التونسيون قادرون على إنهاء هذه المشاكل، ولكن لا بد من التعاون وارتفاع الوعي العام بهذه الأخطار المحدقة.
*تتحدثون عن التونسيين وكأنهم واحد، في حين أن هناك اختلافات حول عدة قضايا؛ فهل أن التونسيين لا يزالون موحّدين في ظل الاختلافات السياسية الواضحة، خصوصاً حيال قانون الإرهاب؟
اختلفت الآراء والسبل حول قانون الإرهاب، ولكن عندما حان الوقت للتصويت على القانون، وافق عليه 174 نائباً من أصل 184. والنواب الـ174 الذين صوّتوا على القانون أشخاص تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية، وهذا أكبر مثال على أن التونسيين متفقون وقت الصعوبات، وهؤلاء يمثلون التونسيين بالفعل.
ولاحظنا أنّ الذين صوتوا أكثر من الذين انتخبوا الحكومة، وهناك من لم يصوت للحكومة وصوت لهذا القانون، تماماً مثلما حدث مع الدستور.
*ولكن هذا القانون يلقى معارضة حتى من قبل بعض الأمنيين غير الراضين على عملية التصويت التي تمت في قانون الإرهاب. وهناك من يتحدث عن هضم حق العائلات في القانون الأخير؟
منذ توليت وزارة الداخلية سابقاً، طلبت إجراءات لحماية عائلات الأمنيين وتوفير إطار للتأمين، وهذا الأمر أتابعه، وهو لا يزال من ضمن اهتماماتنا، ويمكن أن يكون حتى بعيداً عن قانون الإرهاب، لأن الوضع الاجتماعي للأمنيين مهم، ولكن هناك مرحلية وإمكانيات قد تدفع إلى تأجيل بعض المسائل، وأنا مهتم شخصياً بهذا الأمر.
*لكن هل يشكل هذا القانون خطوة حاسمة في مواجهة الإرهاب؟
هناك إمكانيات يتيحها هذا القانون، ولكنه ليس كافياً لوحده، لأن مقاومة الإرهاب تتم بمساهمة المواطن، كي تكون النتائج أفضل؛ كعملية سيدي عيش بقفصة، والتي تمت بمشاركة المواطنين الذين تدخلوا في الوقت المناسب. موضوع الإرهاب ليس شأن الدولة أو مجلس نواب الشعب، بل يهم المواطن، وهو واجب وطني، مثل الخدمة العسكرية، يحتم على المواطنين إعطاء المعلومة في الوقت المناسب. وأخطر ما في الإرهاب أن يتلقى الدعم والحضانة، لأنه بدون دعم وحضانة لا يمكن للإرهاب أن يعيش. وبصراحة، بعض العمليات شهدت دعماً من بعض الأطراف.
في البلدان المتقدّمة لا نجد أعوان (رجال) أمن في الطريق، ولكن عندما يحصل أي طارئ نجد أعوان الأمن في عين المكان، لأن المواطن يقدم المعلومة، وبالتالي دعم المواطن للأمن أساسي ويجب أن نكون صفاً واحداً كي تكون النتائج جيدة، ومن أجل حماية بلادنا من هذه الآفة التي تهدد أمننا واستقرارنا وتهدد حياتنا وطريقة عيش التونسيين.
*هل تتوقعون حصول ضربات إرهابية أخرى (بعد هجوم سوسة)؟
الإرهاب يمكن أن يضرب في أي مكان في العالم، وفي أي نقطة، وبالتالي فإن القضاء على الإرهاب مائة في المائة غير ممكن، وغير صحيح، حتى بالنسبة للأميركيين الذين يملكون إمكانات تفوق الجميع. لدينا مثل تونسي يقول من "يسرق يغلب إلي يحاحي" يعني مهما كانت الرقابة، فإن خطر الإرهاب يبقى دائماً قائماً، وحتى أكبر المختصين في الإرهاب لا يمكنه فعل شيء للقضاء على الظاهرة بالكامل، وبالتالي الهدف تقليص الخسائر.
*تخوض تركيا حالياً حرباً مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فهل يساعدنا ذلك في الحد من هجرة الشباب إلى سورية والعراق؟
أكيد أنّ التدخل العسكري التركي سيكون له انعكاس إيجابي، وسيتم منع تدفق الشباب على بؤر التوتر، ومن الممكن أن يغير هذا الأمر أشياء عديدة.
*ولكن هل يمكن لهذا التحول التركي أن يغيّر من المعادلة؟
أنا أميل نحو هذه القراءة، وأعتقد بالفعل أن هذا سيغير أشياء كثيرة.
