الحرب على الإسلاميين... تغييرات في تركيبة تحالف الحكم السعودي

25 فبراير 2018
استفزت قرارات ولي العهد المحافظين (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

"لن نضيع 30 سنة أخرى من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة... سوف ندمرهم اليوم وفوراً". كانت هذه كلمات ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمد بن سلمان، والتي ألقاها خلال مؤتمر تدشين مدينة "نيوم" الذكية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إيذاناً بأن الحرب على التيار الإسلامي، الذي عرف بتيار "الصحوة"، أصبحت حرباً رسمية تشترك فيها الدولة، بكل أجهزتها الأمنية والإعلامية والاقتصادية.

وتأسست الدولة السعودية الأولى عبر حلف سياسي وديني بين أمير الدرعية، محمد بن سعود، والمصلح الديني، محمد بن عبد الوهاب، في عام 1744، تعهدت فيه أسرة آل سعود بتطبيق التعاليم الوهابية والحفاظ عليها والقتال من أجلها. واستمر هذا الحلف، متخذاً طابعاً أكثر تشدداً في الدولة السعودية الثانية والثالثة التي أنشأها الملك عبد العزيز آل سعود، والد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز. لكن الدولة الحديثة، التي أتت في أعقاب وفاة الملك المؤسس وفي ظل حكم الملك سعود، ثم الملك فيصل، قامت بترسيخ سياسات أكثر ليبرالية في التعليم والفن والسياسة، وهو ما أدى إلى تشكل تيارات دينية غاضبة، رأت أن الدولة السعودية تخلت عن تعهدها حماية السلفية الوهابية. ونمت هذه التيارات بشكل عفوي وغير منظم، وفي غفلة عن الحكومة داخل الجامعات والمساجد وفي الجيش والشرطة، وبين أبناء القرى النائية والمدن الكبرى، إلى أن انكشفت حادثة جهيمان العتيبي، وهو جندي في جهاز الحرس الوطني (الجيش القبلي)، كتب عدة رسائل في فترة السبعينيات، قال فيها إن الحكومة السعودية تخلت عن حماية الدين وصارت تنتهج سياسة تغريبية، وأن الدين في السعودية بدأ يضعف، ما يؤدي إلى اقتراب موعد يوم القيامة. لكن هذه الرسائل لم تُؤخذ على محمل الجد، ولم تتبين السلطات خطرها حتى اقتحم جهيمان و200 مقاتل معه الحرم المكي، في نوفمبر/تشرين الثاني في عام 1979، وأعلنوا تنصيب المهدي المنتظر، وقاتلوا السلطات السعودية طوال 13 يوماً حتى استسلامهم وإعدامهم بعد ذلك.

وخلقت هذه الحادثة ردة فعل كبيرة للسلطات السعودية، إذ تنبهت، للمرة الأولى، إلى خطر التيارات الإسلامية، ومدى سهولة انتشار فكر جهيمان بين أفراد المجتمع السعودي المحافظ قبل حادثة احتلال الحرم، ما جعلها تنتهج سياسة "احتواء التدين"، إذ قامت بإطلاق يد مئات رجال الدين في الفضاء العام، كما أنها شجعت، وبشكل رسمي، آلاف الشباب السعودي على الاتجاه إلى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفييتي هناك، بدلاً من أن تقوم بمحاربة هذا التدين، لتعاد حادثة جهيمان في موضع آخر. لكن هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، واكتشاف أن العملية قد مولت وخططت ونفذت من غالبية سعودية داخل تنظيم "القاعدة"، أدت إلى أوامر أميركية للسعودية بتعديل المناهج الدينية والتضييق على مدارس تحفيظ القرآن وبمراقبة أكبر لنشاط الدعاة السعوديين الإسلاميين في الخارج، والذين كانوا يعدون القوة الناعمة للسياسات السعودية. لكن السلطات استطاعت تجاوز هذا المأزق عبر التشديد على الإسلاميين المعارضين لها، مثل سلمان العودة وسفر الحوالي، الذين اعتقلوا في تسعينيات القرن الماضي بتهمة معارضة النظام بعد تقديمهم لعريضة طالبوا فيها بإصلاحات سياسية، وإغداق المنح والعطايا على الهيئات الإسلامية التي كانت تصنف بأنها موالية للنظام، واستمرار إطلاق يد هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفضاء العام، مدعية بأنهم يمثلون الإسلام الحقيقي غير المتطرف.

