دقيقة لـ"حزب الله" دولياً. لا أحد في تيار "المستقبل" يدرك ما سيخرج به الحريري في مؤتمره الصحافي، كثر يؤكدون أنه وحده لديه الإجابة عما سيحمله المؤتمر الصحافي، لكن الجو العام يشير بوضوح إلى أن التنازل بات مستحيلاً في بيت الوسط.

عملياً يدرك تيار "المستقبل" أن ما تحدث عنه نصرالله هو تهديد واضح للجميع، للحريري ولرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وكذلك لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لكن في المقابل يبدو أن "حزب الله" أيضاً أخطأ الحساب، خصوصاً أن أي مغامرة شبيهة بـ7 أيار 2008 (يوم اجتياح غربي بيروت)، ستعني أن الحزب المطوّق دولياً على خلفية مشاركته في الحرب السورية، وعلى خلفية العقوبات الأميركية، وعلى خلفية تبعيته لإيران، وعلى خلفية ما سيصدر قريباً جداً من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، سيضع نفسه في مأزق جديد دولياً.

الأكيد في بيت الوسط وفي أروقة تيار "المستقبل" أن الحريري ليس في وارد الرضوخ لابتزاز "حزب الله". الأزمة أولاً تنطلق من "العنجهية" اللغوية التي خرج بها نصرالله لفرض شروطه، ولإعلان أنه "بات مرشداً لبنانياً، وشريكاً في اللعبة السياسية، متخطياً صلاحيات رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ومستنداً إلى فائض القوة التي يملكها"، وفق توصيف مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد".

والأكيد أيضاً أن رفض الابتزاز هذا، سيكون حاضراً بقوة في خطاب الحريري، ما لم تفعل الساعات الفاصلة، والشخصيات التي تسعى إلى الوساطة، وتذليل العقبات والتهدئة، فعلتها، وتدفعه إلى خطاب يرد فيه من دون أن يصعّد، بما أن الرد بات واجباً بعد ما حمله خطاب نصرالله.

وتتراوح الترجيحات حول ما سيقوله الحريري، بين رد مفنّد يشرح فيه العقدة السنية، وما رافق عملية تأليف الحكومة من عقبات، ومن محاولات لتطيير الحكومة، وبين تصعيد يصيب الحزب مباشرة، عبر استخدام نفس المصطلحات التي استخدمها نصرالله، مثل "التواضع" الذي نسبه للحزب، فيما يعتبر تيار "المستقبل" أنه هو أم الصبي، وهو الذي تواضع مراراً لإنقاذ البلد، في وقتٍ كان "حزب الله" يجر البلد من مغامرة إلى أخرى. وأبرز دليل على تواضع "التيار" والحريري شخصياً، هو فصله قبل سنوات عمل المحكمة الدولية عن المسار السياسي اللبناني، وقبوله بالجلوس إلى طاولة الحكومة بجانب من يعتبرهم "قَتَلَة أبيه".

وذكرت مصادر مطلعة من تيار "المستقبل" أن "ما قاله نصرالله لا يحمل أدنى شك بأنه تهديد، لكنه تهديد من موقع الضعف وليس موقع القوة، على الرغم من أن نصرالله، يحاول استثمار فائض قوته من السلاح، ومن دوره الإقليمي في الداخل اللبناني، منتهزاً فرصة التخبط العربي، والعلاقة المضطربة الأخيرة بينه وبين الحريري، لكن عملياً ما لم يحسب له نصرالله حسابا، هو أن الحريري قادر على قلب الطاولة أقله عبر الموقف السياسي". وسألت المصادر: "ماذا لو خرج الحريري الذي كان قبل أيام مع زعماء العالم، معلناً أن لبنان رهينة السلاح، ورهينة فائض القوة لدى حزب الله، وبات ولاية إيرانية؟".



