الحريري وميقاتي... صفحة جديدة لشراكة سياسية في لبنان؟

31 اغسطس 2018
تفوّق ميقاتي في الانتخابات الأخيرة في طرابلس (حسين بيضون)
+ الخط -
صفحة جديدة تُفتح بين رئيس الحكومة المكلف في لبنان، سعد الحريري، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، فالرجلان وضعا خلفهما المرحلة الخلافية السابقة، وأسسا في الأسابيع الأخيرة لمرحلة جديدة، لا تزال حتى الساعة محصورة بالتشاور في إطار موقع رئاسة الحكومة، وتأليف الحكومة في ظل تعويل بعض الأطراف السياسية على احتمال تهميش الحريري وتسمية شخصية أخرى لمهمة تأليف الحكومة، قد تكون ميقاتي نفسه الذي يصف نفسه بأنه "وسطي" بين معسكر حلفاء حزب الله والنظام السوري وإيران من جهة، ومعسكر المعارضين لهذا الحلف من جهة ثانية. وشهدت العلاقة بين الرجلين محطات عديدة، بدأت فعلياً في العام 2005 إثر تأليف ميقاتي حكومته الأولى لإجراء الانتخابات النيابية، بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. أدى ميقاتي آنذاك دوره، بعد أن سُمي لهذا المنصب من منطلق أنه شخصية سياسية "توافقية"، فأشرف على إجراء الانتخابات من دون أن يترشح.

ظهر ميقاتي للمرة الأولى في عالم السياسة اللبنانية في عام 1998، تولى آنذاك منصب وزير الأشغال العامة في حكومة سليم الحص، في لحظة اشتباك سياسي بين رئيس الجمهورية حينها إميل لحود، المحسوب على النظام السوري، ورفيق الحريري. كان ميقاتي صديقَ آل الأسد وشريكاً لرموز نظامه في مشاريع اقتصادية كبيرة في سورية، ولسنوات كان يُعتبر في لبنان مشروعاً مضاداً لرفيق الحريري. ذهبت حكومة سليم الحص (2000)، وعاد رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة، لكن ميقاتي بقي وزيراً للأشغال، وأضاف إلى الوزارة صفة نائب، بعد أن نجح في الدورة الانتخابية عام 2000 في دائرته طرابلس. لكن طوال هذه الفترة لم يتحوّل ميقاتي، على الرغم من مليارات ثروته، إلى رقم مهم في المعادلة السياسية.

قدّم عام 2005 لميقاتي فرصة الدخول إلى نادي رؤساء الوزراء. يُسجل له أنه وعلى الرغم من أنه محسوب على النظام السوري، وعلى علاقة صداقة شخصية بآل الأسد، إلا أنه بقي على مسافة من جميع الأطراف داخلياً، وربما هذا ما أدى إلى التوافق على تسميته لرئاسة الحكومة في لحظة سياسية لبنانية صعبة. في عام 2009، خاض ميقاتي الانتخابات النيابية إلى جانب سعد الحريري. كان الشعار المرفوع آنذاك عدم خوض معركة في مدينة طرابلس، ثاني أكبر المدن اللبنانية، وهي تضم أغلبية ساحقة من الطائفة السنّية. نجح ميقاتي على لائحة الحريري، لكن حجمه السياسي بقي غامضاً.

أول خلاف علني بين الحريري وميقاتي وقع في عام 2011. يومها وافق ميقاتي على تأليف حكومة جاءت إثر أزمة سياسية كبيرة، بعد أن استقال وزراء "قوى 8 آذار" من حكومة الحريري، خلال زيارته إلى واشنطن. رضي ميقاتي بالمهمة. نزل جمهور تيار "المستقبل" إلى الشارع اعتراضاً على تكليف شخصية سنّية غير الحريري، الممثّل الأكبر لهذه الطائفة ضمن المعادلة اللبنانية. ثم ذهبت حكومة ميقاتي، وجاءت حكومة تمام سلام المحسوب على الحريري، لكن العلاقة بين الحريري وميقاتي بقيت مقطوعة. انقطاع دام طويلاً بما أن الخلاف بينهما لم يكن سياسياً فحسب بل شخصياً. يومها اعتبر شارع تيار "المستقبل" أن ميقاتي خان الحريري، وقَبِل بمهمة كانت تهدف إلى تحجيم الأخير.

شكّلت الانتخابات البلدية في العام 2016 فرصة لإعادة وصل ما انقطع. على مضض خاض الحريري وميقاتي الانتخابات جنباً إلى جنب. وخسراها جنباً إلى جنب أمام لائحة وزير العدل الأسبق أشرف ريفي. انتهت الانتخابات وعادت العلاقة إلى توترها السابق، وصولاً إلى الانتخابات النيابية الأخيرة قبل أشهر والتي تخلّلتها تصريحات من العيار الثقيل، واتهامات متبادلة.

