الحدود اليمنية ــ السعودية: أحداث صغيرة بأبعاد كبيرة

15 ابريل 2014
مستقبل اليمن مفتوح على كل الاحتمالات (Getty)
+ الخط -
وقع يوم أمس، حادث كان الثاني من نوعه خلال أقل من أسبوع شهد مقتل جنود سعوديين برصاص مسلّحين على الحدود مع اليمن. يفتح التطور الملفت الباب أمام التساؤل حول ما وراء هذه الأحداث، ومستقبل الملف الأمني على الحدود اليمنية ــ السعودية، في ظلّ تدهور الدولة، وسيطرة الحوثيين على مناطق حدودية.

ونقلت وسائل إعلام سعودية، يوم أمس، تصريحاً للمتحدث باسم حرس الحدود السعودي، العميد عبدالله بن محفوظ، أشار فيه الى ان "إحدى دوريات حرس الحدود، تعرضت لإطلاق نار كثيف، صباح الاثنين، ما اضطرها للرد على مصدر النيران، ونتج عن الاشتباك مع المسلحين مقتل جندي وإصابة آخر".
وفي مؤشر إلى احتمال أن يكون المسلحون من المهربين، لفت بن محفوظ إلى أن "الاشتباكات وقعت بعد ساعات من العثور على 14 قطعة سلاح لدى مهربين".
وجاء الحادث بعد 4 أيام من إعلان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، الخميس الماضي، عن مقتل رجلَي أمن سعوديين في تبادل لإطلاق نار مع مسلحين مجهولين، من داخل الأراضي اليمنية.
وليست المرة الأولى التي يقتل فيها جنود سعوديون على الحدود مع اليمن، وهي في الغالب تقع نتيجة اشتباكات مع مهربين تحدد السلطات السعودية هوياتهم، لكنها هذه المرة تحصل من قبل "مجهولين" من داخل اليمن، على الحدود بين صعدة اليمنية وجيزان وعسيرالسعوديتين، الأمر الذي يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
وأعادت الحادثتان إلى الأذهان مقتل جنديين سعوديين في العام 2009 على يد الحوثيين، والتي كانت الشرارة التي أدخلت السعودية في الحرب السادسة، إلى جانب الحكومة اليمنية ضد الحوثيين.

الحدود اليمنية - السعودية
الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية هو الأطول بالنسبة للبلدين، ويصل مداه إلى 1500 كيلومتر، وتقع فيه من جهة اليمن محافظات حجة، صعدة، الجوف، حضرموت. ومن جهة السعودية، جيزان، عسير، نجران، وأجزاء من المنطقة الشرقية. وهي حدود تتداخل فيها السياسة بالتاريخ بالملفات الأمنية، حيث كانت أجزاء من جنوب السعودية حالياً تصنف تاريخياً كمناطق يمنية، وظلت مسألة الحدود عالقةً، حتى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود رسمياً في العام 2000.
وتتميز الحدود الشمالية الغربية في صعدة، وحجة، بكونها مناطق جبلية متوسطة الكثافة السكانية، وتتداخل مع السعودية بنسبة أكبر بالمقارنة مع حضرموت والجوف اللتين تقع أغلب حدودهما على مناطق صحراوية مشتركة مع مناطق الربع الخالي.
ومنذ العام 2011، يسيطر الحوثيون على صعدة فعلياً، بعد خوضهم ستة حروب مع الحكومة بين عامي 2004 و2010، في جبال ومديريات المحافظة، وتمكنوا من السيطرة على صعدة في العام 2011، على هامش الانقسام السياسي في مركز الدولة والأحداث التي عصفت بالبلاد.
وتنشط في صعدة، وحجة، والجوف أيضاً، جماعات تهريب السلاح والمخدرات ومواد أخرى ممنوعة، بالإضافة إلى كونها منطقة عبور للمهاجرين المخالفين، الباحثين عن عمل من يمنيين أو أفارقة.