ثمة قناعة لدى الحريري وتيار "المستقبل" تشير إلى أن "حزب الله" يرفع السقف كثيراً، لعله يستطيع المفاوضة والمقايضة دولياً، عبر لبنان، ومفادها أيضاً أن لبنان برمته بات ورقة في يد إيران، في مرحلة تحاول فيها إيران استنفار كل الأوراق لديها، لمواجهة الولايات المتحدة، خصوصاً أن معركة العقوبات ضد إيران وضد "حزب الله" تعني معركة حياة أو موت. وهنا يبرز بوضوح دور لبنان، الذي تعوّل عليه إيران، و"حزب الله" للالتفاف على العقوبات نسبياً، أو التهرب من بعضها.

وبناءً عليه قالت المصادر إن "حزب الله يمكنه السيطرة عسكرياً على البلد في أقل من 24 ساعة، خصوصاً أنه لا يوجد أي خصم يمكنه الوقوف في وجهه، أو يريد الوقوف في وجهه، والكل في لبنان يدرك هذه الحقيقة، كما يدرك بوضوح أن لبنان بات رهينة في يد حزب الله، لكن ماذا بعد؟".


ساعات ويخرج الحريري متسلحاً بالتفاف سني، وشعبي، وسياسي كامل حوله من قبل رؤساء الحكومة السابقين، وديني من قبل دار الفتوى، وسيرمي الكرة في ملعب الحزب مجدداً، وسيبقي الأبواب مفتوحة على حلول لا يتنازل فيها هو، ولا "حزب الله"، وسط ترجيح أن يكون الحل في بعبدا، وعند رئيس الجمهورية ميشال عون. وفي المقابل، يريد الحريري من الإطلالة القول لـ"حزب الله" بوضوح أو مواربة إن "هذه الحكومة، وإن الشراكة معه، هي بالدرجة الأولى تواضع من قبله ومن قبل تيار المستقبل، خصوصاً أن الحزب لن يجد من يقبل بتغطيته، على رأس السلطة الثالثة، كما لن يكون بمقدوره تشكيل حكومة برئاسة شخصية سنية محسوبة عليه، لأن ذلك دولياً يعني سقوط لبنان كلياً في الحضن الإيراني".

ما هي الخيارات أمام الحريري؟ فعلياً ليس الحريري من يبحث عن خيارات، فالمُحرَج اليوم وبدليل اللهجة التي خرج بها، هو الحزب، والحريري لن يتراجع، بحسب المصادر، التي سألت "ما هي الخيارات أمام نصرالله؟ 7 أيار جديد؟ تكليف شخصية سنية محسوبة عليه؟ اختيار شخصية سنية ليست مقبولة من قبل الأغلبية السنية؟ اختيار شخصية يقف بوجهها تيار المستقبل ورؤساء الحكومة السابقون ودار الفتوى؟ تأليف حكومة من لون واحد؟ إذا كانت هذه خيارات الحزب، فهذا عملياً يعني نهاية البلد وحزب الله معه، من دون إسقاط أن الحزب لن يكون بعيداً عن هذا الخيار لتحويل لبنان برمته إلى ورقة في يده، ومن دون إسقاط أيضاً أن خيار المؤتمر التأسيسي والمثالثة لا يزال مطروحاً في أدبياته السياسية، بدليل خطابه الأخير، الذي تحدث به مواربة عن ضرورة حصول الثنائي الشيعي على ثلث الحكومة".

دخل البلد فعلياً في مرحلة عض الأصابع. هي مرحلة لن يكون سهلاً تجاوزها، فما بعد خطاب نصرالله، ومؤتمر الحريري الصحافي، لن يكون كما قبله سياسياً، خصوصاً أن السعودية ضغطت مراراً على الحريري منذ أشهر لفتح معركة سياسية ضد "حزب الله"، لكن الحريري رفض يومها، وكانت النتيجة اضطراب العلاقة بينهما، أما اليوم فيبدو أن الحسابات قد تختلف.