الحالة الدينية في مصر... تحديات طائفية وسياسية

11 مايو 2017
النظام يدعم التوتر الطائفي (أحمد جميل/الأناضول)
+ الخط -

أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، (منظمة مجتمع مدني مصرية)، أنها واجهت في محاولاتها لإصدار تقارير شاملة عن الحالة الدينية في مصر، من منظور معرفي أو حقوقي، تحديات كبيرة، منها سياسة الدولة في إنكار التنوع الديني والتوترات الطائفية، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي الديني، الذي تصاعد بعنف منذ انطلاق الثورة.

وفي منتدى "الدين والحريات"، الذي يتبع المبادرة، تحت عنوان "الحالة الدينية في مصر من ثلاث تجارب"، قال الباحث في المبادرة، عمرو عزت، إن الدولة ضاقت بمحاولة إصدار تقرير من إحدى مؤسساتها، وهو "تقرير الحالة الدينية في مصر"، الصادر عن "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، الذي انطلق عام 1995 وصدر منه عددان، وتوقف بتوصية أمنية بحسب مصادر عديدة، رغم أن التقرير لم يتناول تنوعات كثيرة. وركز في الأساس على رصد المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وبدأ في تناول الحركات الإسلامية من منظور مساند للدولة في معركتها ضد هذه الحركات، ولكن يبدو أن هناك قلقًا وموقفًا عامًّا ضد إتاحة المعلومات بخصوص الشأن الديني.

وقال إسحق إبراهيم، أحد محرري "التقرير ربع السنوي لحرية الدين والمعتقد في مصر" الصادر عن المبادرة المصرية في الفترة من 2008 حتى 2010، إن تجربة تقرير الأهرام كانت محدودة بسقف مرحلة التسعينيات، وكانت في الأساس استجابة لعنف الجماعات الإسلامية في الصعيد، وتلتها تجربة تقرير "الأقليات في العالم العربي" الصادر عن مركز ابن خلدون، الذي تم اتهامه بـ"إثارة النعرات الدينية".

وتبنت تقارير المبادرة ربع السنوية منظورًا حقوقيًّا أكثر شمولية من منظور الأقليات، ومرتبطًا بجهد الدفاع عن ضحايا الانتهاكات والتمييز سواء كانوا من الأقباط أو من فئات دينية مهمشة أو حتى من الأغلبية المسلمة، مثل قضايا التمييز ضد السلفيين أو أصحاب الآراء الدينية المختلفة عن السائد، والذين يواجهون قضايا ازدراء الأديان.

وأشار إبراهيم إلى أن تصاعد حدّة انتهاكات حرية الدين والمعتقَد بعد الثورة جعل المبادرة تغير من سياسة إصداراتها، وتوقف التقرير ربع السنوي، وبدأت تقارير خاصة تصدر لكل موضوع على حدة؛ مثل تقرير "حصار التفكير" عن قضايا ازدراء الأديان وتقرير "في عُرْف مَن؟"، عن أسلوب الجلسات العرفية في التعامل مع الصدامات الطائفية.

الصورة النمطية

وتحدث رئيس هيئة تحرير تقرير "الحالة الدينية المعاصرة في مصر 2010-2014" الصادر عن مؤسسة (مؤمنون بلا حدود)، سامح إسماعيل، عن أن السيولة اﻻجتماعية والدينية والثقافية التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير، كانت الدافع لإصدار تقرير مفصل وشامل، ما أشار إلى أن الفشل في تجديد الخطاب الديني وإدارة التنوع الثقافي والديني في مصر يعود إلى أسباب كثيرة، منها نقص الإطار المعرفي والمعلوماتي القادر على حل تلك اﻹشكاليات وهو ما حاول التقرير أن يعالجه.

وأوضح إسماعيل أن التقرير كسر الصورة النمطية التي يتم بها تناول "شخصية مصر"، وهي أن مصر دولة إسلامية يعيش بها مسيحيون، ولا توجد بها مجموعات دينية أخرى، وتناول التقرير التنوعات الإسلامية غير السنية مثل الشيعة والأحمديين والقرآنيين، والتنوعات المسيحية غير المعترف بها مثل طائفة شهود يهوه، وطوائف دينية أخرى مثل البهائيين، باﻹضافة إلى وجود ملحدين ولادينيين، وحذر من أن إنكار التنوع قد يؤدي إلى انفجار الحالة الدينية في مصر، وأن على الدولة التعامل معه بجدية وتعزيز حقوق المواطنة لكل الفئات.

وعن اﻻنتقادات التي تم توجيهها إلى التقرير بأنه منحاز ضد جماعة اﻹخوان المسلمين وضد الإسلام السياسي، قال إسماعيل إن التقرير وجّه نقدًا إلى كل من يقف ضد التنوع والحرية، ومنهم اﻹخوان المسلمون، الذين تصدروا المشهد السياسي من بعد 2011، وكانت لهم مواقف "بالغة الاستفزازية" في ما يخص التعامل مع الحالة الدينية.

وأضاف أن التقرير شارك فيه أكثر 100 باحث كانوا في قلب الصراع الموجود وأن عدم اﻻنحياز أكذوبة، ولكن على صعيد آخر تناول التقرير بالنقد أيضًا الجماعات السلفية ومؤسسة اﻷزهر، والجماعات المسيحية التي ترى أن المسيحية في مصر أرثوذكسية فقط وتنكر التنوعات المسيحية اﻷخرى.

ولفت إسماعيل إلى تجربة تنظيم نقاش حول التقرير في كلية اللغات والترجمة بجامعة اﻷزهر وبحضور أساتذة وباحثين وطلاب، وقال إن التقرير أحدث حالة من الجدل بين مُرحِّب ورافض.

وأكد أن هذا الحوار كشف عن وجود تيار فكري جديد داخل الأزهر من باحثين منفتحين وأكثر تسامحًا وتحررًا، ويتبنون نقدًا للتفكير الديني السائد وهم مَن قاموا بدعوته للنقاش في الأزهر. ولكن أغرب التعليقات كانت من أحد الشيوخ الأزهريين - وهو من المسؤولين عن ملف تجديد الخطاب الديني في وزارة اﻷوقاف - والذي قال "إن التقرير كان جيدًا في تناول وجود البهائيين والشيعة لكي تتم دراسة حالتهم و"اقتلاعهم من جذورهم عن طريق الحوار"، على حد تعبيره.