12 نوفمبر 2024
الحرب الأهلية في جنوب السودان ومتوالية التقسيم
مع استعداد جمهورية جنوب السودان للاحتفال بالذكرى الخامسة لإنشائها، بعد إعلان انفصالها رسمياً عن السودان في التاسع من يوليو/ تموز 2011، تجدّد القتال بين أنصار الرئيس سلفا كير ميارديت وأنصار نائبه رياك مشار، بعد أن انهارت اتفاقية السلام التي وقّعها الطرفان في أغسطس/ آب 2015 في العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا. وشهدت العاصمة جوبا أعنف الاشتباكات؛ إذ سقط مئات القتلى. وطلبت دول مختلفة، في مقدمتها الولايات المتحدة، مغادرة الأعضاء غير الأساسيين في بعثاتها الدبلوماسية هناك، وهو مؤشرٌ على اتجاه الأمور نحو التصعيد ودخول جنوب السودان في أتون مواجهاتٍ تتشابك فيها عناصر الصراع على السلطة والثروة، فضلاً عن الانقسامات القبلية؛ الأمر الذي يبدو كأنّ الانفصال يجرّ الانفصال، والانقسام يجرّ الانقسام.
خلفيات الأزمة
بدأت الأزمة في يوليو/ تموز 2013، عندما أعفى الرئيس سلفا كير نائبه رياك مشار وجميع أعضاء حكومة جنوب السودان، في أكبر تغييرٍ وزاري تشهده الجمهورية منذ استقلالها في يوليو/ تموز 2011. كما أحال باقان أموم، وهو الأمين العامّ للحركة الشعبية لتحرير السودان التي تعدّ الحزب الحاكم في جنوب السودان، إلى التحقيق، وذلك عقب تصريحات علنية لأموم انتقد فيها أداء الحكومة. وجاءت تلك القرارات نتيجة صراعٍ خفيٍّ ظلّ يتصاعد بين قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ مقتل الزعيم التاريخي للحركة، جون قرنق، في حادث تحطّم مروحية غامض في يوليو/ تموز 2005.
وقد تفجّرت النزاعات بين القيادات الجنوبية، بصورة علنية، بعد أن أعلن رياك مشار، عقب إعفائه من منصبه، أنّه ينوي الترشُّح لمنصب الرئيس في انتخابات عام 2015 (لم تحصل). ووقف إلى جانب مشار في إعلانه هذا مسؤولون سابقون أطاحهم الرئيس سيلفا كير، في إطار جهده للتخلّص من القادة التاريخيين الذين قادوا معه "حرب التحرير"؛ ومن أبرز هؤلاء باقان أموم، ودينق ألور وزير الدولة الأسبق لخارجية السودان قبل الانفصال، وربيكا قرنق أرملة مؤسّس الحركة الراحل جون قرنق. وقد تطابقت رغبة هذه المجموعة، في ما يبدو، مع رغبة رياك مشار في منع الرئيس سلفا كير من الحصول على فترةٍ رئاسية ثانية.
في نوفمبر/ تشرين ثاني 2013، عقد القادة الجنوبيون المعارضون اجتماعاً لتدارس وثائق
طال انتظار مناقشتها وإجازتها، من بينها الدستور والتشريع. وأخذ معارضو الرئيس سلفا كير يتّهمونه بتفصيل دستورٍ يركّز السلطات في يده، وأنّه يتحوّل إلى ديكتاتور. وكان من المفترض أن يُعاد انتخاب رئيس الحزب، بناءً على اللوائح التي تنصّ على انتخابه كلّ خمسة أعوام. وكان من المفترض أن يُتّخذ هذا الإجراء منذ أبريل/ نيسان 2010، غير أنّ ذلك لم يحدث، فما كان من المجموعة المعارضة إلا أن قادت حراكاً داخل الحزب، أرادت منه تغيير قيادة الحزب والحكومة، متهمة الرئيس سلفا كير بأنه يدير الدولة بعقلية أمنيّة، وأنّه يضيّق الخناق على الصحافة، وعلى حرية الرأي.
وبعد ذلك، أعلن الرئيس سلفا كير عن محاولةٍ انقلابية، قام بها نائبه المقال، رياك مشار، ومجموعة من مناصريه. وقد قاد هذا الإعلان إلى نشوب نزاعٍ مسلّحٍ، بدأ في ديسمبر/ كانون الأول 2013، واستمر نحو عامين، وأسفر عن مقتل الآلاف وتشريد نحو مليونين من سكان جنوب السودان الذين يعدّون 11 مليوناً، فضلًا عن وفاة نحو 40 ألف شخص بسبب الجوع وعجز المنظمات الدولية عن توصيل الإمدادات الغذائية إليهم نتيجة القتال.
