في سبعينيات القرن الماضي، حدث انفجارٌ موسيقيٌّ في غرب أفريقيا، تمثّل في الصعود الجماهيري لموسيقى الهايلايف. مركز ذلك الانفجار كان غانا، المستعمرة التي أطلق البريطانيون عليها اسم "ساحل الذهب".
في غانا، كانت مدينة كوماسي، وما تزال، أحد مصادر الفخر القومي، إذ تمثّل عاصمة مملكة الأشانتي العريقة، وهي أيضاً مسقط رأس أهمّ الموسيقيين في غانا: الحاج كوابينا فريمبونغ (1950 - 2005)، الذي مرّت هذا الشهر ذكرى رحيله التاسعة (18 تشرين الأول/ أكتوبر).
غانا مهد موسيقى الهايلايف التي تتميّز بالغيتارات متعدّدة الإيقاعات، ومنها انتقلت إلى سيراليون، ثم نيجيريا وليبيريا، وكل الدول الناطقة باللغة الإنجليزية في غرب أفريقيا. إلا أن التنافس فيها انحصر بين موسيقيي غانا ونيجيريا، حيث عكف عددٌ من الفنانين على تطوير هذا النمط الموسيقي، منهم الموسيقار الغاني كوابينّا بوا-آنبوسيم، مؤسّس فرقة "بالم واين ميوزيك".
كانت الهايلايف موسيقى الضواحي الفقيرة والمهمشة، ولكن فرقة "أورينتال براذرس إنترناشونال باند"، التي أسّسها سير وُريير، نقلت هذه الموسيقى إلى الأندية الليلية، والنوادي الراقية في نيجيريا، فاكتسبت زخماً جماهيرياً.
بعض نقّاد الموسيقى يعتبر أن الهايلايف وُلد على يد عازف الترومبيت الشهير فيكتور أوليايا، خلال حقبة الستينيات، عبر إعادة إنتاج وتوزيع بعض الإيقاعات التراثية ووضعها في قوالب موسيقيّة جديدة. إذ عمل على إدخال الآلات الموسيقية الغربية، وعكف على محاولة فرز الدرجات اللونية للألحان المتنوعة، وإعادة ضبط التسلسلات الوترية للغيتارات البرتغالية، لتناسب القوالب الموسيقية الأفريقية.
في العقد التالي، السبعينيات، سيعرف هذا اللون الموسيقي ازدهاراً مع موسيقيين مثل باباه كِن أوكولولو وفيلا كوتي. إلا أن حقبة الثمانينيات مثَّلت قمة جماهيرية هذه الموسيقى، وكان أبرز وجوه ذلك الجيل النيجيري برينس نيكو إمّباراغا، والغاني دادي لومبا، وأورلاندو أوشا.
تُؤدى أغاني الهايلايف بالإنجليزية غالباً. لكن، بعد انتشارها جماهيرياً، راحت تظهر تصنيفات فرعية منها في كل بلد، وأصبح هناك تنوّعٌ لغويّ كبيرٌ في نصوصها المغنّاة، فصار بعضها يُؤدّى بالفرنسية، وبلغات الإيبو، واليوروبا، والهوسا، والأكان.
على سبيل المثال، انصبّ اهتمام بعض الموسيقيين في نيجيريا على أداء أغانٍ بلغة شعب الإيبو، فأضحى هناك فرع يسمى Igbo Highlife، وتحت هذه التسمية، صُنفت تجارب عدد من الفنانين مثل سير وُريير، شِيف إستيفان أوساديبي، برايت شيميزياه. إلا أن الحاج كوابينا فريمبونغ كان يُؤدّي أغانيه بخليطٍ من الإنجليزية ولغة أكان المنتشرة في إقليم الأشانتي، والتي يتحدّثها نصف سكان غانا.
في 1977، وبعد سنوات من التجريب وإصدار الأغاني المنفردة، جمع فريمبونغ ألبوم Obi Agye Me Dofo الذي يتضمن مجموعة مختارة من تلك الأغاني. لم يحصر الفنان عمله مع فرقة معيّنة. هكذا، ومن أجل تسجيل أعماله، لجأ بدايةً إلى فرقة Vis-A-Vis التي قام بتأسيسها الموسيقي آيزاك إيوبا في مدينة كوماسي. كانت تلك الفرقة تضم أفضل موسيقيي غانا في ذلك الوقت، مثل عازف الغيتار سامي كروبر، وعازف الباصّ سليم ياو.
بعد ذلك، تعاون مع فرقة The Cubano Fiestas التي انبثقت من فرقة Vis-A-Vis وضمت أغلبية أعضائها، إضافة إلى احتضانها بعض عازفي الساكسفون الجدد، مثل جورج أميسّا، جورج أبونا، وعازف الترومبيت آرثر كيندي، وذلك بعد انفصالهم عن فرقة الفنان إيبو تايلور. عرف الألبوم الأول لفريمبونغ شهرة كبيرة بفضل أغنية Kyenkyen Bi Adi Mawu التي تعني حرفياً بلغة أكان: "قوة انفجار الخيال"؛ والتي ساهمت أيضاً في نقل تجربته إلى العالم.
اعتمد فريمبونغ في موسيقاه على الآلات النفخية، كالترومبيت والساكسفون، لكونه عازف ترومبيت بالأساس، رغم إجادته العزف على الغيتارات الكونغولية، والآلات الوترية بشكلٍ عام. كان فريمبونغ مقلّاً في إنتاجه، صابّاً كل تركيزه على الإصدار النوعي وليس الكمي؛ لذا لم يصدرْ في حياته سوى ثلاثة ألبومات، آخرها كان قبل ثلاث سنوات من وفاته.
فترة السبعينيات من مسار فريمبونغ كانت تجريبية ومنفتحة على الأساليب كلها، إذا حملت تأثيرات موسيقى الديسكو، وإيقاعات الأميركي جيمس براون، عبر المحيط الأطلسي نحو الشرق، كما عبرت بالموسيقى الأفريقية غرباً إلى الأميركيتين، وكان الهايلايف هو الوعاء الذي انصهرت فيه كل هذه الأساليب الموسيقية.
في تلك الحقبة، مثّل فريمبونغ نقلة مفصلية في تاريخ الموسيقى الغانيّة التي بدأت بالانتشار على المستويين الإقليمي والعالمي. أما حقبة الثمانينيات فيمكن القول إنها شكّلت خطوة نوعية في تجربة فريمبونغ، إذ تميّز عمله فيها بتأثير نمط الـ Afrobeat الذي أسّس له الموسيقي النيجيري فيلا كوتي. كما أنتج فريمبونغ على فترات متباعدة بعض الأغاني وفقاً لنمط الـ Afro-Cuban.
باختصار، جمعت تجربة الحاج كوابينا فريمبونغ بين الأصالة والمعاصرة، عبر أغانٍ رومانسية تمتّعت، وما تزال، بشعبية جماهيرية، مشكّلةً انفجاراً موسيقياً انطلقت ألحانه من كوماسي لتتناثر في أنحاء أفريقيا.