*صرّحت سابقاً بأنه لا يمكن تسليم التونسيين حتى لو كانوا مجرمين إلى دول أجنبية، وقد تزامن هذا التصريح مع القرار البريطاني بحظر السفر إلى تونس، فهل جاء قراركم كردّ فعل على البريطاني؟
هذا التصريح لا علاقة له بقرار منع البريطانيين من السفر إلى تونس. وقد اتصلت بوزير الخارجية البريطاني (فيليب هاموند) وسفرائهم، وأكدت لهم أنهم يحمون مواطنينا، ونحن نحمي مواطنيهم، وقلت لهم إن هذا القرار له تأثير سلبي على بلادنا وكأنهم بصفة غير مباشرة يحققون ما يريده الإرهابيون، وبالتالي قلت لهم إنهم بقرارهم هذا أضروا كثيراً بتونس. وكان جوابهم أنهم يتفهمون ذلك، وأنّهم اتخذوا هذا القرار في وضع خاص، وتعهدوا بمراجعة القرار في أقرب وقت ممكن، وبمجرد أن تتحسن الظروف الأمنية في تونس.
*هناك حديث عن إمكانية توجيه البريطانيين ضربات لداعش في ليبيا، فهل هم قادرون فعلياً على تغيير المعادلة في ليبيا؟
لا أظن ذلك. كل عمل عسكري مرفوض، وهو نتيجة عمل غير مدروس. هناك ضربات تأتي بعد معلومات دقيقة وهي بمثابة الضربات الجراحية؛ ومنفّذوها أحرار في ذلك. ولكنني مبدئياً ضدّ أي ضربات عسكرية في ليبيا، وحتى في غير ليبيا.
*كثر الحديث عن وجود خلافات مع الجزائر، وأن الأخيرة غيرت طاقمها في السفارة بتونس وأنها غاضبة، فهل هناك ملفات عالقة أو خلافات حول استراتيجية مواجهة خطر الاٍرهاب؟
هذا الأمرغير صحيح. علاقاتنا مع الجزائر طيبة، خصوصاً في مجال التعاون الأمني والفني وحتى الاقتصادي.
هناك شائعات، وهي غير صحيحة. قد يكون وراءها أشخاص لا يعجبهم التعاون الموجود بين تونس والجزائر، ولكن قدرنا التعاون، خصوصاً في مجال الإرهاب.
*كيف تقيمون الوضع الليبي في الوقت الحالي؟
الشأن الليبي يبقى خاصا بالليبيين. لكن ما يهمنا هو الوضع الأمني في ليبيا، لأن هناك علاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية هامة مع ليبيا، والأمن في ليبيا يهمنا كتونسيين. ونأمل استتباب الأمن والوصول إلى اتفاق سياسي ليبي ــليبي دون تدخل أي طرف، والحل في ليبيا هو سياسي بامتياز ودورنا المساهمة في لمّ الشمل.
*اتخذت تونس قراراً مهماً بعد الثورة يقضي بعدم إقصاء الأشخاص الذين تعاملوا مع النظام السابق، وتم رفض قانون العزل السياسي، فهل هناك نصيحة تقدمها تونس إلى ليبيا في ظل قضية البغدادي المحمودي؟
الشعب الليبي راشد ويعرف مصلحته جيداً، ولسنا في موقع لنقدم له النصائح. ولكن هناك عدة مخاوف من تطور حجم "داعش" في ليبيا، وهذا الأمر قد يكون له تأثيرات على الأمن في تونس؟
تعاظم "داعش" في ليبيا والعراق وسورية له تأثير على تونس. هناك تونسيون منخرطون في "داعش"، وهذا خطر علينا. بعضهم يعود إلى تونس، وبالتالي فإن تطوّر الوضع الأمني وانتشار "داعش" يهم أمننا القومي، ونحن مجبرون على اعتبار هذا معطى أساسيا في السياسة الأمنية.
اقرأ أيضاً: تونس... الأمن والجدار مع ليبيا
*كيف تفسرون هذا الحجم المتزايد للشباب التونسي في التنظيمات الإرهابية؟
لدينا فراغ إيديولوجي. الشباب يجد من يؤطره إيديولوجياً، ومن ليس لديهم إمكانات مادية، يُقبلون على الانخراط في التنظيمات الإرهابية؛ الأجنبي يقاتل من أجل المال، وللأسف منذ 2011، تم استقطاب عدد من الشباب. وفي قانون العفو العام، تم إطلاق سراح 1200 شخص من المحكوم عليهم في إطار قانون الإرهاب.