في أغسطس/ آب 2015، ونتيجة ضغوطٍ دوليةٍ شديدة، مع توجيه إنذارٍ أميركي للتوصّل الى اتفاق خلال أسبوعين، وقّع الطرفان اتفاقية أديس أبابا. وتضمّنت الاتفاقية التي رعتها دول الجوار الأفريقية تشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ لمدة سنتين، تضمّ أعضاءً من الطرفين، وتكون مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات عامة. وفي فبراير/ شباط 2016، أعاد سلفا كير تسمية رياك مشار نائبًا له. وفي أبريل/ نيسان الماضي، وافق مشار على العودة إلى العاصمة جوبا التي اعتُبرت حينها خطوةً نحو تعزيز الثقة والسلام. لكنّ عناصر متشدّدة في معسكري الطرفين ظلت تنظر بعين الشك إلى هذه الاتفاقية المفروضة من الخارج، وتعارض تنفيذها، ونشبت خلافاتٌ متواصلةٌ حول ترجمة كل بند فيها وبشأن تنفيذها، وقادت إلى اشتباكات بين حين وآخر، حتى انفجر الصراع بصورةٍ شاملة الأسبوع الماضي. وقد بدا الأمر كأنّ الطرفين فقدا القدرة على ضبط أنصارهما القبليين، مع تحوّل الصراع إلى صراعٍ محليٍ متعدّدِ الأطراف، مدفوعٍ بثارات قبلية وأجندات ضيّقة تُرتكب فيها جرائم تطهير إثني على نطاق واسع، وتحصل عمليات "ترانسفير" لتغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق كاملة على أساسٍ قبلي وعشائري.
العامل القبلي في الصراع
توجد في جنوب السودان عشرات القبائل، غير أنّها تعود، في أصولها، إلى ثلاث مجموعاتٍ رئيسة، أكبرها المجموعة النيلية التي تمثّل 65 في المئة من مجموع السكان، وتضمّ القبائل ذات النفوذ السياسي الأكبر؛ فقبائل الدينكا تمثّل ما نسبته 40 في المئة من المجموعة النيلية، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس سلفا كير. وتأتي قبيلة النوير في المرتبة الثانية بما نسبته نحو 20 في المئة، وهي التي ينتمي إليها نائب الرئيس، رياك مشار. ثمّ تأتي قبيلة الشلك بنسبة 5 في المئة، وهي التي ينتمي إليها باقان أموم الأمين العامّ للحركة الشعبية، ولام أكول أجاوين أحد قادتها التاريخيين. وكان الأخير قد اختلف مع جون قرنق في تسعينيات القرن الماضي، وأصبح حليفًا للخرطوم. وظلّ في الخرطوم حتى بعد أن انفصلت الحركة الشعبية في جنوب السودان، ولم يعد إلى جوبا إلا بعد أن حصل على طمأنة الجنوب.
انضمّ رياك مشار إلى الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 1984، مع
بدايات الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال، في حقبتها الثانية التي قادها قرنق عقب انهيار اتفاقية أديس أبابا 1972 في عهد الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، غير أنّ مشار قاد انقساماً داخل الحركة الشعبية نفسها في عام 1991، بعد أن اختلف وآخرون، من بينهم لام أكول، مع جون قرنق الذي كان ينادي بوحدة السودان، بشرط إقامة الدولة المدنية. أما رياك مشار ومن ناصروه، فقد كانوا يرون أن يتّجه الجنوبيون إلى الانفصال التامّ. ودارت حربٌ دمويةٌ بالغة الفظاعة، نتيجة هذا الخلاف بين الفصائل الجنوبية، استمرّت سنوات، وفاق فيها عدد القتلى عددهم طوال سنوات الحرب بين الشمال والجنوب. وبعد ستّ سنوات من الخلاف مع قرنق، عقد مشار اتّفاقاً مع حكومة الخرطوم عام 1997، استفادت منه حكومة الرئيس عمر البشير في حربها ضدّ الحركة الشعبية، كما استعانت بقوات مشار في تأمين حقول النفط في الجنوب، غير أنّ مشار عاد مرةً أخرى إلى حركة قرنق في بدايات الألفية الجديدة، وأصبح أحد نوّاب جون قرنق. وبعد موت قرنق، تمّ اختياره نائباً للرئيس الحالي سلفا كير، في قيادة الدولة والحزب.