السعودية والحوثيون
تنظر السعودية إلى الحوثيين باعتبارهم ذراعاً لإيران. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009، دخلت الحرب ضدهم إلى جانب الحكومة اليمنية، التي وصفوها بأنها حليفة للأميركيين، واستمرت الحرب لشهرين.
ومع تدهور وضع الدولة اليمنية وضعف سيطرتها في تلك المناطق، وصعود الحوثيين ومشاركتهم في العملية السياسية في اليمن، من خلال مؤتمر الحوار الوطني مع احتفاظهم بالسلاح، يزداد الوضع تعقيداً.
وشهد العام الماضي تطوراً نادراً، تمثل بزيارة قام بها الممثل السياسي للحوثيين، صالح هبرة، إلى السفارة السعودية في صنعاء، والتقى بسفيرها السابق، علي محمد الحمدان، الأمر الذي أثيرت حوله العديد من التكهنات والتفسيرات، لكن مصادر مقربة من السعوديين قالت، إن اللقاء جاء بطلب من هبرة.
وفي هذا السياق أيضاً، أشارت صحف بريطانية ومحلية الى زيارات قالت، إن قيادات من الحوثيين قامت بها إلى السعودية. وتحدثت تسريبات صحافية عن لقاءات جرت بين الحوثيين ومسؤولين سعوديين للتنسيق ضد "الإخوان المسلمين"، لكن القرار السعودي في 7مارس/أذار الماضي، بتصنيف الحوثيين في خانة الجماعات الإرهابية، قطع الطريق على المزيد من الشائعات حول التقارب.

احتمالات مفتوحة
ويعتبر مراقبون، أن "الدولة اليمنية، بما لديها من جيش وأمن، وما يمكن أن تحشده من دعم شعبي وإقليمي وجهد سياسي، لا تزال قادرة على ضبط حدودها، إذا ما توفرت إرادة سياسية بذلك، إذ إن قوة الجماعات المسلحة، مهما بلغت، لا تساوي ما لدى الدولة من مئات الآلاف من الجنود، وآلاف الآليات لجيش يُصنف بأنه الرابع في المنطقة العربية. وفي العام الأخير فقط، هبط تصنيفه إلى الخامس.
ويؤكد مراقبون أن "العملية السياسية هي السبب الأول في الانفلات الأمني الحاصل".
أما الاحتمال الآخر، فيتجلّى في استمرار الانفلات الأمني والنزعات الانفصالية والانسداد السياسي، وبقاء الوضع مفتوحاً على خيارات صعبة، مع خشية ان تكون السعودية في حينه، أول المتأثرين، إلى درجة تجعل البعض يرون الأحداث على انها مفصَّلة وفق تأثيرها المحتمل على السعودية.
فمن الحدود الشمالية الغربية يسيطر الحوثيون، أما من الحدود الشرقية والوسطى، حضرموت وأجزاء من الجوف، فلا تزال في قبضة الجيش. وفي حال تدهور وضع الدولة أكثر، فسيكون من غير المستبعد أن يكون تنظيم "القاعدة" أحد البدائل المحتملة، مع انتشاره الملحوظ في المناطق الصحراوية وفي حضرموت. ووفق هذا التصور كما يرى محللون، يمكن أن تكون هذه هي الطريق الذي يأمل "القاعدة" بالسيطرة عليها للتوسع في جزيرة العرب، كما أعلن التنظيم في بيان، الشهر الماضي.
وكانت الرياض تُتهم في مراحل سابقة، بأن لها تطلعات بالنفوذ في حضرموت، لكن هذا مستبعد في الوضع الحالي بالقياس مع الأخطار والمخاوف.
بالنسبة للحوثيين، كطرف محلي في اليمن، تبدو انظارهم موجّهة نحو صنعاء إذا كانوا مشروع حكم مستقبلي، كما يقول خصومهم، ومن مصلحتهم، على الأقل، القبول بهدنة مرحلية وإبقاء خطوط تعامل ضرورية مع الرياض.
لكنهم، في المقابل، كجزء من منظومة إقليمية ودولية، (طهران تحديداً)، قد لا يُقيّض لهم الوصول الى السلطة، ولو أرادوا ذلك. إذ يُرجح أن يكون المطلوب منهم، كجزء من هذا الحلف، أن يكونوا مطرقة مستعدة لإيصال رسائل أو خوض حرب بالوكالة، متى تطلب الأمر، ومهما كان ذلك لا يخدم مشروعهم في الداخل. الأمر الذي يجعل مستقبل علاقة الحوثيين بالسعودية مرتبطاً بعلاقة طهران والرياض نفسها، وكذلك ملف الحدود اليمنية ــ السعودية يظل مفتوح الاحتمالات، ومرتبطاً بهذه التوازنات وبمستقبل الدولة اليمنية.