أصبح من المسموح وضع الحجاب في مدارس جمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة، جنوبي روسيا، الأمر الذي أثار جدالاً حول التوافق بين الطابع العلماني للتعليم وحقّ المسلمات في الحجاب.
في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، وقّع رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، على تعديلات قانون التعليم الجمهوري التي تلزم المدارس بـ"مراعاة حقوق المواطنين في حرية المعتقد" والسماح للتلاميذ بارتداء أزياء تتطابق مع معتقداتهم الدينية. وجاء توقيع القانون بعد أيام على مصادقة برلمان الشيشان بصورة نهائية.
وأرجع رئيس لجنة التعليم والعلوم والثقافة في البرلمان الشيشاني، بك خان حزبولاتوف، اعتماد التعديلات إلى عدم تعارضها مع المادة 38 من قانون التعليم الفيدرالي الروسي التي تترك للمدارس الحق في تحديد الزيّ المدرسي للتلاميذ، مع العلم أنّ المادة 3 من القانون ذاته تنصّ على "الطابع العلماني" للتعليم في المدارس الحكومية.
وأثارت هذه التعديلات القانونية ردود فعل متباينة، إذ رأت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فيه انتهاكاً لـ"مبدأ الطابع العلماني"، بينما عدّ الكرملين الأمر "مسألة تنظيم" وينبغي التحقق من وجوب تحديد ذلك على المستوى الفيدرالي ومما إذا كان ثمّة حصة من الاختصاص للسلطات المحلية.
من وجهة نظر قانونية، تشير رئيسة حركة "من أجل حقوق النساء الروسيات"، المحامية لودميلا أيفار، إلى أنّ "السماح بوضع الحجاب في المدارس قد يتعارض مع قانون التعليم، لكنّه لا يتعارض مع الدستور الروسي الذي يجب إعلاؤه في كل الأحوال". وتشرح أيفار لـ"العربي الجديد"، أنّ "روسيا بلد متعدد القوميات ويكفل دستورها الحق في حرية المعتقد، ولكل قومية الحق في هويتها الخاصة. لذلك، لا أرى ما يمنع الفتيات من وضع الحجاب في المدارس طالما يبقى الوجه ظاهراً".
من جهته، يرى رئيس قسم البحوث في معهد "حوار الحضارات" الدولي، أليكسي مالاشينكو، أنّه "لا يجوز منع الفتيات المسلمات من وضع الحجاب طالما يُسمح للفتيات المسيحيات بوضع الصليب أو ارتداء تنانير قصيرة". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "التصريحات الصادرة في موسكو تنذر بتفاقم القضية"، مذكّراً بالجدال الذي دار في روسيا قبل نحو 15 عاماً بسبب منع المسلمات من التصوّر بالحجاب لوثائق الهوية، قبل أن تقرّ المحكمة العليا الروسية بحقهنّ في ذلك في مايو/ أيار 2003".
تجدر الإشارة إلى أنّ الجدال حول الحجاب في المدارس يُعَدّ حديثاً نسبياً، إذ كانت المحكمة العليا في عام 2013 قد أيّدت قرار محكمة إقليم ستافروبول، جنوبي روسيا، القاضي بمنع المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس. وفي عام 2014، صدر قرار مماثل في جمهورية موردوفيا، ليشمل إلى جانب الحجاب حظر التنانير القصيرة وسراويل الجينز والوشوم، وأيّدته المحكمة العليا في عام 2015.
أثيرت قضية الحجاب في المدارس من جديد في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أعربت وزيرة التعليم الروسية أولغا فاسيلييفا، عن تأييدها حظر الحجاب في مدارس موردوفيا، إذ رأت أنّ "الحجاب يبيّن الهوية القومية ولا مكان له في المدارس"، مؤكدة على "الطابع العلماني" للتعليم في روسيا. لكنّ ردّ قديروف لم يتأخر، إذ استند زعيم الشيشان إلى المادة 28 من الدستور الروسي التي تضمن حرية المعتقد، مشيراً إلى أنّ بناته الثلاث يرتدين الحجاب في المدرسة ويحصلن على درجات ممتازة.
وكان موقع "العقدة القوقازية" قد أفاد في وقت سابق، بأنّ مدارس العاصمة الشيشانية غروزني، انتقلت منذ بداية العام الدراسي الجاري إلى استخدام زيّ مدرسي موحّد شمل غطاء للرأس غير إلزامي للفتيات. وبعد الجدال بين قديروف ووزيرة التعليم، بدأ البرلمان الشيشاني بإعداد قانون يسمح رسمياً بوضع الحجاب في المدارس. وهو يُعَدّ أوّل قانون محلي من نوعه يعتمده كيان إداري بعينه.
وأظهر استطلاع للرأي أعدّه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام" في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، انقساماً بين سكان روسيا حول مسألة الحجاب في المدارس، إذ أعرب 47 في المائة من المستطلعة آراؤهم عن قبولهم بمظاهر لها دلالات دينية في المدارس، في مقابل رفض النسبة نفسها ذلك. مع ذلك، بيّن هذا الاستطلاع ارتفاعاً في تسامح سكان روسيا مع المظاهر الدينية بالمقارنة مع استطلاع آخر أعدّ في عام 2012، أعرب خلاله 35 في المائة فقط عن قبولهم بها في المؤسسات التعليمية.
وفي غياب الإحصاءات الدقيقة، يقدَّر عدد المسلمين في روسيا بنحو 20 مليون شخص، يتركزون بأغلبهم في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز، بالإضافة إلى جمهوريتَي بشكيريا وتتارستان. كذلك يقيم نحو مليونَي مسلم في العاصمة موسكو.