تداعيات الصراع المحتملة
إذا تتبّعنا سير المواجهات على امتداد الأسبوع الماضي، يبدو واضحاً أنّ حقول النفط والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض يمثلان أبرز أهداف أطراف الصراع، ففي حالة انشطار الجنوب إلى أكثر من دولة، تصبح حقول النفط مرتكزاً أساسيّاً لاقتصاد الجهة التي تسيطر عليها، وبخاصّة أنّ النفط هو مصدر الدخل الوحيد في جنوب السودان. والواضح أنّ الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات أظهر وجود قطبي قوّة رئيسيْن في دولة الجنوب، يسعيان إلى تقاسم السيطرة على البلد؛ بغضّ النظر عن أي تسويةٍ سياسيةٍ، يمكن أن يحاول المجتمع الدولي فرضها (الولايات المتحدة خصوصاً، وهي الدولة التي رعت انفصال الجنوب، واعتبرت الاستفتاء عليه بمنزلة انتصار كبير للديمقراطية). لكن الأمور بدأت خلال السنة الأخيرة تأخذ اتجاهاً تفتيتيّاً أكبر مع عجز كل طرفٍ عن السيطرة على حلفائه، وانقسام القبائل الكبرى إلى عشائر متناحرة، لا تتورّع عن استخدام كل أنواع الأسلحة لتحقيق غاياتها، بما في ذلك استخدام الاغتصاب الجماعي أداة عقابٍ بحق الخصوم، وصولاً إلى التطهير الإثني والعرقي، فضلاً عن مسألة تجنيد الأطفال وقتلهم.
ويؤكّد هذا الاستنتاج عدم التزام أنصار سلفا كير ورياك مشار الدعوة التي أطلقها الزعيمان
أخيراً لوقف إطلاق النار والكفّ عن التناحر؛ ما يعني أنّ جنوب السودان قد يغدو أمام متواليةٍ من الانقسامات القبلية والإثنية التي لن تبقى آثارها محصورةً داخل حدوده، فالأرجح أن يقود احتدام الصراع على حقول النفط في ولاية الوحدة، وفي ولاية أعالي النيل، اللتين لهما حدود طويلة مع السودان، إلى نزوح عددٍ كبير من المواطنين الجنوبيين إلى أراضي جمهورية السودان؛ ما يُحمِّل حكومة السودان أعباءً ماليةً وإداريةً وأمنيّةً، لا قِبلَ لها بها. وفي الوقت الحالي، تستضيف ولايتا النيل الأبيض وجنوب كردفان في السودان آلاف الفارّين من الحرب في جنوب السودان.
يهدّد خروج الوضع عن السيطرة في جنوب السودان دول أفريقيا المجاورة التي تشهد اضطرابات، مثل جمهوريتي الكونغو وأفريقيا الوسطى، وهما جارتان لجنوب السودان. كما أنّ استئناف الحرب الأهلية في جنوب السودان سوف تكون له آثاره الكبيرة في كلٍّ من أوغندا وكينيا وأثيوبيا؛ وهي دول لها حدود مشتركة مع جنوب السودان، وأصبح لها، بعد الانفصال، مصالح اقتصادية متنامية معه.
خاتمة
من الواضح أنّ جنوب السودان (الدولة الأحدث عمراً في العالم) تواجه أخطر أزماتها الداخلية منذ ولادتها قبل خمسة أعوام، كما يبدو أنّها حملت بذور أزمتها معها، عندما انفصلت عن الشمال؛ فالانفصال الذي جرى تسويقه، بوصفه حلّاً لقرونٍ من هيمنة الشمال العربي المسلم على الجنوب المسيحي الأفريقي، لا يبدو أنّه أنهى مشكلات الدولة الجنوبية الوليدة، ما يعني أنّ مقاربة "الحلّ هو الانفصال" لم تكن صحيحة أصلاً؛ ولن تكون صحيحة لا في السودان، ولا في غيره من دول المنطقة التي تصدر عن بعض مكوناتها دعواتٍ صريحة إلى الانفصال، أو دعوات مواربة تحت عنوان الفيدرالية، فالحلّ كان وسيبقى في دولة المواطنة الجامعة لكل أبنائها بصرف النظر عن انتماءاتهم، والتي تساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وتحترم خصوصياتهم الثقافية في الوقت نفسه.
