"كاتب تونسي يقيم في باريس"، هكذا يصنّف غالباً الحبيب السالمي، حيث يوحي التصنيف "وكأنه خارج العالمَين، غير أنه في الحقيقة ابنهما"، كما يقول الكاتب سمير بن علي المسعودي في تقديم رواية "جبل العنز" للسالمي، والذي دار حوله نقاش أدبي مع المؤلف في مقر "اتحاد الكتّاب التونسيين" في تونس العاصمة يوم الجمعة الماضي.
تقديم المسعودي طرح أسئلة أبعد من نص الرواية، حيث تحدّث عن علاقة خاصة بين السالمي والمكان، وأشار إلى اقتراب عمل صاحب "عشاق بية" من المدرسة الملحمية في المسرح التي تقوم على كسر الحائط الوهمي الرابع في رواية تتحدّث عن بداية تدمير السلطة للثقافة (منذ عقود) وهو ما نعيش نتائجه اليوم.
في كلمته، يلفت السالمي أن الأماكن تتداخل في الكتابة فهي ليست حقيقية تماماً ولا خيالية تماماً و"لا علاقة منطقية بين الكاتب والمكان، إذ توجد مساحة شاسعة من الخيال، والروائي لا يقوم بدور الصحافي داخل نصّه".
من جهة أخرى، يرى السالمي أن حصر الأصل/ الوطن في العلاقة بالمكان تخفي الكثير من العناصر حول هذه العلاقة الملتبسة والتي ينبغي لها أن تكون كذلك، فهي بحسبه علاقة لا يمكنها أن تكون خطّية، باعتبار أن "إفادة الكاتب مع بلده تختلف عن إفادة المواطن الذي يدفع ضرائبه".
هذه العلاقة لها أيضاً وجهها اللغوي، والذي نجده في ثنائية الكتابة بالعربية أو بلغة أجنبية. يعتبر السالمي أنه "خارج اللغة العربية، من مستحيل أن نتحدّث عن رواية عربية"، مستشهداً بنموذج طاهر بنجلون حيث يرى أنه لا يكفي تناول مواضيع عربية لجعل الرواية عربية.
لا يرى السالمي مشكلاً في الكتابة بالفرنسية إلا أنه يشير إلى خطورة تبرير هذه الخطوة، ذاكراً نماذج من هذه التبريرات كالقول بأن العربية لغة ميتة أو أنها لغة الأب الذي ينبغي أن يُقتل كي يتحرّر الأبناء وغيرها من الأطروحات، والتي توازيها أطروحات غربية إذ قيل في السابق أن من يكتب بالعربية هم مع السلطة العربية ومن يكتب بالفرنسية هم من اتخذوا مسافات منها، وهذه مغالطة. ثم تلتها مغالطة أخرى تقول بأن من يكتب بالعربية يساند الأصولية.
عن سؤال حول بقاء الأدب العربي هامشياً في الغرب، لا ينكر السالمي ذلك لكنه يشير إلى نقاط مضيئة. وحول مقارنة الرواية العربية بالرواية الأميركولاتينية في فرض نفسها على أوروبا، يعتبر أن ثمة خطأ في التقييم إذ "يوجد اختلاف جوهري، لأن الرواية الأميركولاتينية مكتوبة باللغة الإسبانية، وهي لغة أساسية في الرواية، لغة أوروبية، لغة سربانتس صاحب أوّل رواية".
يضيف "من جهة أخرى، لن نخفي أن الرواية العربية ليست ذات مستوى في كثير من الأحيان"، ليفتح قوساً حول مسألة الحداثة في الرواية إذ يرى أن "تطبيق نظريات الحداثة في الأعمال الفنية ليس حداثة، من هنا فالكثير من الروايات العربية التي تسمى حديثة ليست سوى أعمال سكولاستيكية أي أنها تطبّق نظريات أكاديمية لا غير"، معتبراً أن هذا الخطأ طال الكتابة كما النقد، ليقول "في اعتقادي، لا يوجد نقد علمي، هناك بحث علمي، أما النقد الأدبي فهو قراءة وتورّط ذاتي في النصوص".