الحرب والإبداع... الكتابة ميراث أحفاد الضحايا

19 ديسمبر 2016
+ الخط -

الحرب والإبداع... الكتابة، ميراث أحفاد الضحايا في مقبل الأيام.


أصبحت سورية ساحة حرب وميداناً للصراعات الدولية، وخلال خمس سنوات من الصراع الدموي والاقتتال الطاحن بين الفصائل المسلحة والنظام السوري من جهة، واقتتال تلك الفصائل بين بعضها البعض من جهة ثانية، لأسباب دينية إيديولوجية أتت على البنيتين التحتية والفوقية في البلاد، وخلفت في النسيج الاجتماعي والثقافي السوريين جراحاً غائرة لا تندمل بسهولة.


إشكالية الحرب في الإبداع أنها متطرفة التأثير؛ فإما أن يفرغ الكاتب أدواته في الخطابات المباشرية تجاه الأحداث ويفقد قدرته على ضبط حالاته الإبداعية الجمالية، أو قد تعمّق لديه التجربة الشعورية فتجعله خائفًا مرتعدًا أمام العمل الإبداعي، ويصبح الأمر شاقاً ومخيفاً، وتبدأ أسئلة جدوى الإبداع في الاعتمال في رأس وروح الفنان.

ويوضح الشاعر السوري أحمد قطليش المقيم خارج سورية أن الأسئلة المعتملة دائمًا ما تسحب الفنان إلى مدارات جديدة لم يكن قد جربها من قبل، وهذا ما يمكن أن يمهد لإنتاج فنٍ جديد وحقيقي، وحتى وإن لم يكن هذا الناتج متعانق ظاهريًا مع الأحداث الدامية، إلا أنه يعبر في غزارته وربكته عن أثر هذه الحرب، وهذا ما يمكن أن تعاد قراءته بعد قرون لمعرفة التجربة الإنسانية في خضم الأحداث.

ومن جهة أخرى، فإن ما يحدث من توجيه لأدوات الفن بشكل مباشري في الحرب، قد يخدم أحد الأطراف وقد يكون مساهمًا في تأجيج المشاعر العامة، لكنه قد يكون قاتلًا بتطرفه وحدته هذه، ولن يكون له ذات الأثر حتى وإن خلده التاريخ لحماسيته وأثره، وتخليده يأتي من الحالة العامة لا من إبداعية المنتَج.

وفي هذه المرحلة من الصراع، يدخل الفنان حالة صراع أخرى من قبل الجمهور، الذي سيؤطره بحسب الطرف الذي يميل إليه وسيحاكمه على موقفه السياسي لا على نتاجه الإبداعي.

ومن جهة ثانية، أي صمت له سيوسم بالخيانة، وأي كلمة له ستخوّن أيَضًا ومن هذه النقطة يدخل الفنان في صراع داخلي عن أهمية لعبه لدور في الحالة العامة أو الاكتفاء باحتواء كل التفاصيل وإعادة إنتاجها بشكلٍ إبداعي.

يغدو الحديث عن الأدب في الحرب حديثاً ذا طابع توثيقي، خصوصاً إذا كان الأديب أو الكاتب يعيش الحرب وتفاصيلها، حيث يغدو جزءا من الكتابة والحكاية، فعوض الحديث عن الناس دوماً، أو الأشياء، يكتب الأديب ذاته بين الذوات الأخرى التي يوثّقها أدبا. وذلك على عكس أدب الحرب الذي ربما ينتظر الحدث، كيما ينقضي، فيكتب عنه برويّة من آفاق من الصدمة، حيث تذهب الآلام وتصير ذكرى جارحة يستذكرها الكاتب كما حصل في أدب ما بعد الحربين مثلا.

ويوضح القاص الكردي السوري عباس موسى المقيم في مدينة قامشلي سورية، أن "الكتابة كونها الوجه الأبرز للإبداع ــ أو على الأقل من وجهة نظر كاتب ــ تأخذ بعدا انعكاسيا في حالة الحروب، فتنقل الألم والأهوال بعدسة مقرّبة ــ زوميا ــ  مضاعفا، وفي مستوى آخر تصير خلقا للجمال من عمق الألم، فتقولب الأشياء والأحداث في قالب جمالي، كتلك الزهور المتناثرة والمزروعة في فوارغ الرصاص".

في الحرب، تتقلّص المسافة ما بين الصحافيّ والأدبيّ في الكتابة، من وجهة نظر نقل الحدث، أو توثيقه، فيما يغدو الكاتب أو الأديب مستقبِلا ومرسِلا في الآن ذاته.

الكتابة هي جزء من ذاكرة الحرب في آنها ومستقبلها. وهي ميراث أحفاد الضحايا في مقبل الأيام. هي جزء من الذاكرة تأخذ شكلا جميلا حتى في نقلها للأهوال والفظائع، وفي نقلها اللحظات الجميلة في تفاصيل الفظائع تلك، كقصص الحب ومشاهد الأطفال على المراجيح في توقيت تدكّ فيه الطائرات المدن الجارة على بعد مسمعك، أو في شاشة تلفازك الذي يكاد يندلق منه الدم إذ تفتحه لتسمع الأخبار.

BD1CBBD2-1316-4061-AAEB-F6640B87E0AC
دلدار فلمز

شاعر وفنان تشكيلي سوري مقيم في زيوريخ. يكتب في النقد التشكيلي والأدبي في الصحافة العربية، وعمل معدّاً ومقدّماً للبرامج في قنوات تلفزونية كردية. له مجموعة شعرية بعنوان (عاش باكراً)، وصدر له في النقد الفني كتاب بعنوان (تاريخ الرسم).