خلفيات الأزمة
بدأت الأزمة في يوليو/ تموز 2013، عندما أعفى الرئيس سلفا كير نائبه رياك مشار وجميع أعضاء حكومة جنوب السودان، في أكبر تغييرٍ وزاري تشهده الجمهورية منذ استقلالها في يوليو/ تموز 2011. كما أحال باقان أموم، وهو الأمين العامّ للحركة الشعبية لتحرير السودان التي تعدّ الحزب الحاكم في جنوب السودان، إلى التحقيق، وذلك عقب تصريحات علنية لأموم انتقد فيها أداء الحكومة. وجاءت تلك القرارات نتيجة صراعٍ خفيٍّ ظلّ يتصاعد بين قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ مقتل الزعيم التاريخي للحركة، جون قرنق، في حادث تحطّم مروحية غامض في يوليو/ تموز 2005.
وقد تفجّرت النزاعات بين القيادات الجنوبية، بصورة علنية، بعد أن أعلن رياك مشار، عقب إعفائه من منصبه، أنّه ينوي الترشُّح لمنصب الرئيس في انتخابات عام 2015 (لم تحصل). ووقف إلى جانب مشار في إعلانه هذا مسؤولون سابقون أطاحهم الرئيس سيلفا كير، في إطار جهده للتخلّص من القادة التاريخيين الذين قادوا معه "حرب التحرير"؛ ومن أبرز هؤلاء باقان أموم، ودينق ألور وزير الدولة الأسبق لخارجية السودان قبل الانفصال، وربيكا قرنق أرملة مؤسّس الحركة الراحل جون قرنق. وقد تطابقت رغبة هذه المجموعة، في ما يبدو، مع رغبة رياك مشار في منع الرئيس سلفا كير من الحصول على فترةٍ رئاسية ثانية.
في نوفمبر/ تشرين ثاني 2013، عقد القادة الجنوبيون المعارضون اجتماعاً لتدارس وثائق
وبعد ذلك، أعلن الرئيس سلفا كير عن محاولةٍ انقلابية، قام بها نائبه المقال، رياك مشار، ومجموعة من مناصريه. وقد قاد هذا الإعلان إلى نشوب نزاعٍ مسلّحٍ، بدأ في ديسمبر/ كانون الأول 2013، واستمر نحو عامين، وأسفر عن مقتل الآلاف وتشريد نحو مليونين من سكان جنوب السودان الذين يعدّون 11 مليوناً، فضلًا عن وفاة نحو 40 ألف شخص بسبب الجوع وعجز المنظمات الدولية عن توصيل الإمدادات الغذائية إليهم نتيجة القتال.
في أغسطس/ آب 2015، ونتيجة ضغوطٍ دوليةٍ شديدة، مع توجيه إنذارٍ أميركي للتوصّل الى اتفاق خلال أسبوعين، وقّع الطرفان اتفاقية أديس أبابا. وتضمّنت الاتفاقية التي رعتها دول الجوار الأفريقية تشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ لمدة سنتين، تضمّ أعضاءً من الطرفين، وتكون مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات عامة. وفي فبراير/ شباط 2016، أعاد سلفا كير تسمية رياك مشار نائبًا له. وفي أبريل/ نيسان الماضي، وافق مشار على العودة إلى العاصمة جوبا التي اعتُبرت حينها خطوةً نحو تعزيز الثقة والسلام. لكنّ عناصر متشدّدة في معسكري الطرفين ظلت تنظر بعين الشك إلى هذه الاتفاقية المفروضة من الخارج، وتعارض تنفيذها، ونشبت خلافاتٌ متواصلةٌ حول ترجمة كل بند فيها وبشأن تنفيذها، وقادت إلى اشتباكات بين حين وآخر، حتى انفجر الصراع بصورةٍ شاملة الأسبوع الماضي. وقد بدا الأمر كأنّ الطرفين فقدا القدرة على ضبط أنصارهما القبليين، مع تحوّل الصراع إلى صراعٍ محليٍ متعدّدِ الأطراف، مدفوعٍ بثارات قبلية وأجندات ضيّقة تُرتكب فيها جرائم تطهير إثني على نطاق واسع، وتحصل عمليات "ترانسفير" لتغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق كاملة على أساسٍ قبلي وعشائري.
