الحرب تُـغيّر نمط استهلاك السوريين

10 مايو 2014
الكثير من السلع سقط من السلة الاستهلاكية للسوريين (GETTY)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الثورة السورية، وتحولها إلى حرب عنيفة مدمرة، طرأت تغيرات كبيرة على  الاقتصاد السوري بسبب الدمار الكبير الذي تعرض له. وتغيرت معه العادات الاستهلاكية للسوريين، في محاولةٍ منهم للتعايش مع اقتصادٍ جديد، تراجع فيه المعروض من السلع والخدمات، وارتفعت فيه الأسعار بصورة جنونية لم يعهدوها من قبل. هكذا، سقطت سلع متعددة من سلتهم الشرائية، ودخلت سلع جديدة لم تكن على لائحة تداولهم.

 

التضخم والفقر

وفقاً للتقرير الأخير لـ"لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (إسكوا)، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسورية بنسبة 45 في المئة، وبلغ عدد العاطلين من العمل 3 ملايين شخص من بين 5 ملايين يمثلون مجموع القوى العاملة.

لذا، كانت الانعكاسات الاجتماعية للدمار الاقتصادي عنيفة جداً على الأغلبية الساحقة من السوريين. إذ دخل نحو 8 ملايين سوري في دائرة الفقر منذ بداية الثورة بحسب "تقرير المركز السوري لبحوث السياسات".

وتراجع الاستهلاك الخاص بنسبة 47 في المئة في العام 2013 بحسب التقرير الأخير الصادر عن "غرفة تجارة دمشق"، فضلاً عن الارتفاع الكبير في الأسعار والذي تجاوز 300 في المئة منذ العام 2011 وحتى اليوم، وهو ما قلص القدرة الشرائية للسوريين في ظل ثبات الدخول.

 يقول أبو عادل (45 عاماً) وهو رب أسرة ويعمل موظفاً في القطاع العام: "ارتفع سعر كيلو لحم البقر من 500 ليرة إلى 1500 ليرة، وكذلك الأمر مع العديد من السلع التي اضطررنا إلى التخلي عنها أو تقليص معدل شرائها، فاقتصر الأمر بالنسبة لي على شراء اللحوم مرة واحدة في الشهر، والاعتماد بصورة متزايدة على البقوليات والبطاطا".

 

الدخان العربي و"البالات"

وبسبب تراجع سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار، ارتفعت أسعار البضائع المستوردة ومنها علب السجائر، ما اضطر الشاب رامي لاستبدالها بـ"الدخان العربي أو ما يعرف بدخان اللف، فرغم تضاعف أسعاره هو الآخر لكنه يبقى مقبولاً مقارنة بعلب السجائر التي ارتفعت أسعارها بثلاثة أو أربعة أضعاف".

 

ولاحظ قصي (50 عاماً) وهو صاحب محل لبيع الألبسة وسط دمشق، الركود الكبير في إقبال السوريين على شراء الألبسة الجديدة، إذ "اتجهوا نحو الألبسة المستعملة المستوردة من الخارج أو ما يعرف بالبالة، رغم ارتفاع أسعارها أيضاً، لكن بمعدلات أقل من أسعار الألبسة الجديدة والتي وصلت إلى 400 في المئة".

وهو ما يؤكده خالد، الطالب الجامعي الذي نزح مع أسرته من حي التضامن إلى منطقة قدسيا في ريف دمشق. يقول الشاب العشريني: "لم اعتد الشراء من البالة قبل العام 2012، لكنني اضطررت لذلك، بعد ارتفاع مصاريف العائلة بسبب تكلفة الإيجار الشهري الجديدة بعد النزوح عن منزلنا، هذا فضلاً عن الغلاء العام في كل الأسعار".

 

العودة الى الكاز والشمع

وفي ظل الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، حظيت سلع جديدة باهتمام السوريين، من بينها وسائل الإضاءة التقليدية التي كانوا قد هجروها منذ زمن بعيد، كـ"ضوء الكاز" والشمع الذي ارتفعت معدلات استهلاكه بشكل كبير. كما دخلت وسائل إضاءة أكثر عصرية، ومنها جهاز إنارة يعتمد على بطارية صغيرة يجري شحنها ويدعى بـ"الشاحن الكهربائي"، إذ بات يباع بكثافة في كل شوارع المدن والبلدات السورية.

ودخلت البطاريات الكبيرة والمولدات حيز اهتمام شريحة واسعة من السوريين لمواجهة زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي والتي قد تصل في بعض المناطق إلى أيام متواصلة من دون كهرباء، فلا يفي حينها الشاحن الضوئي بالغرض.

في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، تنتعش المولدات بشكل أكبر "فلا خيار من دونها لأن الكهرباء مقطوعة بشكل دائم" يقول أبو شادي الناشط في مدينة دوما في ريف دمشق، ويضيف: "انتعش الطلب أيضاً على أجهزة الانترنت الفضائي ومقويات الشبكة، وذلك بعد أن أوقف النظام شبكة الانترنت في كل مناطق الغوطة الشرقية".

 الدجاج بدل اللحم الأحمر

 ومع دمار قطاعات الإنتاج المحلي، اضطرت الحكومة السورية إلى استيراد بعض السلع من الخارج. وكمثال على ذلك استوردت سورية قبل أشهر كميات من الفروج الإيراني المجمد، وباعته في الأسواق بسعر 400 ليرة للكيلو، وهو سعر مخفوض نسبياً يقل عن سعر الفروج المحلي بنحو 30 في المئة، الأمر الذي شجع السوريين على الإقبال عليه واستبداله باللحوم الحمراء التي تجاوز سعر الكيلو منها 1500 ليرة. 

 كذلك شهدت البضائع التي تباع على الأرصفة إقبالاً كثيفاً رغم تدني جودتها بصورة واضحة، والشك بكون نسبة كبيرة منها مغشوشة بالفعل.

وتباع على البسطات المنتشرة في شوارع دمشق مختلف أنواع السلع، بدءاً بالسلع الغذائية، مروراً بمواد التنظيف وأدوات المطبخ، وصولاً إلى أجهزة الهاتف النقال وملحقاته.

تقول سمر(37 عاماً) التي اعتادت التسوق من تلك البسطات: "أعتمد بصورة رئيسية على بضائع البسطات التي تباع بأسعار تقل عنها في المحال النظامية بنحو 40 في المئة، اعرف أن قسماً كبيراً من تلك البضائع هو مغشوش، لكن هذا ما يسمح به دخلي اليوم". وحول تغيُّر نمط استهلاك عائلتها تقول سمر: "بالطبع، لقد تغيّرت كل حياتنا، فكيف بنمط الاستهلاك؟".

وتضيف: "قبل عامين لم أكن أعرف أماكن البسطات، فيما صرت اليوم خبيرة بالأسواق الشعبية ونسيت بعض السلع التي اعتدنا استهلاكها سابقاٌ بسبب انقطاعها اليوم أو ارتفاع أسعارها، كالمازوت والمحروقات بشكل عام، والحليب والحلويات وبعض أنواع الفاكهة".

المساهمون