تتعرّض الحدائق العامة في الكويت، والبالغ عددها أكثر من 90 حديقة موزّعة في كلّ أنحاء البلاد، إلى إهمال شديد وتراخ في خدمتها إلى حدّ دفَع أهالي المناطق المعنية إلى زرعها وترتيبها.
تتعدّد أشكال الإهمال الذي تعاني منه الحدائق العامة في الكويت، ولعلّ أبرزها عدم ريّ المزروعات دورياً، الأمر الذي يتسبب في موتها، بالإضافة إلى عدم تشذيبها وانتشار الحشرات الضارة من دون مكافحة، على الرغم من العقود التي توقّعها البلدية سنوياً مع الشركات الخاصة للعناية بالمزروعات. لذا يعمد مواطنون يسكنون في محيط الحدائق، إلى ريّ المزروعات والعناية بها. وقد يصل الأمر إلى شراء الشتول والبذور لاستبدال النباتات اليابسة، بالإضافة إلى تنظيف المرافق ودورات المياه التي يتلكأ عمّال النظافة التابعون للبلدية في تنظيفها. يُذكر أنّ ذلك يأتي في حين تُسجَّل محاولات عدّة من قبل بعض الشركات والوزارات للسيطرة على أجزاء منها بهدف إقامة مشاريع فيها.
سفر الهرشاني مواطن كويتي متقاعد من سكان منطقة القيروان، يخبر أنّ "أمتاراً قليلة تفصل بين الحديقة العامة وبين بيتي، وأرى كم أنّها مهملة على الرغم من أنّها جديدة نسبياً. لذا يقوم سائقي الخاص بالاهتمام بالمزروعات وريّها في بعض الأيام خوفاً من أن تموت". يضيف الهرشاني أنّه "في بعض الأحيان، أزرع بعض الشتول على نفقتي الخاصة، لكنّني أتفاجأ بإزالتها بدعوى أنّها مخالفة. أمر مضحك أن يرفضوا مساهمة السكان في تطوير الحديقة، ويرفضوا في الوقت نفسه تطوير الحديقة بأنفسهم".
من جهته، يقول عبد الله العتيقي إنّ "الحدائق العامة تعاني من إهمال شديد، ولا يُقبل المواطنون أو المقيمون عليها إلا في ما ندر. الناس يفضلون الذهاب إلى المجمعات التجارية أو إلى الحديقة الوحيدة التي تتمتّع بمواصفات الحدائق العامة في البلاد، وهي حديقة الشهيد التي أُنشئت حديثاً، وتُدار بقوانين صارمة من قبل الديوان الأميري". يضيف العتيقي أنّ "حديقة قرطبة العامة، على سبيل المثال، الواقعة في المنطقة التي أقطنها، تعاني من مشكلات كبيرة، لا بل كوارث، إذ لا تتوفّر فيها أماكن صالحة لممارسة الرياضة فيما دورات مياهها قذرة، والمراهقون يكتبون على جدرانها عبارات بذيئة". ويشير إلى أنّ "المجتمع المدني في المنطقة قام بحملة نظافة وترتيب للحديقة، لكنّ الأمور عادت إلى حالها الأول بعد شهرَين تقريباً، والسبب التقاعس في فرض العقوبات على المراهقين والمخرّبين".
ولا تقتصر نشاطات السكان والمجتمعات المحلية في المناطق على العناية بالحدائق وتنظيفها واستبدال المزروعات اليابسة بشتول جديدة، بل امتد الأمر إلى حمايتها ممّا وصفوه طمع بعض الشركات التجارية والوزارات بأراضي الحدائق الواسعة للقيام بمشروعاتها، وتشييد مبان عليها وتقليص المساحات الخضراء بدعوى عدم الاستفادة منها.
في السياق، كانت حديقة جمال عبد الناصر في منطقة الروضة قد شهدت احتجاجات متكررة ووقفات صامتة نظّمها السكان في الجوار، اعتراضاً على قيام الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية باقتطاع مساحة ألف متر من الحديقة لصالح وزارة الأوقاف وشركات تجارية لبناء مركز لتحفيظ القرآن وفرع لسلسلة مطاعم أميركية، خصوصاً بعد وعد وزارة البلدية بعدم استقطاع المساحات الخضراء. لكنّ وزير البلدية ردّ بأنّ هذه الإجراءات اتّخذت من دون علمه، وعمد إلى وقفها. وقد شارك في تلك الوقفات الاحتجاجية نوّاب أكّدوا دعمهم العمل الشعبي لرعاية الحدائق العامة والوقوف في وجه أيّ تجاوزات، إذ قال النائب محمد الدلال إنّ رعاية الحدائق وحمايتها هو واجب ديني ووطني.
هدى الخرجي من سكان منطقة الروضة، تقول إنّ "المشكلة ليست في محاولات تصغير حجم حديقة جمال عبد الناصر فحسب، بل في إهمالها. فالمزروعات يبست وذبلت فيما أبواب الحديقة مغلقة خلال معظم أيام الأسبوع والكلاب الضالة تسرح فيها، الأمر الذي يخيف الأطفال ويمنعهم من اللعب هناك". تضيف أنّه "في ثمانينيات القرن الماضي، كانت شركة المشروعات السياحية التابعة للحكومة تنظّم نشاطات ترفيهية عدّة، فتحضر الفرق الموسيقية والمهرّجون وعروض السيرك وغيرها لتسلية الأطفال. لكنّ هذا الاهتمام بالعروض الترفيهية اختفى، الأمر الذي جعل الاهتمام بالمزروعات يختفي كذلك".
إلى ذلك، يقول خالد الهاجري وهو ناشط في جماعة الخط الأخضر البيئية الكويتية إنّ "الاهتمام بالمسطّحات الخضراء بدأ يقلّ لصالح الخرسانة والإسمنت، وهو أمر يظنّ المسؤولون أنّه حضاري لكنّه غير ذلك. هو يساهم في زيادة التلوّث ويقتل البيئة". يضيف أنّ "المجهود الذي يبذله السكان المحليون مثير للإعجاب في ما يخصّ حماية الحدائق العامة المحيطة بهم وسقاية المزروعات وتشذيبها، لكنّ ذلك لا بدّ من أن يكون مقروناً بمعرفة أساسيات الزراعة وأنواع النباتات الضارة أو الجيدة للحديقة".
من جهته، يقول نائب مدير بلدية الكويت فهد العتيبي إنّ "الشركات الزراعية التي تعاقدت معها الدولة للعناية بالحدائق لم تسجّل أيّ تجاوزات بحسب تقاريرنا. كذلك فإنّ عمّال النظافة التابعين للبلدية يقومون بدورهم على أكمل وجه، ومن رأى منهم تقاعساً في إمكانه التبليغ عنهم. لكنّ المشكلة الحقيقية هي في المراهقين والمخرّبين، والذين يحرقون الأشجار ويخرّبون الحديقة ويعمدون إلى الشواء، فيما يُمنَع إشعال النار فيها. وهنا ينتهي دورنا في البلدية، وتصبح شرطة البيئة هي المعنيّة. ومن صلاحيّاتها فرض غرامات مشدّدة على مثل هذه الأفعال".