*ما الذي تغير بالعمل الحكومي بعد سوسة؟
قلت سابقاً إنه يجب تغيير سياستنا في مجال مكافحة الإرهاب، وكان هذا العمل من ضمن أولوياتنا المطلقة، وقد انطلقنا في العمل قبل ضربة سوسة، أي منذ شهر مارس/ آذار وحتى قبل اعتداء باردو.
وبعد عملية باردو اتخذنا عدة إجراءات، وتم تكثيف الرقابة والحراسة حول الفنادق والمرافق في جربة وتونس، إلى جانب تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود. وفكرة بناء جدار ترابي بدأ التفكير فيها منذ 18 مارس/آذار، وليس بعد عملية سوسة. حين توصلنا إلى أن العديد من الأشخاص يتدربون في ليبيا، وبالتالي نحن مطالبون بحماية حدودنا.
كلما حصل ارتخاء يستغلّه الإرهابيون ولا يتسامحون، ولدينا نحو ألف متعاون موزّعين على المناطق السياحية، ونحن مطالبون بمواصلة اليقظة وضمن الميزانية التكميلية، وسيتم انتداب 2500 عنصر أمن إضافي.
*هل سيكون الجدار الترابي بين تونس وليبيا فعالاً للحد من المشاكل المتأتية من ليبيا؟
هو ليس جداراً، بل ساتر ترابي. وسيكون له دور مهم بالفعل، هناك نقاط حراسة وستخصص نقاط معينة للعبور، وهذا الأمر يساعد في الحد من عديد المشاكل، خصوصاً بين رأس جدير والذهيبة التي تحتوي على خطر أكبر. وستكون هناك مراقبة عينية، وسنركز في وقت لاحق مراقبة إلكترونية، وما يقال حول تضرر رعاية الماشية والإبل ليس صحيحاً.
*من بين أفكاركم المتداولة قبل تسلمكم رئاسة الحكومة الهدنةُ الاجتماعية، فهل ترون ذلك ممكناً؟
لا يمكن تحقيق مواطن شغل دون أمن. أولوياتنا هي مقاومة الإرهاب وتوفير السلم الاجتماعي. وإيماناً باستمرارية الدولة، فقد اعتبرنا أن كل الالتزامات السابقة للدولة سنكون مسؤولين عن تنفيذها.
وتعهدنا كذلك بزيادة الأجور في 2014، وما اتفقنا عليه نفذناه، ولكن حصلت إشكاليات وإضرابات. وبالنسبة لموضوع الأساتذة تم الاتفاق على نقاط معينة، ولكن الطموحات كبرت وإمكانات الدولة محدودة، ولم تسمح باتخاذ قرارات يكون لها انعكاسات سلبية. ومع ذلك لم نقطع الحوار مع النقابات.
*لكن المعلمين يهددون الموسم الدراسي المقبل بعد تصادمهم نهاية الموسم الماضي مع الوزارة؟
بالنسبة للمعلمين نحن نؤمن بالحريات والديمقراطية، ولكن الدولة لديها إمكانات محدودة. وفي الوقت الحاضر ليس هناك إمكانات مالية.
*هناك حديث عن تعديلات وزارية في سبتمبر/أيلول المقبل، ما مدى صحة ذلك، خصوصاً أن بعض قيادات حركة "النهضة" تتحدث عن أن تمثيلها في الحكومة لا يعكس حجمها؟
أنا رئيس الحكومة وأنا من يقرر ذلك. وإذا ارتأيت أن الوضع يتطلب إجراء تعديل وزاري فسأقوم بذلك/ ولكن إذا لم يكن هناك داع للتعديل فلماذا نقوم به؟ لن نفكر في تعديل وزاري لمجرد إعادة التوازنات للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي. ولم أسمع صراحة مثل هذا الكلام من "النهضة".
اقرأ أيضاً: الائتلاف الحاكم التونسي ورهانات سبتمبر: تغييرات وزارية تستثني الصيد
*كيف هي علاقة تونس بدول الخليج؟
العلاقة طيبة ومستوى الانسجام يختلف من دولة أخرى. هناك بعض السحب قد تشهدها العلاقات من حين لآخر، ولكن مع بعض البلدان لا توجد سحابة ونتعامل بكل أريحية.
*كيف تقيّمون علاقتكم بقطر؟
علاقتنا مع قطر عادية، وسأقوم بزيارة قريبة إلى دول الجوار في إطار التعاون بيننا.
اقرأ أيضاً: رئيس وزراء تونس: السياحة وحدها لا تكفي لإنعاش الاقتصاد