الحجر الصحي يعيد التونسيات إلى طبخ الجدّات

04 ابريل 2020
لجأت التونسيات إلى المطبخ لكسر روتين الحجر(العربي الجديد)
+ الخط -
درصاف، موظّفة تونسيّة تحكي لـ"العربي الجديد"، أنّها لم تكن يوماً من هواة الطبخ، ونادراً ما تعدّ الطعام بنفسها في المنزل. تكتفي عادةً بأكل الوجبات السريعة أو الأكلات الخفيفة. "لكن منذ بدء الحجر الصحّي في تونس، وعودتي إلى الكاف (شمال غرب تونس) وسط عائلتي الكبيرة، حاربت الروتين اليومي وحظر التجوّل بإعداد الكثير من الأطباق، التي لم يسبق لي طبخها من قبل. ساعدني ذلك على اكتشاف مواهب دفينة لديّ، إن كان في إعداد الأطباق المميّزة أو التفنّن في ترتيب السفرة". 

ودرصاف، الثلاثينيّة، ليست الوحيدة التي ركّزت جهودها على الطبخ لكسر الحجر الصحي. فقد لاحظ التونسيّون، في الفترة الأخيرة، انشغال العديد من التونسيّات بالمطبخ، ونشر الأكلات التي يعددنها، خلال ساعات الحجر الصحي الطويلة، في بيوتهنّ على شبكات التواصل الاجتماعي. وقد نشط، خاصةً، إعداد الـ"فريكاسي" الذي يعتبر من الوجبات سريعة التحضير، والـ"يويو" المعدّ في البيت والمرطبات، رغم أزمة الدقيق في البلد.
بدورها، تولّت زهرة، التي فرض عليها الحجر الانقطاع عن دوام عملها، إعداد عدّة أصناف من الخبز التقليدي. تعجن الدقيق صباحاً وتتركه يتخمّر، ثم تتولّى وضع الخبز في الفرن، معتبرة أنه صحي ويذكّرنا بتقاليد الجدّات، عندما كانت المخابز قليلة أو غير موجودة.
أمّا سامية، ربّة المنزل، فتقول إنّها تعوّدت الخروج إلى السوق الشعبي في منطقتها، أو زيارة ابنتها، لكنها، منذ بدء الحجر الصحي، تشعر بالضجر والملل، الأمر الذي دفعها إلى إعداد الـ"فريكاسي" وأحيانا الـ"يويو" وهو نوع من الحلويات، وجميعها تعتمد على الدقيق كمادة أساسية.


وترى المختصّة في علم النفس السلوكي، الدكتورة ليليا البحريني دبلون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "ظاهرة إعداد الـ"فريكاسي" والـ"يويو"، التي تلقى رواجاً خلال هذه الفترة، من قبل ربّات البيوت، هي سلوك يمكن تفهّمه لأنّه يخلق نوعاً من اللًذة لصاحبه". وتضيف أنّ الطبخ مصدر من مصادر المتعة الغريزية. فالنوم والطعام ووسائل عديدة أخرى، يمكن أن تكون وسيلة للترفيه عن النفس. وأضافت البحريني أنّ "بعض الناس، عندما يرون، على شبكات التواصل الاجتماعي، الوصفات التي تعدّها ربّات البيوت، يتذكّرونها و يشتهونها. وبما أنّه لا يمكن شراؤها، في ظلّ تواصل الحجر الصحي الشامل، فإنّهم سيعمدون إلى إعدادها في البيت أيضاً".

وما يساعد التونسيات الآن على ذلك، هو توفّر عامل الوقت، بعيداً عن الانشغال بالعمل والدوام الخارجي، كما أنّ الأمر أصبح نوعاّ من الموضة والتقليد. وأشارت إلى أنّ ما يحدث جيّد، لأنه يساعد النساء على الانشغال، وتمضية الوقت وإسعاد أسرهنّ بأطباق جديدة ولذيذة، بدل التركيز على إحصاء موتى كورونا والأخبار التي تبعث على التشاؤم وتزيد الأرق.
وتشير البحريني إلى أنّ التونسيات اعتدن مغادرة منازلهنّ للتسوّق أو لشراء الحاجيات، أو قضاء بعض الوقت عند الصديقات والجارات. لكن الحجر جعلهنّ يتخلّين عن ذلك كلّه، مضيفة أنّ بعض النساء تعوّدن على تمضيّة نهارهنّ بنشاط والقيام بأعمل عدّة خلال النهار، بالتالي هنّ يبحثن الآن عن تعويض، وجدنه في إعداد بعض الأطباق، مشيرة إلى أنّ الظاهرة لن تستمر طويلاً فاللجوء إلى إعداد الطعام هو أمر ظرفي.
ولفتت إلى أنّ الطعام حاجة أساسيّة عند الإنسان، لكن حاجيّاته تطوّرت، ليشغل بها طول ساعات النهار. "لكن لا يجب التركيز فقط على الأكل، إذ يمكن الانشغال بأعمال أخرى في المنزل، كالمطالعة والرياضة، وأيّ عمل آخر نقوم به، يعدّ محاولة للتعامل مع القلق والروتين".
وتؤكّد  البحريني أنّ غياب توقيت محدد لانتهاء الحظر، يضاعف الشعور بالقلق. للتغلّب على هذا الشعور، يلجأ الأفراد للقيام بأعمال يحبّونها وتجلب لهم المتعة. وأشارت إلى أنّه يجب وضع برنامج، ولو كان بسيطاً، لتمضية الوقت والاهتمام بالنفس لرفع المعنويات.

دلالات
المساهمون