العامل القبلي في الصراع
توجد في جنوب السودان عشرات القبائل، غير أنّها تعود، في أصولها، إلى ثلاث مجموعاتٍ رئيسة، أكبرها المجموعة النيلية التي تمثّل 65 في المئة من مجموع السكان، وتضمّ القبائل ذات النفوذ السياسي الأكبر؛ فقبائل الدينكا تمثّل ما نسبته 40 في المئة من المجموعة النيلية، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس سلفا كير. وتأتي قبيلة النوير في المرتبة الثانية بما نسبته نحو 20 في المئة، وهي التي ينتمي إليها نائب الرئيس، رياك مشار. ثمّ تأتي قبيلة الشلك بنسبة 5 في المئة، وهي التي ينتمي إليها باقان أموم الأمين العامّ للحركة الشعبية، ولام أكول أجاوين أحد قادتها التاريخيين. وكان الأخير قد اختلف مع جون قرنق في تسعينيات القرن الماضي، وأصبح حليفًا للخرطوم. وظلّ في الخرطوم حتى بعد أن انفصلت الحركة الشعبية في جنوب السودان، ولم يعد إلى جوبا إلا بعد أن حصل على طمأنة الجنوب.
انضمّ رياك مشار إلى الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 1984، مع
تداعيات الصراع المحتملة
إذا تتبّعنا سير المواجهات على امتداد الأسبوع الماضي، يبدو واضحاً أنّ حقول النفط والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض يمثلان أبرز أهداف أطراف الصراع، ففي حالة انشطار الجنوب إلى أكثر من دولة، تصبح حقول النفط مرتكزاً أساسيّاً لاقتصاد الجهة التي تسيطر عليها، وبخاصّة أنّ النفط هو مصدر الدخل الوحيد في جنوب السودان. والواضح أنّ الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات أظهر وجود قطبي قوّة رئيسيْن في دولة الجنوب، يسعيان إلى تقاسم السيطرة على البلد؛ بغضّ النظر عن أي تسويةٍ سياسيةٍ، يمكن أن يحاول المجتمع الدولي فرضها (الولايات المتحدة خصوصاً، وهي الدولة التي رعت انفصال الجنوب، واعتبرت الاستفتاء عليه بمنزلة انتصار كبير للديمقراطية). لكن الأمور بدأت خلال السنة الأخيرة تأخذ اتجاهاً تفتيتيّاً أكبر مع عجز كل طرفٍ عن السيطرة على حلفائه، وانقسام القبائل الكبرى إلى عشائر متناحرة، لا تتورّع عن استخدام كل أنواع الأسلحة لتحقيق غاياتها، بما في ذلك استخدام الاغتصاب الجماعي أداة عقابٍ بحق الخصوم، وصولاً إلى التطهير الإثني والعرقي، فضلاً عن مسألة تجنيد الأطفال وقتلهم.
ويؤكّد هذا الاستنتاج عدم التزام أنصار سلفا كير ورياك مشار الدعوة التي أطلقها الزعيمان
يهدّد خروج الوضع عن السيطرة في جنوب السودان دول أفريقيا المجاورة التي تشهد اضطرابات، مثل جمهوريتي الكونغو وأفريقيا الوسطى، وهما جارتان لجنوب السودان. كما أنّ استئناف الحرب الأهلية في جنوب السودان سوف تكون له آثاره الكبيرة في كلٍّ من أوغندا وكينيا وأثيوبيا؛ وهي دول لها حدود مشتركة مع جنوب السودان، وأصبح لها، بعد الانفصال، مصالح اقتصادية متنامية معه.
خاتمة
من الواضح أنّ جنوب السودان (الدولة الأحدث عمراً في العالم) تواجه أخطر أزماتها الداخلية منذ ولادتها قبل خمسة أعوام، كما يبدو أنّها حملت بذور أزمتها معها، عندما انفصلت عن الشمال؛ فالانفصال الذي جرى تسويقه، بوصفه حلّاً لقرونٍ من هيمنة الشمال العربي المسلم على الجنوب المسيحي الأفريقي، لا يبدو أنّه أنهى مشكلات الدولة الجنوبية الوليدة، ما يعني أنّ مقاربة "الحلّ هو الانفصال" لم تكن صحيحة أصلاً؛ ولن تكون صحيحة لا في السودان، ولا في غيره من دول المنطقة التي تصدر عن بعض مكوناتها دعواتٍ صريحة إلى الانفصال، أو دعوات مواربة تحت عنوان الفيدرالية، فالحلّ كان وسيبقى في دولة المواطنة الجامعة لكل أبنائها بصرف النظر عن انتماءاتهم، والتي تساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وتحترم خصوصياتهم الثقافية في الوقت نفسه.