ما الذي حدث في عهد بن سلمان؟

اختار بن سلمان تجاوز هذا الحلف والتوقف عن دعم التيار الديني بكافة أشكاله، حتى الموالي له، عبر تجميد عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنع رئيس هيئة كبار العلماء والمفتي العام للبلاد، عبدالعزيز آل الشيخ، من الظهور واتخاذ قرارات استفزت التيار المحافظ الموالي له، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة والاختلاط مع الرجال، وهو أمر كان ملوك السعودية السابقون يعدونه محرماً وشائناً، لينزع بذلك محمد بن سلمان، للمرة الأولى، الغطاء الديني عن حكم أسرته، ما يعرضها لخطر كبير في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد عقب رفع أسعار الوقود وفشل الحرب على اليمن وحصار قطر.


وقالت الأكاديمية والمعارضة السعودية، الدكتورة مضاوي الرشيد، "كان الملوك السابقون يلجأون للحصول على الشرعية إلى سرديتين، الأولى هي إعلان التزامهم بالنظام الإسلامي بينما الثانية هي تسليط الضوء على التنمية والرخاء. لم يعد بإمكان محمد بن سلمان الاعتماد على أي من هذين الأمرين لتثبيت ملكه وضمان تأييد الآخرين له ودفاعهم عنه". وأضافت "لقد أقصى الإسلاميين، وألقى القبض على أبرز رجل دين فيهم، بينما تبدو خططه للتحول الاقتصادي بعيدة المنال وغير قابلة للتحقيق في المدى المنظور. والخلاصة هي أن المملكة العربية السعودية تتجه نحو منعطف لا يمكن التنبؤ به قد يصبح مشكلة بالغة الخطورة".

وأتت حملة الاعتقالات التي قادها جهاز أمن الدولة التابع لولي العهد في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي شملت أكثر من 200 معارض وأكاديمي واقتصادي وأديب غالبيتهم ينتمون أو يتعاطفون مع التيار الإسلامي، ومنهم سلمان العودة، لتدفع بالصف الثاني والثالث من الإسلاميين الشباب إلى تبني خطاب أكثر حساسية تجاه النظام السعودي. إذ بدأت تنتشر الكتابات والمقالات الصحافية المجهولة التي تدعي أن النظام بدأ يقود "خطة تغريبية"، عبر بناء المسارح الغنائية ودور الأوبرا لإلهاء الشعب عن المآسي الاقتصادية وسياسة تحرير السوق التي ستقوم بها رؤية 2030 بقيادة ولي العهد، ما يعيد إلى الأذهان الظهور الأول لجهيمان العتيبي ورسائله التي كانت مهملة ولم يكن يلقي لها أحد بالاً.

ولم يقتصر الأمر على المقالات المجهولة، بل امتد إلى تنظيم الندوات الدينية التي كانت تقام في أماكن سرية وبحضور منتقى بعناية، خوفاً من اعتقالات السلطات، ما فتح المجال لتوليد نقد أكثر حدة تجاه الفشل السياسي والاقتصادي الذي تعيشه السعودية، وأجبر الآلاف من أئمة المساجد، الذين كانوا يفضلون الحديث عن التدين بدلاً من السياسة، على الانجرار لها نصرة للمعتقلين المنتمين لنفس تيارهم. ويقول المعارض والناشط السياسي السعودي، يحيى عسيري، لـ"العربي الجديد"، إن الجماهير الغاضبة، وهي تشاهد قرار هيئة الترفيه استثمار 64 مليار دولار في بناء المسارح ودور الأوبرا، ستزداد غضباً في ظل الفقر الذي بدأ يظهر على السعوديين عقب الإعلان عن سياسات رؤية 2030، وسيؤدي بهم إلى التحالف مع التيار الإسلامي مرة أخرى، كما حدث في بلدان عربية أخرى، ما يؤدي لعواقب كارثية.

المساهمون