شهدت خطب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، تغييراً ملموساً في الفترة الأخيرة، بخصوص نوعية المواضيع، التي يطرحها، أو التوجيهات السياسية والاقتصادية، التي يلقيها للمسؤولين الحكوميين، إذ باتت خطبه تنحو إلى الانتقاد عوض الإشادة والمديح. وخصص الملك خطبه الأخيرة لقضايا اجتماعية واقتصادية بالأساس، ووجه جملة انتقادات، حادة أحياناً، إلى طريقة تسيير بعض المدن والمرافق الحكومية، ولفت الانتباه إلى اختلالات اجتماعية تحدق بالبلاد.
وانطلقت الخطب الجديدة للعاهل المغربي، ذات النفَس النقدي، قبل شهور خلت في البرلمان، عندما انتقد نموذج الحكم المحلي لمدينة الدار البيضاء، وتلتها خطب عاب فيها السياسة التعليمية للبلاد، كما انتقد التفاوت الطبقي بين المغاربة. ووجه الملك، في خطابه الأخير، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، انتقادات للوتيرة، التي يسير عليها المغرب، وقال: "لا نريد مغرباً بسرعتين: أغنياء يستفيدون من التنمية، ويزدادون غنى، وفقراء خارج مسار التنمية، ويزدادون فقراً".
وفي خطاب ذكرى جلوسه على العرش، في 30 يوليو/تموز الماضي، فاجأ الملك المغاربة بسؤال عريض مفاده "أين تذهب ثروة البلاد؟"، باعتبار أن التقارير المختلفة تؤكد عدم استفادة الفقراء من ثروة الوطن، التي من المفترض أن ينعم بها الجميع. وقبل هذه الخطب، كان الملك قد انتقد الوضع الحالي للتعليم في البلاد، وقال إن "وضعه أصبح أكثر سوءاً، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أكثر من عشرين سنة"، موجهاً أصابع الاتهام إلى نظام التعليم العمومي، الذي نعته بالفشل. وفي خطاب سابق، أيضاً، لم يتردد الملك في انتقاد المسؤولين المحليين في مدينة ضخمة كالدار البيضاء، إذ وصفها بكونها "مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، ومدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح أيضاً".
يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الرباط، الدكتور سعيد بلعيد، أن موجة الخطب الجديدة للعاهل المغربي، تعبر عن "جيل مخالف للخطب الملكية عما سبق، إذ كانت الخطب فيما مضى عبارة عن ترديد مواضيع عامة، تتضمن الإشادة بالأوضاع". ويوضح بلعيد أن "الخطب الملكية، في الفترة الأخيرة، صارت تنحو أكثر إلى وضع اليد على مواطن الخلل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالملك سبق له أن انتقد الأجواء، التي تمر فيها النقاشات في البرلمان، كما نبه إلى معضلات التعليم والاقتصاد". ويلفت إلى أن "الخطب الملكية صارت أكثر متابعة من الناحية الإعلامية، عما كانت عليه في السابق، إذ بدأت الصحف ووسائل الإعلام تحتفي بمحاور تلك الخطب، وتدرجها ضمن أبرز عناوينها، وتخصص لها صفحات للنقاشات السياسية المختلفة".
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي إنه "إذا كانت الخطب الملكية الجديدة تنحو إلى النقد الذاتي لتصحيح الأوضاع الخاطئة، فيتعين مرافقتها بتدابير عملية على أرض الواقع، وإعادة النظر في الاختيارات السياسية والاقتصادية، التي نهجتها الدولة منذ سنوات، وأفضت إلى الوضع الراهن". وينبه إلى أن "مسؤولية الأوضاع والاختلالات الموجودة لا تعود إلى عهد الملك الحالي، فهي تراكم موروث يرجع إلى خمسين سنة مضت من القرارات السياسية والاقتصادية".
ويدعو أقصبي إلى "الاستفادة من خلاصات تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية، وآفاق سنة 2025"، الذي أعده عشرات الخبراء المغاربة، في مختلف التخصصات، وذلك لتجاوز بؤر المستقبل لبناء مغرب قوي بحلول سنة 2025.