بعد عشرين عاماً على دخوله عالم السياسة، نجح ميقاتي في إثبات شعبية ما راكمه خلال السنوات الأخيرة. أفرزت نتائج الانتخابات النيابية في الشمال ولأول مرة واقعاً جديداً. تفوقت لائحة ميقاتي على لائحة "المستقبل" في هذه المدينة في 6 مايو/أيار الماضي، ونالت 4 مقاعد مقابل 3 لتيار "المستقبل"، والذي كان يُعتبر القوة الأكبر في المدينة منذ العام 2005. بات لزاماً على "المستقبل" مع انتهاء الانتخابات النيابية التعامل مع واقع جديد: ميقاتي الرقم الأول في المدينة، وتيار "المستقبل" لم يعد يختزل تمثيلها.



بعد انتهاء الانتخابات النيابية، لم يكن أحد يتوقع أن تُفتح صفحة جديدة بين الحريري وميقاتي، بعد أن بات الأخير منافساً جدياً على موقع رئاسة الحكومة، ليس من منطلق الألقاب، بل من منطلق ما يمثّل، وما أفرزته الانتخابات النيابية، ومن منطلق ثروته المالية أيضا، والأهم أنه الشخصية الوحيدة التي تصلح لمواجهة الحريري، إذا أرادت قوى 8 آذار ترشيح شخصية أخرى لمنصب رئاسة الحكومة. دخل على الخط فور انتهاء الانتخابات أكثر من طرف سياسي محلي وإقليمي لرأب الصدع بين ابن طرابلس (ميقاتي) وابن صيدا (الحريري)، بحسب معلومات "العربي الجديد"، وتحديداً رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. جاء ملف صلاحيات موقع رئاسة الحكومة في الوقت المناسب مسهلاً لمهمة السنيورة، إثر ما شهدته الساحة السياسية من تصريحات بعد تأخر تأليف الحكومة. دعا الحريري إلى لقاء لرؤساء الحكومات السابقين، لبّى ميقاتي الدعوة إلى جانب السنيورة وتمام سلام، وخرج اللقاء بموقف داعم للحريري وللموقع.

سبقت لقاءات رؤساء الحكومة وتلتها، أكثر من مبادرة. افتُتحت الخطوط مع تسمية ميقاتي للحريري لتأليف الحكومة. تلا ذلك لقاء الاستشارات النيابية، الذي مهّد لتنسيق أكبر بين الرجلين، خصوصاً أن الحريري قال يومها: "ميقاتي هو خير من يمثّل طرابلس". شكّل موقف الحريري اعترافاً علنياً بما يمثّله ميقاتي، الذي رد برفض حضور الاجتماعات بين النواب السنّة المحسوبين على قوى 8 آذار، والمطالبين بمقعد وزاري في الحكومة الجديدة.

عملياً تؤكد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن لا اتفاق بين الرجلين بعد، وأن كل ما في الأمر أنهما يلتقيان على موضوع رئاسة الحكومة، من موقعهما، ولكن هذا الالتقاء يمهد لمرحلة جديدة، خصوصاً أن التواصل بينهما بات يتم مباشرة، وأن كليهما على استعداد لترسيخ العلاقة في المرحلة المقبلة. وعلى الرغم من أن الأمور لم تنضج بعد للحديث عن المرحلة المقبلة بين الرجلين، إلا أن مصادر "المستقبل" تتحدث عبر "العربي الجديد" بإيجابية عن العلاقة الجديدة بين الحريري وميقاتي. تقول إنها بالدرجة الأولى تستند إلى حماية موقع رئاسة الحكومة، وتؤكد أنها لم تسلك بعد أي منحى آخر، لا على صعيد الملفات الأخرى، ولا على صعيد التنسيق في طرابلس. لكن هل يبنى على هذه التطورات؟ تجيب المصادر بالتأكيد أن صفحة جديدة فُتحت، لكن لا يبدو أنها ستأخذ أشكالاً أخرى إلا بعد انتهاء مرحلة تأليف الحكومة، خصوصاً أن الحريري بتصريحه قبل أسابيع، فتح مجالاً لتوزير شخصية محسوبة على ميقاتي، وبالتالي قطع بذلك الطريق أمام مطالب النواب السنّة المحسوبين على فريق 8 آذار.

بين الأشواط التي قطعتها العلاقة بين الحريري وميقاتي، يبقى موضوع توزير شخصية محسوبة على ميقاتي مدخلاً أساسياً لترسيخ العلاقة بشراكة حكومية. وتكشف مصادر مطلعة على العلاقة بين الرجلين لـ"العربي الجديد" أن الحريري أبدى جهوزية للشراكة مع ميقاتي حكومياً، خصوصاً أن هذا الأمر يُخرجه من الضغط الذي يمارسه النواب السنّة المحسوبون على قوى 8 آذار. كما أن هذا الأمر يؤدي حكماً إلى انتقال العلاقة بينهما من خانة التقاء على عنوان صلاحية رئاسة الحكومة، إلى شراكة سياسية في الحكومة المقبلة، على الرغم من أن لا مؤشرات حالية على تأليف قريب للحكومة.